كان الاول من اكتوبر من هذا العام بمثابة انطلاقة لموجه جديدة من الاحتجاجات ضد العجز السياسي، والفساد، والمحاصصة، والركود في ملف الخدمات والاعمار والتوظيف لتكون بمثابة الموجة الخامسة من حركة الاحتجاجات التي شهدها العراق بعد سقوط النظام الاستبدادي السابق، وما يميز هذه الموجه من الاحتجاجات بروز الشباب العراقي في مقدمة التظاهرات، والذين تتراوح بين16الى 26 عاما، وهذا يعني ان هذه الموجه تسيطر عليها هذه الفئة من الشباب من طلبة الاعدادية والجامعات والخريجين وهم الذين لم يعيشوا مرحلة حكم البعث بالكامل وجلهم قد يكون من مواليد بداية الالفين من هذا القرن، وهم بقدر عدم انتماءهم سياسيا الى حقبة البعث وسلوكه يتميزون ايضا بالسخط من حكم الاحزاب السياسية وساسة العراق الذين حكموا العراق بعد عام 2003 واسرفوا في المال العام ولم يحققوا العدالة الاجتماعية بين ابناء الشعب العراقي، بل انهم ازادوا من الشرخ الطبقي عبر الامتيازات التي شرعت لشرائح معينة على حساب فقر وانعدام شرائح اخرى لاسيما فئة الشباب هذه.
وهنا نحن امام جيلين مختلفين جيل اصحاب السلطة وهم من الخط الاول والثاني وحتى الثالث الذين عاشوا سنوات معارضة النظام البعثي السابق في الخارج، وعندما مسكوا بمسند السلطة سعوا الى توظيف مغانهما الى نفعهم الخاص فتحول نمط الحكم الذين كان من المفترض ان يكون ديمقراطياً تحول الى نمط من الاولغارشية الفاحشة وذلك عبر الامتيازات التي شرعت لهم وكذلك من خلال استغلال المنصب والموقع السياسي والاداري وابتعدوا عن النهج الفني الشفاف في ادراة الدولة وكانوا طلاب سلطة اذ يعتقد هؤلاء ان السلطة تودي الى الثروة في حين قلة منهم رجال دولة اذ ان رجال الدولة بشكل خاص وفلسفة الديمقراطية بشكل عام تقوم على ان الثروة تودي الى السلطة وبالتالي هؤلاء بجميع انتمائهم نظروا الى الدولة كغنيمة يجب اكتنازهم وان سنوات الحرمان لابد وان تعوض بمستويات مالية ووظيفية مضاعفة والا كيف نفسر الجمع بين راتبين او اكثر وتشريع امتيازات مالية ووظيفة ودراسية لم تشرع لكل معارضين في أي نظام سياسي قادته من المعارضين والمضطهدين ومن مميزاتهم أنهم يعدوا الناس بكل شيء وأي شيء. ولكنهم عندما يتسلمون الحكم تنتهي النشوة وتبدأ صحوة الانى، ويسعون للمحافظة على ذلك اما بمواقع تنفيذية او دبلوماسية.
وامام هذه الفجوة بات المواطن العراقي بشكل عام والشاب بشكل خاص يعي حجم هذه الفجوة في حين ان الركود في مجالات الخدمة العامة والصحة والتربية والتعليم هو المسيطر، وتبدد حلم دولة الرفاهية والعدالة لدى المواطن بالكامل منذ التغيير والى الان في دولة مثل العراق ذو الموازنات الانفجارية المعتمدة على الاقتصاد النفطي، وتغييب الاقتصاديات المحلية الاخرى لحسابات تجارية واقليمية، ساعد على هذا الوعي الجماهيري المتنامي مايلي:
1. سقوط هياكل الاعتكاز على الطائفة وتخويف الاخر من الاخر والعكس صحيح.
