تداولت اخبار الخميس الفائت تصريحات متفائلة جدا !!! لبعض الوزراء والنواب عن ان مجلس الوزراء قد اقر مشروع الموازنة العامة للدولة للعام القادم الفين وخمسة عشر وسيرسلها الى مجلس النواب على وجه السرعة .
وبقراءة سريعة لمشروع الموازنة العامة والتي ستقدم الى مجلس النواب لدراستها واقرارها ؛ فانها وبحق ستكون انتكاسة عراقية كبرى .. وان من اعدها اراد فقط ان يذر الرماد في العيون وان يتخلص من عبء ثقيل ؛ وينأى بنفسه عن جريمة بقاء البلد بلا موازنة للعام الحالي الفين واربعة عشر ؛ وبلا مراجعة ختامية لجميع الوزارات والموازنات التي تلت الاحتلال من العام الفين وثلاثة وحتى الان !!
تبلغ موازنة العام المقبل حسب مشروعها المقدم من الحكومة مائة مليار دولار ( أو مائة وثمانية ترليونات دينار ) استنادا الى احتساب سبعين دولاراً سعراً لبرميل النفط الواحد وبعجز مقداره خمسة وعشرون مليار دولار فقط ..اي بمعنى ان الموازنة العامة اعتمدت كليا على صادرات النفط الخام ؛ ولم تدخل الحكومة اي مورد اخر كمصدر للدخل الوطني كالضراب والرسوم والمنتجات الصناعية والزراعية ؛ والسياحة الدينية والنقل الوطني ..او الواردات الاخرى الناتجة عن الخدمات التي تبيعها الدولة للمواطن .
واذا ما علمنا بداهة ان خمساً من المئة من واردات العراق النقدية ستذهب ذاتياً الى الشقيقة الكويت !!!! عبر صندوق التعويضات التابع للامم المتحدة ؛ وعن فعل وجريمة لا ذنب للشعب العراقي فيها وهي تحلب منه ومن قوته ورغيف خبزه منذ ربع قرن !! كما سيذهب سبع عشرة من المئة من هذه الموازنة الى ( شركائنا في الوطن) اخوتنا الاكراد !!.. فهذا يعني ان ربع الموازنة قد طار وتبخر قبل ان يرى النور؛ في حين ان خمساً وسبعين من المئة من المبلغ المتبقى سيذهب الى الموازنة التشغيلية للدولة ؛ ولمن لا يعرفها فانها تندرج تحت باب الرواتب والاجور والمخصصات والايفاد والصيانة والنثريات والوقود والسيارات .. وما سيتبقى هو اثنان من المئة ؛ اي مليارا دولار فقط لاغيرها .. فهل يطعم هذان الملياران جوع ملايين النازحين والمهجرين في الكهوف والخيام المهترئة ؟ او يسد احتياجات الجيش والقوات المسلحة ومقاتلي الحشد الشعبي وهم يتصدون الى اعتى قوى الارهاب التي جاءت من كل حدب وصوب للتنكيل بهذا الشعب الذي يعاني كل المرارات منذ عقود وما زال ؟..وهل ستحل هذه الموازنة مشاكل الخدمات التي بانت جودتها واضحة وجلية في البصرة والجنوب مع اولى زخات مطر الموسم الحالي ؟ ام انها ستصلح احوال الكهرباء المستعصية ؛ بعد ان صدرناها العام الماضي كما وعد وزيرها انذاك السيد الشهرستاني ؟ ام هل ستوفر فرص العمل للخريجين والعاطلين عن العمل وقد اصبحوا جيوشاً يسهل على الارهاب استمالتهم وتجنيدهم تطبيقا لمبدأ الحاجة والعوز ؟
احد مستشاري رئيس الوزراء جاء بالمفيد ؛ حيث لم يستبعد الاقتراض الخارجي لسد عجز الموازنة او طرح سندات حكومية للشراء من قبل المواطنين ؛ او اللجوء الى تبسيط اجراءات جذب الاستثمار الذي هرب ويهرب خوفاً من الامن المضطرب اضافة الى فرض اجراءات صارمة على الترشيد وضغط النفقات العامة وتقليل الاستهلاك ..اما المضحك حد البكاء هو تحذير السيد وزير النفط الذي ادرك الان فقط !!! ان الاعتماد على النفط والاقتصاد الاحادي الجانب هو كارثة على البلد ومستقبل الاجيال ..
وياتيك احدهم ويقول لك تفائل ..لان المستقبل وردي وبمبي والقادم احلى و..و…وانا اؤوكد باني ساتفائل اذا : وقف البرلمان وولو لمرة واحدة في حياته ومارس دوره في الرقابة والمحاسبة والتشريع .. واذا وضعت الحكومة يدها على الجرح وسرّحت جيوش المستشارين الذين لا همّ لهم الا الرواتب والمخصصات وقللت وضغطت النفقات وبدات بنفسها بتقليص الوزارات الزائدة ووضعت برنامجا وطنيا للاستثمار..ومارست عملها بكل شفافية ونزاهة واوكلت الملف المالي والاقتصادي الى ايد خبيرة وكفوءة ونزيهة وبعيدة عن المحاصصة والطائفية المقيتة ..وغير هذا فانا متشائم لانه يبدو ان هذه الحكومة تعاني من الارتجاف ؛ وكما يقول المثل الشعبي العراقي ؛ وعلى لهجة اهل المركبات ومصلحيها لا ينفع معها لا ضبط الميزانية ولا عمل البلانص ..فقد فات الاوان وفي اتمنى ان اكون مخطئا وان تثبت لي هذه الحكومة عكس ما ذهبت اليه .!!
*[email protected]