23 ديسمبر، 2024 5:45 ص

موصل (مووسڵ) وعرفجة القرن الـ(21)؟

موصل (مووسڵ) وعرفجة القرن الـ(21)؟

احتلت مدينة (موصل)هذه الأيام موقع الصدارة في وسائل الإعلام العالمية والمحلية, وذلك بسبب الهجوم الكبير الذي بدأت تشنه قطعات الجيش العراقي والقوات الكوردستانية الباسلة لتحريرها من براثن الاحتلال الداعشي الغاشم, الذي نقف على أعتاب عامه الثالث. عزيزي القارئ, بالنسبة لي أنا المواطن الكوردستاني لا أرى اختلاف كبيراً بين من حكم أو سيحكم المدينة المغتصبة, أن كان داعشياً أو من يأتي بعده من الناطقين بالعربية؟ أو من كان قبله من العرب الأقحاح تحت أي عنوان, وأية مسميات, باستثناء الشعب الكوردي فيها, بإيزيديه, وشبكه, وكاكائيه, وبجورانه, وصارليه, ومسلميه, هؤلاء هم أصحابها الشرعيون, أما الآخرون فيها ما هم إلا مستوطنين.. أتت بهم الاحتلال العربي البغيض بسينه وشينه. والاحتلال كما تقول العرب: لا تسقط بتقادم الزمن. بمعنى, عليهم ترك الموصل وغيرها من المدن والبلدان التي احتلوها بغفلة من الزمن والعودة من حيث جاءوا. أنا أعلم جيداً, أن ما أقوله لا يتحقق الآن, لكنها أماني يجيش في داخلي لا أخفيها على أحد, أقولها بصوت عالي وأضعها على الورق لكي يطلع عليها المعنيون بهذا الأمر, ويعرفوا من فم أحد ضحاياهم,أن الشعوب المبتلية بهم لديها ذاكرة كمبيوترية, لذا تعرف جيداً حقيقة تاريخهم المخزي والأعمال الإجرامية التي قاموا بها ضد الشعوب المغلوبة على أمرها منذ أن وطئت حوافر خيولهم هذه الأرض الكوردستانية الطاهرة وإلى الآن, وسيستمر مسلسل جرائمهم التي يندى لها جبين الإنسان تحت مسميات شتى, حتى بقائهم غير الشرعي على هذه الأرض المغتصبة ومعها كركوك السليبة وغيرها من المدن والقرى الكوردية في جنوب وغرب كوردستان. رب سائل يسأل, من يقول أن العرب في موصل جاءوا من شبه الجزيرة العربية؟ ربما هم أصحابها الشرعيون. نقول له, أن المصادر العربية والإسلامية المعتبرة كالبلاذري, والمسعودي, وياقوت الحموي, وابن أثير, الخ تقول أن العرب جاءوا من جزيرة العرب واستوطنوها بحد السيف. بما أن جميع هذه المصادر قالت ذات الشيء, تجنباً للإطالة سأنقل نصاً واحداً منهم, حتى يكون القارئ على بينة من أمره. يذكر (البلاذري) (عاش في القرن الثالث الهجري) في كتابه الشهير (فتوح البلدان) (فتح) (مووسڵ = موصل) واستيطان العرب فيها يقول: ولى عمر بن الخطاب عتبة بن فرقد السلمي الـ(موصل) سنة عشرين للهجرة, فقاتله أهل (نينوى),فأخذ حصنها وهو الشرقي عنوةً, – يعني بالسيف- وعبر دجلة فصالحه أهل الحصن الآخر على الجزية. ثم فتح المرج وقراه, وأرض باهذرة, وباعذرى, والحنانة, والمعلة, ودامير, وجميع معاقل الأكراد. يزودنا (البلاذري) في صفحات أخرى من كتابه (فتوح البلدان) ويقول: حدثني (أبو رجاء الحلواني), عن أبيه, عن مشايخ شهرزور قالوا: شهرزور و الصامغان و دراباد من فتوح (عتبة بن فرقد السلمي). فتحها وقاتل الأكراد فقتل منهم خلقاً. ويضيف (البلاذري) أيضاً عن (العباس بن هشام الكلبي),عن أبيه, عن جده قال: أول من اختط (الموصل) وأسكنها العرب

