23 ديسمبر، 2024 5:41 ص

مورفي .. مستلزمات البناء الديمقراطي

مورفي .. مستلزمات البناء الديمقراطي

نائب رئيس مجلس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق / الاسبق
ان الديمقراطية ليست قناع تستبدله نخبة او حزب استولى على سلطة البلاد ‏فالديمقراطيه بمفهومها البسيط هي حكم الشعب بنفسه عن طريق ممثليه الذين فازوا في الانتخابات. ‏ولا اريد الاسهاب في موضوع معنى الديمقراطية والانتخابات لكني اريد التركيز على مستلزمات ‏بناءها حيث أن لكل بناء اسس ومستلزمات. ‏
‏ وودت هنا ان ادون فقط المستلزمات التسعه التي ينظر اليها ” والتر مورفي ” بأنها اساسية يجب ‏توافرها في اي مجتمع لنجاح الديمقراطيه فيه … ولكن يجب ان نعرج قليلاً على هذا ‏الموضوع ونخصص شي منه عما يجري لبلادنا فيجب ان نعلم بأن تغير الحكم الفردي او الحزب ‏الواحد ومجئ حاكم جديد لا يعني تم تحويل المجتمع الى مجتمع ديمقراطي والنظام الى نظام ‏ديمقراطي او بناء المؤسسات الى بناء ديمقراطي فثورات الشعوب قد تغيّر الحكام و لكن لن تغير بناء ‏تم تشيده منذ عشرات السنين و بالاخص البناء الامني و الاداري و الثقافي وما تلاها من كبت ‏للحريات في جميع جوانبها. فقد و لّد استبداد الحاكم ثورة عارمه قد غيرت الحاكم بأيام معدودة او ‏شهور و لكن لن تتحول هذه البلدان الى بلاد ذات طابع ديمقراطي بأقصاء الحاكم او نفيه او سجنه ‏فكما يقول جلال عامر ” غيرنا الملوك …….. و لم نغير السلوك !!!! ” و هذا مانراه جلياً في البلاد ‏العربية التي تشهد تحولات في انظمة الحكم او في شخص قائد البلاد او الحزب الواحد …. فنرى ان ‏الجميع تهدف الى تغير الحاكم ولكن هذه الجموع الغفيرة التي خرجت للتغير وطالبت بالديمقراطية ‏والحرية وانهاء الحكم الشمولي نجدها بعد سقوط الحاكم تختلف جميعها بقبول البديل وتتصور ان ‏الديمقراطية فقط بتغير الحاكم او بأجراء اول انتخابات وقد نسيت بأن هناك اسس وقواعد ‏للديمقراطية وبناءها السليم وان انهيار الحكام لايعني الا خطوة اولى ومهمة للتحول اذا توافرت ‏مستلزمات التغير الديمقراطي الصحيح واذا تكاتفت جهود الجميع في المرحلة الانتقالية و جعلها ‏سنين معدودة لاعقود تطول !!. ولابد ان نعرف بأن كل بلد له خصوصياته وما يصلح لهذا البلد ‏لايمكن تطبيقه حرفياً في بلد اخر وهذا مانراه جلياً في البلاد الديمقراطية فكل بلد له نظام انتخابي وله ‏قانونه الخاص فنرى دولة تكون فيها الانتخابات بدوائر متعددة واخرى في دائرة واحدة فقط , ودولة ‏نظامها برلماني واخرى رئاسي و ثالثة مختلط , وهناك دول فيها نظام القائمه المفتوحة واخرى ‏القائمة المغلقة …. الخ. ‏

‏ وكل البلدان التي ترسخت فيها الديمقراطية قد توافرت فيها مستلزمات هذا البناء ومرت ‏بسنين طويلة حتى ترسخت جذوره وثبتت اسسه. وقد جمعها واكد على توفرها في المجتمع ‏‏”والتر مورفي ” حيث أكد على تسع مستلزمات اساسية لبناء النظام الديمقراطي الدستوري ‏السليم وهي :-‏

 ‏ وجود شريحة واسعة من الطبقة الوسطى متعلمة واعية لحقوقها وواجباتها في المجتمع.‏
 ‏ اقتصاد قوي قادر على درء خطر المجاعه والحرمان المدقع للسكان.‏
 ‏ وجود منظومة ثقافيه داعمة لقيم الديمقراطية الدستورية ومعزِزَة للمارسات المدنية المتحضرة.‏
 ‏ وجود قوات مسلحة قادرة على التصدي للعدوان الخارجي او تلقين المعتديين والخارجي على ‏القانون درساً لاينسى.‏
 ‏ عدم وجود معارضة قوية للديمقراطية الدستورية في صفوف القوات المسلحة ووجوب ابداء ‏العسكريين المحترفيين الاستعداد الكامل للتعاون مع حكومة مدنيه تتولى السلطة.‏
 ‏ وجود عدد كافٍ من النخب السياسية المؤمنة بالعملية الديمقراطية ذات مهارات وخبرات جيدة ‏لادارة حكومة فعّالة.‏
 ‏ وجود وسائل اعلام مختلفة وفعالة تتيح للجميع فضح انتهاكات حقوق الانسان أو خرق بنود ‏الدستور.‏
 ‏ انعدام الامية مع وجود مستوى مقبول من الوعي يصلح للعمل الديمقراطي وتوفر معلومات ‏كافيه عن متطلبات الترشيح والانتخاب.‏
 ‏ تجانس اقتصادي وأثني وديني وثقافي مقبول يؤسس لشعب متماسك وليس لمجموعات ‏متناحرة ضعيفه الصلات لا ان يجمعها الموقع الجغرافي فقط.‏
‏ عندما نُمعِن النظر في هذه المستلزمات التي تفتقر لها الشعوب العربية عموما وطبقتها الحاكمة ‏خصوصا وحتى قواتها الأمنية ولعض من نخبها المثقفة نجد انفسنا اننا لا زلنا في الخطوات الأولى من ‏عمر الديمقراطية وكم نحتاج من سنين لتتبلور هذه الثقافة وتصبح جزء رصين مما نكتبه ونلمسه ‏ونطبقه في حياتنا اليومية. قد نحتاج لعقود من السنين ان بقينا على حالة النقد وعدم تبني النخب ‏المثقفة زمام المبادرة بالوسائل الدستورية والقانونية المتاحة لتريسخ الديمقراطية فعلى كاهلهم يقع ‏ذلك البناء وبجهودهم نختصر المسافات وتذلل العقبات بتكاتفهم. ‏