بعد الانسحاب القسري للقوات العراقية من الكويت عام ١٩٩١ على يد التحالف الدولي … بدأت الانتفاضة الشعبانية في جنوب العراق تملأ الافاق شبابا ثائرا، رافضا ما آلت اليه الأمور ،وسرعان ما تعالت الهتافات .. حينها بدأ الخطاب الشعبي يتبلور ضد السلطة حيث زحفت الجموع نحو المقرات التنظيمية للحزب الحاكم ومقرات الأمن لتحاصر قادتها وضباطها فقتل من قتل ومن شفع له نفرا من المقاومة الشعبية بقي على قيد الحياة.
مشهد مأساوي ملأ الساحات دماً ،ثأرا من قادة الأجهزة الأمنية … وبات الطوفان يجتاح المدن العراقية التي سقطت كقطع الدومينو واحدة تلو اخرى … حتى باتت سوق الشيوخ واحدة من المدن العصية … حيث قاد المظاهرة شيوخ العشائر والطليعة الشبابية ولكن سرعان ما تسلل قادة المد الديني وتصدروا المشهد تحت لا فتات تحمل أسماء الأحزاب الدينية … لم يكن حزب الدعوة حينها بهذه الضخامة التنظيمية كما هو الان في السلطة ولكن الخطأ الفادح كان ادخال فقرة قانونية في قانون العقوبات الجزائية لتحريم الانتماء لحزب الدعوة مما خلق هالة وجودية للحزب … في حين وقتها لا يمتلك الا نَفَر بسيط من التنظيمات الخيطية في تلك المدن.
تجمهرت الحشود في سوق الشيوخ بقيادة مشايخ المنطقة وضباط سابقين وبعثيين غادروا السلطة … ولكن صودرت عناوين التجمعات من قبل أفراد احزاب الاسلام السياسي الشيعي حتى صار شغلهم الشاغل التصادم مع السنة في سوق الشيوخ تحت ذرائع شتى.
ولكن سوق الشيوخ عرفت منذ الازل انها مدينة التآخي لانها موطن المندائيين من الصابئة والتعايش بين مربع المدينة القديم الذي كان يقسم سوق الشيوخ الى محلة النجادة وآخر للبغادة والحويزة يتوسطها سوق دانيال اليهودي التجاري.
وحين زاد ضغط الهتافات ضد السنة في سوق الشيوخ سارعت نخبة شبابية علمانية الى التلاحم بالضد من ذلك المشروع وتجمهروا عصرا ليذهبوا الى احد بيوت السنة من عوائل سوق الشيوخ ويقفوا بباب عائلة سنية كريمة ليهتفوا ” موتوا قهر يا سنّة راغب علامة منّا” إشارة الى ان المطرب راغب علامة من أصول شيعية في لبنان … بهذه الطريقة وجد مثقفوا وشباب سوق الشيوخ وسيلة للتعبير والرد على ما قام به اوباش الاسلام الطائفي حينها .. وسيلة حضارية ساخرة للرد على حملة الرايات الطائفية لتلك الأحزاب.