واحدة من الدعاوى المهمة التي نظرتها المحكمة الاتحادية العليا تتعلق بطعن وزير العدل/ إضافة لوظيفته، بقانون مجلس الدولة رقم (71) لسنة2017، مخاصماً في دعواه رئيس مجلس النواب/ إضافة لوظيفته، بوصفه يمثل مجلس النواب الجهة التي اصدرت القانون المطعون بعدم دستوريته، وحملت هذه الدعوى رقم (85/ اتحادية/ 2017).
وكان (مجلس الدولة) حتى وقت قريب، تحت مسمى (مجلس شورى الدولة) ويرتبط بوزارة العدل، لكن مجلس النواب جعل منه هيئة مستقلة بموجب القانون المشار اليه انفاً.
وقد وجد المدعي أن مجلس الدولة كان يجب ربطه بالسلطة القضائية الاتحادية، وعدم اعتباره (هيئة مستقلة)، مستنداً في موقفه إلى ورود ذكره في الفصل الثالث من الدستور، وبالذات في المادة (101) التي نصت على انه “يجوز بقانونٍ، انشاء مجلس دولة، يختص بوظائف القضاء الاداري، والافتاء، والصياغة، وتمثيل الدولة، وسائر الهيئات العامة، امام جهات القضاء، الا ما استثني منها بقانون”.
وبناء على ذلك، تولت المحكمة النظر في موضوع الطعن استناداً إلى اختصاصها المنصوص عليه في المادة (93) من الدستور، والمادة (5) من قانونها رقم (30) لسنة 2005.
إن الحكم القضائي الذي تصدره المحكمة يكون باتاً وملزماً لجميع السلطات، وقد جاء في الحكم أن مهام مجلس الدولة الواردة في المادة الأولى من قانونه تتعلق بالقضاء الاداري والافتاء والصياغة، ويقصد بالصياغة صياغة مشروعات القوانين والقرارات التشريعية، حيث وجدت المحكمة أن هذه المهام تختلف ومهام مكونات السلطة القضائية الاتحادية المنصوص عليها في الدستور، وكذلك في مجموعة قوانين تنظيم القضاء.
وبالتالي فأن ما ذهبت اليه المحكمة يتفق مع التقسيم الدستوري للسلطات وصلاحياتها بأن ربط مجلس الدولة، بالسلطة القضائية الاتحادية لمجرد ورود ذكره في نهاية الفصل الثالث من الدستور الخاص بتلك السلطة مسألة لا تمس جوهر الموضوع، حيث أنها -وفق القرار القضائي- مسألة تنظيمية ليس إلا، وبالتالي لا تشكل مخالفة دستورية تبيح الغاء القانون موضوع الطعن.
ومن جانب آخر، فأن جعل مجلس الدولة (هيئة مستقلة) بحسب ما نص عليه قانونه، يجد سنده في المادة (108) من الدستور، التي اجازت استحداث هيئات مستقلة اضافة إلى الهيئات المستقلة المنصوص عليها في المواد (102- 107) من الدستور، وذلك حسب الحاجة أو الضرورة، على أن يتم استحداث الهيئة بموجب قانون يصدر عن مجلس النواب وفق السياقات التشريعية وهو ما حصل عندما تم اعتبار (مجلس الدولة) هيئة مستقلة، حيث جاء ذلك بقانون صدر وفق اختصاصات مجلس النواب المنصوص عليها في المادة (61/ أولاً) من الدستور التي تنص أن من اختصاصاته “تشريع القوانين الاتحادية”.
وبالتالي فلا يمكن اعتبار مجلس الدولة ضمن مكونات السلطة القضائية المنصوص عليها على سبيل الحصر في المادة (89) من الدستور، وهذا الامر ينسحب ايضاً إلى عدم جواز ربطه بالسلطة التنفيذية توخيا لضمان حياده واستقلاليته حينما يتصدى قضاؤه الإداري للقرارات والأوامر التي تصدرها السلطة التنفيذية.
وبناء عليه، نجد أن المحكمة الاتحادية العليا لم تقحم السلطة القضائية الاتحادية في ما ليس لها علاقة به، كما أنها حافظت على استقلالية مجلس الدولة بوصفه هيئة مستقلة، ونصت في صلب قراراها على عدم جواز ربطه بالسلطة التنفيذية حماية لما يصدر عنه من قرارات قضائية ذات طابع اداري.