2. افول خطر الاحتراب الطائفي
3. هزيمة التنظيمات الارهابية عسكرياً وجغرافياً وسقوط حلمهم بالخلافة كتنظيم داعش، وتنظيم القاعدة الإرهابيتين.
وبذلك انتهت حالة الترقب والصبر لدى هذه الفئات الشبابية امام الفرصة التي منحت طوال السنوات الماضية، ومن خلال شكل التحدي الذي ظهر مع احتجاجات الاول من اكتوبر يبدو ان هناك هذه الفئة لا تخدع مرة ثانية بالتسكينات والترقيعات وانصاف الحلول، رغم ان العديد منهم يواجه صعوبة في فك تعقيدات شكل العملية السياسية التي هي انعكاس لخرطة المكونات الدينية والعرقية في العراق، اذ ان ازمة الادارة والمحاصصة وانتشار الفساد ناجمة عن خلل بنيوي دستوري واضح لكل ذو عين واي اصلاح تدريجي لابد ان يكون على النحو الاتي:
1. تعديل دستوري يبدأ ن شكل نظام الحكم اما عن طريق اقرار خيار النظام الرئاسي المطمئن للمكونات الاخرى حتى تترسخ قيم المواطنة، وتزول تخوفات المكونات من التهميش والاقصاء، او بنظام شبه رئاسي، او بترصين الحياة البرلمانية عبر تقليص الاحزاب السياسية وانتاج برلمان فعال وحكومة قوية ومسيطرة عبر ائتلاف يحكم وهو الفائز في الانتخابات، وائتلاف في المعارضة.
2. اعادة النظر بالتشريعات البرلمانية ومنها قانون الاحزاب السياسية رقم(36) لعام2105 بصورة تضبط التعددية الحزبية في اطارها العشوائي الى نمط الثنائية الحزبية، وإيجاد قانون انتخاب عادل وواضح سواء في الانتخابات المحلية(انتخاب المحافظ فقط)(الغاء مجالس المحافظات) والانتخابات العامة(السلطة التشريعية) سواء كان النظام برلمانيا او رئاسيا ولعل افضل نظام بعد سيادة نظام التمثيل النسبي وفق طريقة سانت ليغو سيئة الصيت والمخرجات، تشريع قانون انتخاب قائم على اساس فردي ودوائر متعددة لكل محافظة من محافظات العراق وهذا ما دعونا اليه منذ سنوات ونشرنا فيه دراسات بحثية تبين مزاياه وترد على بعض اشكالياته.
3. تعديل والغاء القوانين التي منحت امتيازات على اسس سياسية وطبقية وحزبية انطلاقا من تكافوا الفرص والمساواة بين ابناء المجتمع العراقي بعيدا عن أي انتماء حزبي او توافقي.
4. الغاء الحلقات الزائدة والتي وجودها يقابل مؤسسات مشابهة كدائرة الاعلام والاتصالات وديوان الوقف السني والشيعي والمسيحي والصابئي ودمجها في مؤسسة مستقلة وكذلك مؤسسة السجناء ودمجها ببعض وزارات الدولة كوزارة العدل وما شابه وبذلك بعد تعديل يطال الجذر المتمثل بالدستور العراقي.
5. الاسراع بتشريع قوانين هامة، وتفعيل اخرى مثل”قانون مين اين لك هذا؟” من اجل محاسبة كل الفاسدين والذين اثروا على حساب المصلحة العامة، وتشريع قانون الخدمة الاتحادية.
6. شيوع ثقافة سيادة القانون كركيزة اساسية للحكم الرشيد، وتطبيق القانون على الحكام والمحكومين، واستقلال القضاء، بالاستفادة من تجارب الدول الصاعدة عبر تطبيق سيادة القانون والوصول الى الحكم الرشيد والدولة الرفاهية القائمة على الاقتصاد المتنوع.
7. تفعيل دور المدعي العام في المحاكم ومؤسسات الدولة في التحقيق وادانة مرتكبي جرائم الارهاب والفساد وفق عدالة قضائية مستقلة.