حائط المبكى يسمى ايضاً باسم الحائط الغربي، ويعتقد اليهود أنه جزء من السور الخارجي الذي بناه ملك (=حاكم) فلسطين في العهد الروماني هيرودس الكبير( 37- 4ق.م) حول الهيكل الثاني الذي بناه (زرو بابل) بعد عودته مع اليهود من السبي البابلي بأمر الملك الفارسي الاخميني كورش(سيروس) ما بين أعوام 537-520ق.م بعد خراب الهيكل الاول عام587ق.م على يد الملك الكلداني البابلي نبوخذنصر.
وهو يعتبر أقدس الاماكن الدينية اليهودية على الاطلاق حيث يحج اليه اليهود من جميع انحاء العالم، وقد سمي بحائط المبكى لأن الصلوات عنده تأخذ شكل عويل ونواح، وجاء في الاساطير اليهودية أن الحائط يذرف الدمع في التاسع من آب/ اغسطس يوم هدم الهيكل على يد القائد الروماني تيتوس عام 70م، ويعتقد اليهود أن الشخيناه(= الحضرة الالهية) لا تغادر الحائط أبداً، لذلك حاول اليهود السيطرة عليه منذ زمن مبكر، والتاريخ الذي بدأت تقام فيه الصلوات بالقرب من الحائط غير معروف، وحتى القرن السادس عشر الميلادي نجد أن المصادر التي تتحدث عن يهود القدس تشير الى ارتباطهم بموقع الهيكل فحسب، ويبدو أنه أصبح محل قداسة بدءاً من سنة 1517م بعد الفتح العثماني لفلسطين على يد السلطان سليم الاول(1512-1520م) وهجرة يهود المارانوس(= اليهود المتنصرون في اسبانيا والبرتغال) حَمَلة النزعة الحلولية المتطرفة في اليهودية، فالنزعة الحلولية تظهر دائماً في شكل تقديس الاماكن والاشياء. كما أن وجود اليهود داخل التشكيل الحضاري الاسلامي ترك أثره العميق فيهم، فشعيرة الحج الى مكة المكرمة والطواف حول الكعبة المشرفة وجدت صداها في تقديس حائط المبكى.
ففي عام 1850م حاول الحاخام الالماني الارثوذكسي(تسفي هيرش كاليشر) المتوفى سنة1874م شراءه، ثم كرر المليونير اليهودي الالماني (أمشيل ماير روتشيلد) المتوفى سنة1855م هذه المحاولة، وقبل الحرب العالمية الاولى سعى البنك ( الانكلو – فلسطيني) الى شرائه، وبعد فشل كل المحاولات اليهودية لشرائه لجأ المستوطنون اليهود الى العنف، فبسبب ذلك جرت اشتباكات بينهم وبين العرب المسلمين أكثر من مرة بسبب هذا الموضوع، أشهرها اشتباكات عام 1928م، ثم أحداث عام 1929م، مما أجبر السلطات البريطانية آنذاك على تشكيل لجنة تحقيق(لجنة شو) من ثلاثة اشخاص غير بريطانيين استمعت لشهادات العرب واليهود والموظفين البريطانيين، أقرت اللجنة أن للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي باعتباره جزءا لا يتجزأ من مساحة الحرم الشريف، كما تعود للمسلمين ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط، وقد أقرت عصبة الامم ( تقرير اللجنة المقدمة لها لعام 1930م) مقررات لجنة شو البريطانية التي بموجبها لا يجوز لليهود جلب أية أدوات عبادة أو وضع مقاعد أو سجاد أو كراسي أو ستائر أو حواجز أو أية خيمة جوار الحائط لأنه ملك للمسلمين، شريطة ألا ينفخوا في البوق (= الشوفار، ولكن اليهود استمروا في النفخ، وقاموا بتنظيم مظاهرات استفزازية استمرت حتى العام 1947م.
وبعد حرب حزيران/يونيوعام 1967م، ووقوع القسم الشرقي من مدينة القدس تحت السيطرة الاسرائيلية، خبا الصراع على الحائط بين المسلمين واليهود، ليشتعل بين اليهود أنفسهم، ذلك أن العلمانيين رأوا فيه رمزاً قومياً تجب زيارته على كل ذكر وانثى صغير وكبير، فأصبحت ساحة المبكى محطاً لجموع اليهود العلمانيين الذين لم يأتوا للعبادة فقط، وإنما للرقص واللهو وقضاء الوقت مع عائلاتهم. وقد أيدت الحكومة هذه النظرة العلمانية للحائط فاتخذته هي الاخرى مكاناً لعقد الاحتفالات واللقاءات الجماهيرية، وجلسات المؤتمرات والمهرجانات الختامية والالعاب النارية وحفلات تخريج دورات الجيش وترقيتهم؛ مما أثار حفيظة المتدينين(= اليهود الارثوذكس) الذين نظروا الى الحائط كمكان للعبادة فقط، واعتبروا أن أي نشاط غير الصلاة من شأنه أن يدنس قدسية هذا المكان، وأن يؤذي صلاة المتعبدين فيه.