ومصرها هرثمة بن عرفجة البارقي. هرثمة هذا كان قائد الجيش العربي, الذي بُعث من مكة في بلاد العرب إلى ديار (مووسڵ = موصل) الكوردية قبل (15) قرن, ويتضح جلياً من خلال كتاب (البلاذري) , حين غزت القبائل العربية موصل كان الكورد موجودون فيها منذ آلاف السنين. سؤال موجه إلى كل عروبي تسول له نفسه أن يشكك بتاريخ الكورد المُشرق, ماذا يقول عن هذه المصادر العربية, التي تذكر وجود الكورد في (مووسڵ = موصل) قبل الغزو العربي لها, هناك مئات المصادر العربية, وغير العربية, التي تذكر وجود الكورد في (العراق) و (كوردستان) قبل الاستيطان العربي فيها بعشرات القرون. جاء في كتاب (تاريخ الموصل) للقس (سليمان صائغ) ص (372) طبع مصر (1923):” إن عرفجة بن هرثمة البارقي هو الذي جند الموصل وقام بتوطين أربعة آلاف من القبائل العربية, كالأزد وطيي وكندة وعبد قيس في الموصل”. ولحقت بهذه القبائل قبل قرنين أو ثلاثة, القبائل التالية أيضاً:” البقارة, وشمر, والجبور, والدليم, والعبيد,”. من الذين ذكروا اسم الكورد في (الموصل) قبل الميلاد القائد اليوناني (سينفون) في كتابه ( أناباس) ( رحلة العشرة آلاف مقاتل ) الذي عاش بين قرني الرابع والخامس قبل الميلاد, عندما مر بـ(الموصل) أثناء رجوعه من (بابل) إلى (اليونان) في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد, وذكرها بهذه الصيغة “موسيلا” و ذكر فيها وجود الكورد وصعوبة اجتياز جيشه الجرار لمناطقهم التي دافعوا عنها دفاعاً مستميتاً, للذود عن حرمة أراضيهم و كبدوا جيشه العديد من القتلى والجرحى, ولم يذكر (سينفون) في كتابه المشار إليه أعلاه وجوداً للعرب لا في ( العراق) و لا في (الموصل). والتسمية التي ذكرها (سينفون) للمدينة هي (موسيلا), التسمية الكوردية التي لا يزال الكورد يستعملوها في كلامهم وكتاباتهم: = MUSIL) مووسڵ). و(سينفون) دونها بطريقة يونانية (موسيلا), ثم جاء الغزاة العرب كالعادة غيروا اسمها إلى (موصل). إن سياسة تغيير أسماء الأماكن والأشخاص, كانت ولا زالت سائدة عند العرب, وهدفهم منها هو تغيير الهوية الأصيلة لتلك المناطق التي يحتلونها, ليتسنى لهم فيما بعد, الإدعاء زوراً وبهتاناً, بأن هذه المناطق عربية منذ البدء, كما حصل مع (مووسڵ) وكركوك وغيرهما من المناطق الكوردية التي وصلتها حوافر خيول الغزاة العرب. عزيزي القارئ, هناك مصدر آخر مهم, لا يقل أهمية عن كتاب (فتوح البلدان), وهو كتاب (الكامل في التاريخ) لـ(أبو حسن علي بن محمد بن عبد الكريم), المعروف بـ(ابن الأثير) المولود سنة (1160) ميلادية والمتوفى سنة (1233 ) ميلادية جاء في المجلد الثاني في الكتاب المذكور: “قدم (المثنى بن حارث الشيباني) و(سلمى بنت خصفة) زوج المثنى بشراف وكان (المثنى) بعد موت أخيه قد سار إلى (قابوس بن قابوس بن المنذر) بالقادسية