23 ديسمبر، 2024 5:39 م

موصل الحدباء… وذكراها .

موصل الحدباء… وذكراها .

محافظة الموصل … من المدن القريبة الى نفسي .. وحاضرة دائما في ذاكرتي منذ بداية مسيرة حياتي ومعتركاتها.. ما تمر به اليوم تلك المدينة التاريخية وتهديد مزاراتها ..أثار خبايا ذاكرتي عنها وعن شوارعها وأقسامها الداخلية ومقاهيها وزوايا أختفاء العمل السري , وقصباتها الدافئة ودشتها الساكن وجبالها الثائرة , وناسها الطيبيين , والتي غلقت بمرور السنيين وروكامها وأوجاعها , لكنها ظلت ساكنة في روحي .

زرتها المرة الاولى في أيلول عام 1978 .. عندما أحتدم الصراع والخلاف حول مستقبل مسيرة الجبهة الوطنية بين الشيوعيين والبعثيين أدى الى فرط هذا العقد مما تعرضنا بسببه الى الملاحقة والاعتقال من حزب السلطة في العراق … مما أضطرتني تلك الظروف رغم مقتبل عمري للبحث عن منفذ بعيدا عن أعين السلطة .. والحفاظ على ماء وجوهنا … خططت وبمعية أستاذ يحي .. والذي ألتهمته فيما بعد نار الحرب العراقية – الايرانية . وذاري كاظم .. وعبد زهرة عباس .. للتسلق الى الجبال بناءا على معلومات تلقيناه, حيث بدأ رفاقنا ببناء المقرات وتشكيل مفارز مسلحة .

وفي مساء خريفي من ذلك العام , كانت تعج بغداد بناسها وصخبها ومعتركها السياسي , أستلقينا القطار الى مدينة الموصل ومنها أجرنا تكسي الى مدينة دهوك وتوجهنا لا على التعيين بحثأ عن منفذ . ينقذ حياتنا , حيث لا دليل يرافقنا ولا اتفاق مسبق من يدلينا على طريقنا الذي نتوخاه .. فقط عيوننا زائغة الى قمم الجبال الخضراء والهادئة على جوانب الطرق .

في مصيف سرسنك … وفي أحد مطاعمه المركون على سفح جبل في الفضاء كنا سهرانيين في نقاش للبحث عن حل يحسم وضعنا … أو نعود الى مواقع عملنا … حيث لا فلوس تكفينا ولا بارقة أمل تدعونا للالتحاق القريب برفاقنا في الجبل . وفي معمة الحديث والخمرة .. دخل صدام بعينه وشحمه وبدلته البيضاء مع محافظ دهوك وولديه عدي وقصي .. بعد أن طوق المكان بحمايته . وأختار طاولته بجنب طاولتنا مع تحية وردنا عليه ( برابلخير ) . وسألنا من أين أنتم ؟ من ديالى , رد علينا أنها مدينة البرتقال والرمان والرجال … لكننا نحن تسمرنا في كراسينا رغم ثمالتنا ولعبة الخمرة في رؤوسنا .. رد علينا أخذوا رائحتكم أكلوا وشربوا , بعدها نهض مع كلمة يا علي مع المحافظ وأولاده وتوارى عنا في لحظة تراجيدية .

وفي الصباح الباكر من اليوم الثاني توجهنا الى مصيف سولاف والعمادية … ولم نفطن حينها , يفصلنا عن رفاقنا تلة وخلفها الوادي … وعرفتها بعد سنوات عندما بت مقاتلا في نفس المنطقة .

محطتي الثانية مع مدينة الموصل الحدباء … عام 1981 في تموز الاهب … ذهبت من ديالى مع صديقي ورفيقي المرحوم عصام زهدي … قاصدين رفيقنا وصديقنا دكتور عزيز الشيباني .. الذي كان يطبق في أحدى مستشفياتها وهو ما زال طالبا . يدرس في كليتها . مكثنا أسبوعنا كاملا في القسم الداخلي لكلية الطب .. وتعرفنا به على ناس رائعين الدكتور فلاح حافظ وكريم دبش وكريم أحمد .. والدكتور الفلسطيني أسامة من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .. قضينا أيام وسهرات ممتعة في مقاهيها ونواديها واسواقها وتعرفنا على أجمل ناسها الطيبيين .

في محطتي الاخيرة لها … كانت ساخنة وملتهبة …. ومخيفة .. لكوني عشت بها سياسيا مطلوبا ومطاردا للسلطة العراقية هذا ما حدث في ربيع عام 1986 … عندما تسللت من جبالها وعبر قرية دوغات في دشتها الواسع … مررت بها سريعا الى الحبيبة بغداد , وعندما ضافت به الظروف ذرعا , والامكنة أزدحمت ولم تعد تأويني , عدت لها ثانية وفي نفس أقسامها الداخلية , لكن مع رفاق وأحبة أخرين , وكان أروعهم وأجرهم الدكتور محمد نعمة . قدمني للاخرين بشخصية علي ومن أصدقائه المحببين ومن أهالي بابل وطالب في أكاديمية الفنون الجميلة .. وأنطلت الحيلة على الجميع . وبقيت بينهم عشرة أيام ورغم وضعي الصعب والحساس لكنها . كانت من أجمل الايام في الاستفادة والاختفاء والاماسي الليلية في مقاهيها العتيقة وسط ناسها وروادها , أهالي مدينة الحدباء . وأيضا ومن نفس العام وبعد شهور عدت الى الجبل عبر منافذها وأهلها .

قاصدأ مدينة شيخان … ومنها تسللت الى الجبل .. حيث رفاقنا هناك الشهيد عامل وصباح كنجي وابو داود . ومن نفس العام تسللت مرة أخرى من جبل متين الى مدينة الموصل وعبرها ذهبت الى بغداد

الموصل …. تتعرض اليوم الى تهديد حقيقي بناسها ووجودها ومزاراتها … وكل الاطراف السياسية تتحمل مسؤولية تدميرها .. وكما يقول الشاعر الكبير مظفر نواب ( لا أستثني منكم أحدأ … أولاد القحبة ) . تعتصرني المرارة , بان جزء مهم من جسد عراقي يستقطع عنوة وظلما وتخلفا وتكبيرا , وبات مستقبلها مجهولا ومرهونا بأطراف لا تمت الى وحدة العراق وسلامة أ راضيه .