وتجدر الاشارة اليه أن الباحث السوري(حسن ظاظا- زازا) يذكر أن حائط البراق (= حائط المبكى) كان على الارجح جزءاً من جدار هيكل هيرودس الغربي، أو جزء من السور الخارجي الذي بناه هيرودس على حد تعبير الباحث المصري المختص باليهودية ( عبد الوهاب المسيري)، واليهود يحرصون على تسميته حتى الان ( الجدار الغربي)، ويعتبر من أقدس الاماكن عند اليهود في الوقت الحاضر، يبلغ طوله مائة وستون قدماً وارتفاعه ستون قدماً.
وقد قام الاثريون الاسرائيليون بعد حرب حزيران/ يونيوعام1967م بعمل حفائر في أساس الحائط، فكان أقصى ما عثروا عليه في الحجارة تحت الارض آيتين من سفر النبي أشعيا محفورتين بخط يجعل نسبة هذه الحجارة للنبيين داود أو سليمان(عليهما السلام) مستحيل، ويرجح العثور على هذا النص الى الشهور السابقة لاحراق المسجد الاقصى في 21آب/اغسطس عام 1969م على يد المسيحي الصهيوني الاسترالي (دينس مايكل روهان).
ومن جانب آخرفكان كان نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس قد وصل إلى إسرائيل يوم الأحد المصادف 21 يناير/ كانون الثاني 2018م، في زيارة استغرقت أربعة أيام التقى خلالها بنيامين نتنياهو، واستقبل من قبل وزير السياحة الإسرائيلي بمطار بن غوريون في تل أبيب، ولم يدل بأي تصريحات للصحفيين قبل توجهه إلى القدس حسب وكالة رويترز، ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بنس بأنه (صديق عظيم) قبل أن يلقي خطابا أمام الكنيست الاسرائيلي وصفه مسؤولون اسرائيليون بالتاريخي.
وتجاهل الفلسطينيون زيارة (مايك بنس) بسبب اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وقالت صحيفة وول ستريت جورنال، إن مايك بنس أدلى برسائل مزدوجة فى خطابه أمام الكنيست، فمن جانب حظى على تصفيق واسع بعد أن أعلن جدول زمنى لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس خلال هذا العام(2018م)، ثم راح يحث القادة الفلسطينيين على العودة إلى مائدة محادثات السلام؟.
وفي السياق نفسه تفقد مايك بنس ما يسمى ب(حائط المبكى) لابساً القبعة اليهودية(=الكيباه)، كما كان سلفه الرئيس ترامب قد فعل نفس الشيء في زيارته الاخيرة لاسرائيل، وأشار الأمريكيون أيضا إلى أن الحائط الغربي- حائط المبكى (حائط البراق)، والذي يقع في القدس الشرقية سيكون جزءاً من دولة إسرائيل في أي اتفاق سلام، الأمر الذي أشعل غضب الفلسطينيين؛ مما دعا احد المسؤولين الكبار في البيت الابيض الى القول:” نحن نتفهم الموقف وأن الفلسطينيين في حاجة للهدوء”.
ويحظى مايك بنس المسيحي الإنجيلي الأكثر شهرة في العالم، الذي يزور المنطقة بترحاب كبير في إسرائيل، الذي كثيرا ما وصف نفسه بأنه (مسيحي، محافظ، جمهوري) وفق هذا الترتيب، وهو معروف بآرائه المحافظة حول الدين، التطور، الإجهاض، حقوق المثليين، وغيرهم.
ويبدو أنه في ظل الإدارة الأمريكية الحالية، يزدهر المسيحيون الإنجيليون الذين هم احد أفرع البروتستانتية ويستمتعون باهتمام الرئيس ترامب، ويشكل المسيحيون الإنجيليون زهاء %13 من سكان العالم المسيحيين(=حوالي 70 مليون) وحوالي ربع سكان الولايات المتحدة، وهم يعتبرون الآن المجموعة الدينية الأمريكية الأكثر تعاطفا مع إسرائيل.
الصهيونية المسيحية هي ظاهرة دينية شائعة في أجزاء مختلفة من العالم المسيحي، ويؤمن المسيحيين الإنجيليون بأنّ هجرة اليهود لإسرائيل وإقامة الدولة اليهودية هي جزء ضروري من عملية الخلاص المسيحية. وفي كل مكان تتعزز فيه الحركة البروتستانتية يتزايد الطموح بمساعدة الأراضي المقدّسة(= فلسطين)، أي إسرائيل، وتتم ترجمة ذلك أكثر وأكثر من خلال الدعم بالدولارات، كل التبرّعات المسيحية التي تصل إلى إسرائيل تقريبا يتم الحصول عليها من منظمات إنجيلية.
