23 ديسمبر، 2024 10:59 ص

 قبل عدة أيام قررت أن أنشئ صفحة على الفيس بوك بعنوان ( مولدات بلا حدود) تختص بالمولدات الكهربائية المنزلية، لنتناول أنا واصدقائي من مختلف الطوائف والقوميات والاتجاهات أنواع المولدات المنزلية وأسعارها وأحجامها وطريقة إدامتها، والطريقة الأمثل لتشغيلها، وكيفية معالجة أعطالها البسيطة. كتنظيف الكابريتر أو تغييرها، أو تنظيف البلك أو تغييره، أو تبديل الفحمات والكارت، وكيف نرفع مستوى السلولي ونخفضه، وما فائدة التاير الذي نضعه تحت المولدة، واذا كان مهماً الى هذا الحد فلماذا لم تنتبه له شركات صنع المولدات المنزلية فيصدروا  لنا مولدات أم التاير البطح؟
ثم نتداول نوعية الوقود المفضل للمولدة المنزلية هل هو البانزين العادي أم المحسن، وهل يصلح الكيروسين(النفط الابيض) لتشغيل المولدة بعد حقنها بـ 10 سي سي من البانزين أم انه يوسع ثقوب الكابريتر ولم تعد صالحة- بعد ذلك- لتشغيلها بواسطة البانزين، وكذلك نتناول الابداع العراقي الآخر الذي يتم وفقه تشغيل المولدة المنزلية بواسطة غاز الطبخ بعد إعطائها كمية قليلة من الغاز باستخدام منظم أبو الـ 1000 المستخدم مع تنور الخبز الحديث بالنسبة للعراقيين، ثم ما أن تنهض المولدة نبدأ بإعطائها كمية مناسبة من الغاز بحسب إمبيرات الكهرباء التي نريد أن نستغلها استغلالاً أمثل. كما نتناقش حول أيهما أكثر اقتصاداً: البانزين أم الغاز أم النفط الابيض؟ وقد ادعى أحد الأصدقاء بأن الغاز أفضل؛ لأن القنينة الواحدة تعطي  أربعة إمبيرات لمدة 60 ساعة، لكن صديقاً  آخر ادعى بان هذا الكلام ينطبق على القنينة القديمة التي كانت تحتوي على 16 كيلوغراماً من الغاز، أما القنينة الحالية فهي لا تحتوي على أكثر من تسع كيلوغرامات في أفضل الأحوال؛ لذلك هي لا تشغل أربعة إمبيرات لأكثر من 25 ساعة، وثار جدل كبير بين الصديقين متهماً الأول الثاني بأنه يؤيد النظام السابق وأن روايته هذه تدل على نزاهة عمال  محطات الغاز في النظام الدكتاتوري السابق، وهذا يؤدي بالتالي إلى القول بأن النظام الدكتاتوري السابق أفضل من النظام الديمقراطي الحالي، كما ادعى بان هذه المقولة تتهم الحكومة الديمقراطية بالفساد الاداري والمالي، لذلك انسحب الصديق الأول من الصفحة قبل أن يتم نشرها فعليا بالرغم من محاولاتي الإصلاحية بينهما الأمر الذي دعاني أفكر في انشاء صفحة داخلية تهتم بالمصالحة بين الاصدقاء، لتوحيد الجهود وتظافرها من أجل النهوض بواقع عمل المولدات بالشكل الذي يتيح لكل عراقي يوماً هانئاً وهواءً معتدلاً.
أما أحد الأصداقاء فقد كان موضوعيا في مداخلته حيث قال: إنه اكتشف طريقة لإطالة عمر قنينة الغاز من خلال وضعها بجانب فتحة صالنصة المولدة لكي تمنحها من الحرارة ما يكفي لافراغ القنينة تماما من الغاز، وقد أكد لي بأنه جرب هذه العملية عدة مرات فزادت كفاءة القنينة حيث شغلها 50 ساعة مدعياً أن في القنينة مادة سائلة لا تتحول الى غاز إلا إذا عرضنا القنينة لحرارة عالية. وأن استخدام حرارة المولدة نفسها أفضل اقتصاديا من سكب الماء الحار على القنينة، فأعجبتني الفكرة وجربتها وكانت ناجحة فعلاً.
ورأى أحد اصدقائي بأن استخدام النفط الأبيض في تشغيل المولدة أكثر اقتصاداً باعتباره مدعوما من الحكومة ولا يزيد سعر اللتر الواحد منه على أكثر من 200 ديناراً، ولكنه لا يتوفر في كل الاوقات، بيد أنه يفعل في المولدة ما يفعله الغاز فهو يوسع الفجوات في ثقوب الكابريتر العراقية ويزيد من تلكؤ العملية التشغيلية. كما ادعى صديق آخر: أن الأفضل هو استخدام البانزين رغم انه أغلى ثمنا من الغاز ومن النفط المدعوم، ثم أن الذي تعرفه أفضل من الذي لا تعرفه. وما أن كتب عبارته الاخيرة حتى ثارت ثائرة أحد الاصدقاء على هذه العبارة، فهو يرى بأن مقولة:(الي تعرفه أحسن من الي ما تعرفه) هي السبب الرئيس في تأخر الشعوب العربية، وهي التي أرست دعائم الدكتاتورية في الوطن العربي، لذا قرر الانسحاب أيضا من الصفحة مدعيا بأنه لا يمكن ان يتعامل مع صديق يحث على الدكتاتورية.