وكان قد بعثه إليها (الفرس) يستنفر العرب فسار إليه (المثنى) فقفله فأنامه ومن معه وسار إلى (سعد) يعلمه برأي (المثنى) له وللمسلمين يأمرهم أن يقاتلوا (الفرس) على حدود أرضهم على أدنى حجر من أرض العرب ولا يقاتلوهم بعقر دارهم. ويضيف: أن أهل السواد (العراق) استغاثوا إلى (يزدجرد) وأعلموه أن العرب قد نزلوا (القادسية) ونهبوا الدواب و الأطعمة وإن أبطأ الغياث أعطيناهم بأيدينا وكتب إليه بذلك الذي لهم الضياع بالطف وهيجوه على إرسال الجنود. كلام واضح وضوح الشمس في رابعة النهار, لا يحتاج إلى تأويل أو تفسير, بأن (القادسية) التي تقع في أقصى جنوب العراق, لم تكن جزءاً من أرض العرب, فكيف بشمال العراق (موصل), التي تبعد عن (القادسية) (600) كيلو متر؟؟. ذكر (ابن الأثير) هنا كلمة “الطف” فيها ضياع وقرى (الأعاجم) والأعجمي هو غير العربي؟. جاءت في القواميس العربية كـ(قاموس المحيط) لـ(أديب اللجمي وشحادة الخوري), وقاموس (الوسيط) لـ(مجمع اللغة العربية) بمصر, و(محيط المحيط) لـ(بطرس البستاني), و(لسان العرب) لـ(ابن منظور) الخ: أن كلمة “الطف” تعني ما أشرف من أرض العرب, على أرض (العراق), أي:أن أرض العرب, كانت في غرب نهر الفرات؟؟. ذكرت في هذه المصادر اسم الكورد نصاً, كما يكتب ويتداول اليوم, وجاءت أيضاً في ذات المصادر, أسماء المدن والقرى الكوردية, ولم تذكر تلك المصادر اسماً لأية مدينة أو قرية عربية في (العراق) أن عدم ذكرهم في هذه المصادر, هو تأكيد على عدم وجودهم قبل تلك (الفتوحات) في بلاد بين النهرين (العراق) سوى بعض العوائل البدوية أسكنها

الشاه الإيرانية على تخوم الصحراء لحماية مواشيهم من السراق الذين يأتون من مجاهل الصحراء للسرقة والنهب. بعد تلك (الفتوحات) والأصح بعد ذلك الاحتلال, قام الكورد بثورات عديدة ضد الوجود العربي في الـ(موصل), من هذه الثورات, على سبيل المثال وليس الحصر, ثورة سنة (281) للهجرة , و ثورة سنة (284), و ثورة الكورد الهذبانية في سنة (293)الخ. عزيزي المتابع, كانت القبائل العربية عندما تأتي للغزو إلى بلاد بين النهرين, يجلبون معهم أسرهم أيضاً, لأن هدفهم هو الاستيطان في هذا البلد, الذي يدر لبناً وعسلاً. تنقل لنا كتب التاريخ العربي, إحدى الحالات التي تظهر فيها امرأة أحد الغزاة, وهي تحث المقاتلين على القتال ضد أهل البلد, كي لا يغتصبوها (الأعاجم), يقول (البلاذري) بهذا الصدد: فلما استعمل (عمر) عتبة بن غزوان قدم معه نافع وأبو بكرة وزياد. ثم إن عتبة قاتل أهل مدينة الفرات، فجعلت امرأته أزده تحرض الناس على القتال, وهي تقول: إن يهزموكم يولجوا فينا الغلف. الغلف في لسان العرب يعني ذكر الرجل الذي لم يُختن بعد, بما أن (الأعاجم) غير مسلمين آنذاك, يعني أنهم غير مختنين, حسب اعتقاد العرب وقول هذه المرأة, التي كانت تحاول شد عزيمة الغزاة على القتال, تقول لهم أن غلبوكم, سيغتصبوننا وهم غير مختنين كأن هناك فرقاً بين الاغتصاب بعضو تناسلي