23 ديسمبر، 2024 10:44 ص

مو عل الحسين على الهريــســة دكـنا

مو عل الحسين على الهريــســة دكـنا

 بعد عدة سنوات من قراءة المقالات السياسية المنشورة في الجرائد ومواقع الانترنيت ، ادركت بأنني اغرد بشكل دائمي خارج السرب ، حيث إنني محايد أو لنقل متحيز للعقل والمنطق ، واحاول الكتابة بتجرد وموضوعية بعيداً عن القوميات والطوائف والاحزاب ،  وأنا ادرك برفض الآخرين لكلامي ومقالاتي بسبب حياديتي وعدم  انتمائي لحزب البيتنجان ولا لطائفة البامية ولاتنظيم الفاصوليا في ظل الفوضى الخلاقة التي تركتها لنا السيدة غونداليزا رايس .
عندما يولد أي طفل يرث قوميته وهويته الدينية من ابويه ، فمن ولد في سامراء سيكون عربي مسلم سني وغالباً مايكون على المذهب الحنفي ، ومن ولد في السليمانية سيكون كردي القومية وسني شافعي المذهب ، ومن ولد في الديوانية سيكون عربي القومية ومسلم شيعي على المذهب الجعفري . نحن (في الحقيقة) نرث قومياتنا ومذاهبنا الدينية من ابائنا واجدادنا كما نرث الوانهم وسحناتهم ، ولهذا فأن النقاش في القوميات والمذاهب هو لغو لاطائل تحته . مثلما لانستطيع الاعتراض على الوان وسحنات الآخرين ، علينا ترك النقاش في العادات والتقاليد  والاديان والمذاهب خلف ظهورنا لنستطيع التعايش بسلام مع الآخرين .
لكل انسان دين وعقيدة مقتنع بها ويظنها الافضل بين المذاهب والاديان ، وإذا اراد احدنا تبديل دينه أو مذهبه أو اسلوب تفكيره الذي اعتاد عليه ، سيستغرق فترة طويلة للتغيير ، فمن شب على شئ شاب عليه ، وإنه من التعسف والعبث محاولة جمع الناس على دين أو مذهب واحد ، وقد حاول الاوربيون ذلك ففشلوا ، وبعد أن سالت دماء غزيرة بين البروتستانت والكاثوليك اتجهت اوربا لفتح باب الحرية الدينية ووضع الدين خلف ظهرها ، ولولا تخلي اوربا عن الدولة الدينية لما نمت وتطورت وتحضرت .
يروى إن بعض حفاظ السنة النبوية جاءوا للأمام مالك بن أنس الاصبحي في المدينة ، وحدثوه بحديث صحيح المتن والاسناد ، ملخصه هو إن رسول الله (صلعم) كان يصلي في كل اشهر السنة ثمان ركع بعد صلاة العشاء ثم يعقبها بثلاث ركع هي الشفع والوتر ، مما يعني إن صلاة التراويح في رمضان هي احد عشر ركعة فقط لاغير .
فكر الأمام مالك في الحديث ثم اخبرهم بأنه لن يحدث به احد ، فلقد اعتاد اهل المدينة على جعل التراويح (في زمن الامام مالك) ثلاث وعشرون ركعة ، وهذا الحديث يناقض ما أعتادوا عليه ، وبذلك فضل أن لايحدث بهذا الحديث لكي لايحصل انقسام في الرأي بين الناس رغم علمه بصحته .
يقول الفقهاء إن درء المفاسد افضل من جلب المنافع ، واكبر مفسدة ابتلي بها المسلمون هذه الايام هي الخلافات بين الشيعة والسنة ، حيث اصبح اكثر من طرف يسعى لأثارتها على شاشات الفضائيات وتحريض الغوغاء والعامة على الفتنة جلباً لمنافع سياسية ورغبة في كسب الانتخابات القادمة ، في حين إن الاختلافات الفقهية بين المسلمين موجودة منذ زمن بعيد ، وعادة ما يتناقش فيها العلماء ولايشركون العامة في نقاشاتهم المعمقة ، ومن اراد الاطلاع فعليه بقراءة كتاب { الفقه على المذاهب الخمسة } لمحمد جواد مغنية ، حيث سيتبين له بوضوح إن الفقه الجعفري ممتزج ومترابط مع فقه السنة ، وإن نصف البرتقالة يتطابق مع النصف الآخر . 
إن الخلاف الحقيقي بين الفكر الشيعي والسني هو في العقيدة وليس في الفقه ، وقد انقسم السنة انفسهم الى صوفية وسلفية واشاعرة ، وحصل نقاش طويل بين هؤلاء واولئك وكتبت كتب ضخمة تأييداً لهذا الطرف أو ذاك ، ولكن لم يحرض أي امام اتباعه على رفع السلاح بوجه المخالفين او يفتي بتكفيرهم ، فكل الفقهاء يعلمون إن اول من كفر الناس وافتى بمقاتلتهم هم الخوارج ، فكرهوا التشبه بهم ومتابعة نهجهم .
واخيراً : يقال إن بعض الفقهاء افتى بحرمة خلط الديمقراطية بالاسلام ، وعندما سئل عن السبب قال إن الديمقراطية تقوم على المساواة بين العامة والخاصة ، ولاتعطي افضلية للذين يعلمون على الذين لايعلمون ، وتسير بمبدأ الاغلبية العددية ، وهذه المبادئ كلها من عقيدة وافكار الخوارج . ولأن الامام علي (ع) رفض اشراك ابناء العشائر في السلطة حسب مبدأ الاغلبية العددية ، فقد خذلوه في صفين وخرج الكثير منهم عليه في النهروان ، بعد أن بايعوا لعبدالله بن وهب الراسبي (التميمي) بأمارة المؤمنين ، افتريدوننا أن نتشبه بالخوارج وندخل الانتخابات الديمقراطية على مبادئ الاسلام ، وخيراً فعل الاتراك عندما دخل حزب ( العدالة والتنمية ) الاسلامي الانتخابات بصفته حزب علماني ولم يتكلم لا عن الشريعة ولا عن اعادة السلطنة العثمانية ، وعلى أي حزب اسلامي يريد دخول الانتخابات أن يتحول الى المبادئ العلمانية ، فلا يوجد شئ اسمه ديمقراطية في الاسلام .