22 ديسمبر، 2024 8:22 م

موقف القرآن ممن لم يؤمن بالإسلام 15/17

موقف القرآن ممن لم يؤمن بالإسلام 15/17

نشرت كمقالة باسمي المستعار (تنزيه العقيلي).
ولننظر في النص أدناه إلى مدى التأزم تجاه من لم يؤمن بالإسلام، حيث يوضعون كلهم في بوتقة الكفر، سواء كانوا من أهل الكتاب، أو من المشركين، أو من ديانات وعقائد أخرى، فكلهم بالنسبة للإسلام (كفار)، وكلهم (شرٌ) محض، وكلهم يستحقون الخلود في النار، فيقول القرآن في سورة البينة 6:

«إِنَّ الَّذينَ كَفَروا مِن أَهلِ الكِتابِ والمُشرِكينَ في نارِ جَهَنَّمَ خالِدينَ فيها، أُولائِكَ هُم شَرُّ البَريةِ».

ولطالما وجهت سؤالا إلى بعض المسلمين الملتزمين، لكن من العقلاء والمنفتحين، لطالما سألتهم، أنتم حسب تجربتكم في الحياة، وتعاملكم مع كثيرين من غير المسلمين، هل وجدتموهم كلهم من الذين يستحقون توصيف «شَرُّ البَرِيَّة»، ثم أترجم ذلك إلى اللهجة العراقية العامية بأن هل وجدتموهم فعلا (أَنگَسْ خَلقَ الله)، فيجيبون على الفور بالنفي، وعندما أواجههم بهذه الآية يحيرون، والبعض يبحث عاجزا عن مبررات لا تقوى على أن تكون جوابا مقنعا، ومن تلك الأجوبة جواب كون «مِن» في الآية هي «مِن» التبعيضية، مما يجعلها لا تشمل كل أهل الكتاب، بل من كفر منهم، وعلاوة على أن هذا الفهم مردود، ليس من ناقدي الإسلام، بل من شريحة واسعة من فقهاء المسلمين من الطائفتين، لكن حتى لو سلمنا بصحة هذا الجواب، فحتى الكافرين بأي معنى من معاني الكفر كان لا يستحقون هذا التعميم عليهم بهذا الحكم، سواء الحكم الدنيوي كونهم «شَرُّ البَرِيَّةِ» أو الحكم الأخروي كونهم سيكونون «في نارِ جَهَنَّمَ خالِدينَ فيها».

وهذا الموقف المتأزم نجد مشابها له في سورة البقرة 6-7:

«إِنَّ الَّذينَ كَفَروا سَواءٌ عَلَيهِم أَأَنذَرتَهُم أَم لَم تُنذِرهُم لا يُؤمِنونَ، خَتَمَ اللهُ على قُلوبِهم وَعلى سَمعِهِم، وَعلى أَبصارِهِم غِشاوَةٌ، وَّلَهُم عَذابٌ عظيمٌ».

وهنا أحب أن أشير مرة أخرى إلى إمكانية تنقيح النصوص القرآنية، إلى ما يجعلها أكثر مقبولية، وأكثر انسجاما مع أسس العقلانية ومثل الإنسانية ومعايير العدل الإلهي، هذا التنقيح والتحسين شاهد آخر على عدم كمال القرآن، وعلى عدم صحة دعوى الإعجاز. فلو كان النص آنفا على النحو الآتي:

«إِنَّ [مِنَ] الَّذينَ كَفَروا [مَن هُم] سَواءٌ عَلَيهِم أَأَنذَرتَهُم أَم لَم تُنذِرهُم لا يُؤمِنونَ، [وَمِنهُم لاسِيَّمَا الَّذين ظَلَموا مِنهُم وَاستَكبَروا مَن] خَتَمَ اللهُ على قُلوبِهم وَعلى سَمعِهِم، وَعلى أَبصارِهِم غِشاوَةٌ، [جَزاءً وِّفاقاً لِّما أَتَوا مِن ظُلمٍ وَّما كانوا يُفسِدونَ]». [روعي في الإضافات هنا وفي غيره من المواقع استخدام نفس لغة القرآن.]

فهذا النص تجنب التعميم والإطلاق، ولم يركز على العقيدة كمبرر لإدانتهم، بل ركز على الظلم والاستكبار والطغيان والإفساد في الأرض، كصفات سيئة ومبررات معقولة لإدانتهم، وبسبب كل ذلك، وبسبب سوء عملهم وسوء سريرتهم وتجردهم عن إنسانيتهم، كانوا لا يسمعون نداء العدل والاستقامة والإنسانية، فكأنما قد خُتِم على قلوبهم وأسماعهم، أو كانت غشاوة أمام أبصارهم، ومع هذا ليس عليهم كلهم، بل منهم من يستحقون ذلك.

ولا بأس من الإشارة إلى الخطأ البلاغي هنا بذكر السمع بصيغة الإفراد، بينما ذكرت من قبله وما بعده من قلوب وأبصار بصيغة الجمع. لا أستبعد هنا أبدا أن بعض المفسرين سيفلسفون حكمة ذكر السمع بصيغة المفرد، بينما جمعت القلوب والأبصار، بل بعضهم سيحولها إلى أحد موارد الإعجاز في القرآن، فقد اعتدنا سماع التبريرات لأخطاء القرآن، سواء البلاغية، أو النحوية، أو الفلسفية.