في الثامن من كانون الثاني/يناير سنة 2001م، تجمع نصف ملیون یھودي (متدین وعلماني) على حد سواء بالقرب من الحائط وأقسموا على الأخلاص للقدس وجبل الھیكل (أي الحرم القدسي)، وبعد ستة أشھر من ھذا التجمع أصدرت المحكمة الاسرائیلیة العلیا قراراً یقضي بالسماح لجماعة (جبل الھیكل) بوضع حجر الأساس (للھیكل الثالث) قرب باب المغاربة المجاور لحائط البراق. وفي سنة 2007م أشاَر استطلاع للرأي أجري من قبل معھد القدس للدراسات الاسرائیلیة ان 96 %من الاسرائیلیین یعارضون التخلي عن الحائط الغربي (أي حائط البراق).
بدأ نفوذ الصھیونیة یتغلغل في المسیحیة عن طریق انشقاق القس الالماني مارتن لوثر عندما أرسل رسالة إلى البابا ليو العاشر في روما سنة 1520م اتهمه فيها باستعمال الكنيسة الكاثوليكية لتحقيق مصالح شخصية له وللحاشية التي تحيط به، مؤكدا أنه لن يتخلى عن نضاله لتقويض تلك الكنيسة مادام حيا. فجاء رد فعل الكنيسة الكاثوليكية قاسيا حيث اعتبرت لوثر من الخارجين عن الكنيسة وطردته من الديانة المسيحية واتهمته بالهرطقة، وهي تهمة كانت عقوبتها آنذاك الحرق على الملأ.
لجأ لوثر بعد ذلك إلى العمل السري وعمل على استمالة بعض اليهود الذين كان لهم نفوذ كبير في المجتمع عن طريق التأكيد على أن مذهبه الجديد يعيد الاعتبار لليهود الذين كانوا يعانون من ازدراء الكنيسة الكاثوليكية.
ثم أصدر لوثر كتابه (عيسى ولد يهوديا) سنة 1523م وقال فيه إن اليهود هم أبناء الله وإن المسيحيين هم الغرباء الذين عليهم أن يرضوا بأن يكونوا كالكلاب التي تأكل ما يسقط من فتات من مائدة الأسياد. ويرى الكثير من الكتاب والمؤرخين أن هذه الفترة تعد الولادة الحقيقية والفعلية للصهيونية المسيحية التي سبقت الصهيونية اليهودية.
وتقوم الصهيونية المسيحية على تفضيل الطقوس العبرية في العبادة على الطقوس الكاثوليكية بالإضافة إلى دراسة اللغة العبرية على أساس أنها كلام الله، وتشير الكثير من المصادر التاريخية إلى أن رغبة مارتن لوثر الجامحة في إعادة الاعتبار لليهود و(تمسيحهم) كانت تعود لإيمانه العميق بضرورة وجودهم في هذا العالم تمهيدا لعودة المسيح المنتظر.
المذھب البروتستانتي ھو المذھب الذي یدین به الیوم غالبية الامريكيين والكنديين والبريطانيين والالمان والهولنديين وغيرهم من الدول الاسكندنافية، ولكن داخل ھذا المذھب شيع كثیرة تُعد بالعشرات منھا ما لا یمكن فصل عقیدتها عن الیھودیة أو الصھیونیة لفرط الاشتباك والتفاعل بینھما، أما الأدبیات الیھودیة التي تسربت إلى صمیم العقیدة المسیحیة البروتستانتیة الصھیونیة عبر ھذه الفرق، فھي تدور حول محاور ثلاثة:
الأول: ھو أن الیھود ھم شعب الله المختار، وأنھم یكّونون بذلك الأمة المفضلة على كل الأمم مھما فعلوا وعملوا لا یمكن أنتقادھم.
الثاني: ھو أن ثمة ميثاقاً إلھیاً یربط الیھود بالأرض المقدسة في فلسطین، وأن ھذا المیثاق الذي أعطاه الله لإبراھیم (علیه السلام) ھو میثاق سرمدي حتى قیام الساعة، وعلیه من واجبات المسیحیة الصھیونیة تسھیل ھجرة الیھود الى فلسطین من جمیع النواحي بینھا أفتتاح مكاتب للھجرة الیھودیة الى الأراضي المقدسة.
الثالث: ھو ربط الإیمان المسیحي بعودة السید المسیح بقیام دولة صھیون سنة 1948م، وأحتلال الجانب الشرقي من القدس سنة 1967م، أي بإعادة تجمیع الیھود في فلسطین و(بناء هيكل سليمان) حتى یظھر المسیح فیھم، فقیام دولة إسرائیل واحتلال القُدس، ھو شرط جوھري لنھایة سنوات المنفى الیھودیة والعودة المنتظرة للماشيح(= المسيح)، ومن أجل ذلك ینبغي تقدیم كل أنواع الدعم الى اليهود.
الأخطر من ذلك حالیاً، ھو أعتقاد المسیحیة الصھیونیة وفي مقدمتھم رؤساء امریكا وبعض سیاسیھا ان اعادة بناء (الھیكل الیھودي) بات وشیكا، فضلاً عن ذلك توسیع حدود (اسرائیل) لتشمل لیس فقط الأراضي الفلسطینیة بل على الأساس الحرفي ل(سفر التكوین 18:15)، والقائل: ” فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقًا قَائِلاً: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ”.
حائط المبكى