17 نوفمبر، 2024 8:38 م
Search
Close this search box.

ميكافيللية الاسلام 

ميكافيللية الاسلام 

على الرغم من الكثير من المفردات السياسية الواقعية التي ادرجها الفيلسوف والمفكر السياسي الايطالي (نيكولو دي برناردو دي ميكافيللي) في كتابه الشهير والموسوم بـ (الأمير) ، الا إن القاعدة الأكثر شيوعاً وانتشاراً في مساحة العمل السياسي هي عبارة (الغاية تبرر الوسيلة) ، والتي كانت وما زالت موضع نقاش بين الاثبات والنقض ، او بين القبول والرفض .
ولأن ميكافيللي عاش في فلورنسا الايطالية إبان عصر النهضة في اوربا ، ولأنه توفي عام (١٥٢٨) ، فقد بدأ المتدينون المسلمون (المتأخرون) بتناول كتابه (الامير) برؤى دينية ، ليجعلوا من النظرة التطابقية وسيلة لنقد مقولته (الغاية تبرر الوسيلة) ، دون الرجوع الى الحوادث التأريخية ضمن الموروث الاسلامي ، والتي من شأنها ان تدعم هذه المقولة .
لقد ذهب الكثير من الاسلاميين والاسلامويين الى تخطئة عبارة ميكافيللي ، معتبرين اياها نوعاً من انواع المخالفة للاسلام ، معززين ارائهم بأن (الغاية) و (الوسيلة) هما من جنس واحد ، وان الغايات السامية لا تتحقق بالوسائل الهابطة ، وان الوسائل الهابطة لا يمكن ان توصل الى غايات سامية .
لقد اغفل هؤلاء كثيراً من الحوادث ضمن موروثنا الاسلامي الذي سبق ميكافيللي بمئات السنين ، والذي يعزز من هذه المقولة (القاعدة) ، ويجعلها ضمن حيز التطبيق المقبول (شرعاً وقانوناً واخلاقاً) .
فمن المعروف بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قد جعل (اسامة بن زيد) على رأس السرية التي جهزها للمسير الى الشام ، بالرغم من وجود من هم أسن وأكفأ واجدر بالقيادة من اسامة ، وذلك لوجود غاية (سامية) بررت للنبي (صلى الله عليه واله) تجاوز الكفاءات والاعمار والمؤهلات ، وسوغت له إمرة اسامة على الجيش .
وثمة موضوعة اخرى تدل على قبول قاعدة (الغاية تبرر الوسيلة) لدى الموروث الاسلامي ، تكمن في موضوع (المؤلفة قلوبهم) ، الذين دخلوا الاسلام عنوة او بغير قناعة ، والذين اراد الرسول (صلى الله عليه وآله) ان يقمع مؤامراتهم وحقدهم على الاسلام ، ففرض لهم (عطاء) من بيت مال المسلمين ، واقتطع جزءً من استحقاقات المسلمين ليدفعها لهؤلاء المؤلفة قلوبهم .
ان اتفاق اغلب الفقهاء المسلمين على شرعنة (قتل المدنيين) حين (يتمترس) بهم الاعداء ، تمثل اوضح صور الميكافيللية ، في الماضي والحاضر .
لقد استحدث فقهاء المسلمين مصطلحاً جديداً (غامضاً عائماً مطاطياً) اسمه مصطلح (المصلحة) ، والذي يمكن لهم من خلاله تبرير قبولهم او رفضهم لما يطابق او يخالف امزجتهم ، والذي يستطيعون من خلاله قمع تطلعات الاخرين وطموحاتهم .
ولان المصلحة مطاطية ، فهي تارة تكون على شكل (مصلحة الامة) او (مصلحة الدين) او (مصلحة المذهب) او (مصلحة الطائفة) او … او …. الخ .
ان القوانين التي تصدرها الدول لا تخلو من الميكافيللية ، فهي وان كانت (غايتها) تحقيق مصلحة المجتمع ، ولكنها بنفس الوقت (تضر) بمصالح مجموعة من الافراد ، كأن تعبد شارعاً لخدمة المجتمع ، وتحقيق المصلحة العامة ، فتضطر لهدم مساكن او اتلاف مزارع لافراد اخرين .
وعلى كل حال ، فقاعدة (الغاية تبرر الوسيلة) ليست مرفوضة تماماً ضمن اطر العمل السياسي والمجتمعي الواقعي ، وان ادعى البعض انهم ضد منطوقها . 

أحدث المقالات