مختن أو غير مختن؟!. عزيزي القارئ, بعد الزحف العربي من منشأهم في شبه الجزيرة التي تحمل اسمهم رافعين راية الإسلام نحو بلاد الرافدين و كوردستان واحتلالها احتلالاً استيطانياً, حينها بدأ الكورد يخسروا مدنهم وقراهم واحدة بعد الأخرى لصالح العرب القادمون على ظهور الجمال وبأيديهم السيوف البتارة, وقبل أن ينزلوا من على ظهور جمالهم بدؤوا عملية التغيير الديموغرافي للمنطقة وهي جارية على قدم وساق منذ القرن السابع الميلادي حتى يومنا هذا في كل من غربي كوردستان وجنوبها. الطامة الكبرى, أنهم لم يكتفوا باحتلال هذه البلاد فقط, بل رويداً رويدا عربوا كل شيء على هذه الأرض بدءاً من أسماء المدن والقرى ومروراً بالأنهار والجبال والمزارع وانتهاءاً بالإنسان مستخدمين سياسة العصا والجزرة. على أية حال, قدمنا هذه المقدمة الطويلة من أجل أن نقول الآتي: أن للكورد حقوقاً قومية عبر التاريخ القديم والحديث في نينوى ومركزها موصل, لأنهم وجدوا فيها وعلى أرضها قبل أن تطأها أقدام العرب القادمون من شبه الجزيرة العربية بقرون عديدة, لكنهم عند بدء التحرير قبل أيام قلائل فرضوا على الكورد عدم دخول الموصل, بينما سمحوا لمن ليس له صلة بها لا من قريب ولا من بعيد دخولها بعد دحر داعش حتى يتبختر في شوارعها وأزقتها!!. هنا نتساءل, لماذا فضل عرب السنة في موصل أعدائهم التاريخيين..؟, وكذلك الأتراك الأوغاد على الكورد, الذين فتحوا لهم أبواب إقليم كوردستان, ويأوون اليوم مليونان من العرب الفارون من نار داعش والميليشيات الشيعية!!. لكن لمن يعرف تاريخ المنطقة والمدينة بلا شك يعرف جيداً لماذا يتخوفون من الكورد, لأنه كما بينا في سياق المقال من خلال المصادر العربية ذاتها, أن الكورد هم أصحاب موصل الشرعيون, وأنهم سكنتها قبل غيرهم من الشعوب والأقوام والطوائف الجزرية النازحة من الربع الخالي, فلذا يتخوف المستوطن العربي في موصل منهم, ويفضل عليهم عبد الزهرة الناطق بالعربي؟, وكذلك الأتراك الأوباش على الكورد المسالمين, والسبب معروف سلفاً, لأن هناك قاسماً مشتركاً بينهم, وبين شذاذ الآفاق تكرم الأتراك أحفاد هولاكو, لأنهم كما قلنا مثل أولئك المشار إليهم غرباء عن الأرض التي يقفوا عليها, وهذا معروف لدى كل متتبع للتاريخ, لقد نزحوا إليها من آسيا الوسطى واستوطنوها رغماً عن إرادة شعبها الكوردي, ثم أطلقوا عليها فيما بعد الاسم الشاذ والمقزز تركيا. بما أن الشيء بالشيء يذكر, عندما استفتي سكان ولاية الموصل عام (1925) على الانضمام إلى تركيا أو العراق, أن عدداً كبيراً من هؤلاء العرب في موصل صوتوا بالانضمام إلى جمهورية تركيا الطورانية, التي أنشأتها معاهدة لوزان التآمرية عام (1923). أخيراً, نأمل أن تعود في قادم الأيام جميع الأراضي الكوردية المغتصبة إلى الوطن الأم كوردستان, حتى لا يبقى شبراً واحداً من أرض الكورد خارج حدود دولة كوردستان, التي ستعلن عاجلاً أم آجلاً رغماً على أنف الأعداء. 21 10 2016