ولا أخفيكم سراً بأني تعبت كثيراً و بذلت جهداً جهيداً من خلال إعداد ورقة الإصلاح التي وضعت فيها كل ما يمكن أن يزيل الخلافات للتوفيق بين الاصدقاء الذين اختلفوا في كثير من الأمور، موضحاً لهم ما للمولدة الكهربائية المنزلية من أهمية كبرى في الوضع الراهن الذي مر على بدايته 91 سنة، ( أول مره أشوف وضع راهن يستمر 91 سنه)، ومحاولاً إقناعهم بأن استمرار عمل المولدة بشكل صحيح أهم من الخلافات الدينية والمذهبية والحزبية، لأنها تمنحنا الضوء والراحة والسعادة الأمر الذي يوثق علاقاتنا بعائلاتنا، حيث تجمعنا تلك المولدة تحت سقف واحد شاعرين بالأمان والألفة اللذين يعدان المقصد الرئيس للمجتمعات. كما بينتُ لهم دور المولدة المنزلية في الحياة اليومية العراقية، وما لها من أهمية في الأوقات الحرجة التي تنطفئ فيها المولدة المحلية والكهرباء الوطنية معا. وكيف نستفيد منها عندما نريد الحصول على الماء، ذلك لأن الماء ينقطع مع الكهرباء الوطنية ويكون ضعيفاً مع كهرباء المولدة المحلية، كما أوضحت لهم كيف تمكنت المولدة المنزلية من محاربة البق والناموس في ليالي الصيف الحار في مختلف مناطق العراق من دون النظر الى انتماءات تلك المناطق، وهل يصح أن يتفق الناموس على رأي واحد وهو مص دمائنا، ولا نتفق نحن على إدامة مولداتنا لمحاربته؟
وبعد أن أوضحت كل ما لدي بدأ النقاش بين الأصدقاء من جديد ولكنه سار بنفس الاتجاه الأول سالكا طريقا يماهي اتجاهاتهم الفكرية كسنة وشيعة، وأكراد وعرب وتركمان، ومسلمين ومسيحيين وصابئة وأيزيديين، وكذلك كون بعضهم من القائمة العراقية وبعضهم من دولة القانون وبعضهم من كتل أخرى لها دورها في المشهد السياسي العراقي، وبعضهم يقيم في العراق وبعضهم يقيم خارج العراق، حيث اختلف العراقيون المقيمون في الداخل مع عراقي آخر مقيم في الخارج عندما نصحهم  بأن يبيعوا المولدة الكهربائية المنزلية بعد أول عطل يحدث فيها وأن يشتروا غيرها، مما أدى إلى نزاع شديد توحدت فيه الطوائف والأحزاب الداخلية ووقفت بالضد من المهاجرين، وقد أخذنا هذا الخلاف إلى مناقشة المهاجرين العراقيين في سورية وكيف استقبلهم بشار الأسد دون أن يمنحهم الشعب السوري أية مساعدة، وأن المساعدات التي كانت تصل إليهم هي من داخل العراق كوجبات غذائية أو تصلهم من منظمات غير سورية، والمهاجرون السوريون الآن يحفلون باهتمام لا بأس به من الحكومة العراقية لكنهم غير راضين هم ومؤيدوهم. وقد غضب أحد الأصدقاء قائلا ( لا تكولون السوريين استقبلونا، احنه استقبلنا بشار). وعندها استمر الغضب حتى وصل إلى السب والشتم والتهديد.
وقد فاجأني صديق من مناصري الحكومة العراقية برأيه حين ادعى بأن هذه الصفحة ستصب في خدمة الحكومة، لأن الصفحة سوف تنقذ العراقيين من أعطال المولدات ويجلسون هانئين بالكهرباء ولم ينتفضوا في بعض الجمع القادمة، فهو يرى أن جمع الربيع والخريف هي أفضل أوقات التظاهر للعراقيين لأنهم لا يخرجون لا في الصيف ولا في الشتاء،  ورد عليه صديق آخر ظل مسانداً للحكومة بأن الصفحة ستصب في خدمة المعارضة استراتيجيا، لأنها ستوضح للعالم ما يعانيه الشعب العراقي من قلة الكهرباء بالرغم من ميزانيته السنوية البالغة  أكثر من مئة مليار دولار أمريكي. وبعد أن استمر النقاش بهذه الطريقة الميؤوس من الاستفادة منها؛ تمكنا من الاتفاق على قضية واحدة مهمة، وهي إلغاء فكرة إنشاء الصفحة. وكل واحد يرجع الصفحته وصفحة الخلفوه .