سقط أكثر من 1700 عراقي بين شهيد وجريح خلال الشهر الجاري، اضافة الى خسائر مادية وانكسار نفسي مخيف، ومع ذلك لا يزال الموقف العربي غامضا و بائسا للغاية، يقابله “قحط ” أممي قل نظيره، وكأن حقوق الانسان لا تنطبق على العراقيين، طالما أن واشنطن أوباما لها رأي أخر، بعد أن تعودت الهروب الى الأمام و ترك بيادق اللعبة في الميدان.
لا نعرف بماذا تنشغل الجامعة العربية وماهي ملفاتها المهمة، ولماذا تنفق عليها كل هذه الأموال والهيبة، طالما أنها مصابة بحول طفولي و تصلب شرايين وراثي، فهي لم تنتصر للعراق وأهله بشكل واضح، رغم معرفتها بخطورة ما يخطط له قريبا منها أو بعيدا عن معرفتها، رغم أنني غير واثق من هذه الأخيرة، فالجامعة العربية منظمة سياسية مهمة لكنها كرجل مريض تحتاج الى منشطات يومية وحبوب ضغط مستمرة، وهي في ذلك لا تختلف عن قيادات عربية غير قلقة من استمرار نزف الدم العراقي، وكأن بعضهم يتشفى بالعراق وأهله، أو لأنهم ليسوا على مستوى المسؤولية والواجب العربي.
ولا ندري كيف يفكر بعض ” النرجسيين” من قيادات عربية ، أم أنهم في سبات يغطون!!، فموقفهم من العراق مشكوك في عفته منذ البداية، ولم يرتق الى مستوى المسؤولية و الأخوة العربية، فلا مبادرة جادة لتقريب وجهات النظر ولا تحرك رفيع المستوى لمنع حصول الكارثة، التي اذا وقعت لن تبقي ولن تذر خارج حدود العراق، لكن القوم لا يفقهون، رأس مال مخصص للفتن وشق الصفوف!!
سيقولون ان وقوفنا على الحياد تفرضه الأعراف والتقاليد وحسن الجوار و المعاملة بالمثل ومنع التدخل في شؤون الدول المستقلة ، وهي كلمة حق يراد بها باطل، قالعراق غير مستقل وسيادته لم تكتمل، وبعض العرب من بين أسباب ذلك، ولقد ذهبوا الى أبعد من ذلك ، منذ أمساكهم بأوراق اللعبة التخريبية،لا ضعاف العراق، عبر تصدير كل عوامل عدم الاستقرار، وتبني المواقف المقلقة نفسيا، ما يفند الكثير من المزاعم، ويؤكد بواقعية ازدواجية رسمية عربية و كأن الذي يذبح ليس أخا عراقيا و شريكا في المصير و موحدا بالله قبل أي شيء!! فعلا أن ” الحمة تأتي من الرجلين”، بينما الأنتصار لوحدة العراق أرضا و شعبا واجب أخلاقي يباركه الرب، لكن عنما يصحو بعضهم من سبات طويل، الأمر الذي لا يختلف كثيرا عن تراجع مخيف في عقلانية فهم المسؤولين في العراق لأولويات الانتصار لمستقبل البلاد، باعادة تفعيل المشروع الوطني الحقيقي، بعد أن اثبتت المعطيات أن كل الحلول ستبقى ترقيعية و منقوصة الأهلية، بدون الرجوع الى عراقية شعب متسامح!
و اذ نحن نستوعب ازوداجية الموقف الرسمي العربي داخل الجامعة أو في الفضاء المحلي، فما يثير القلق في النفوس ” أندثار” الموقف الدولي في العراق، رغم ان الأخير ما زال تحت البند السابع للمنظمة الدولية، وهو منقوص اسيادة تبعا لذلك، حيث يمكن لمجلس الأمن اتخاذ موقف جريء ، واعتبار فشل الأداء الرسمي العراقي مبررا كافيا لعودة الأمم المتحدة، و الأمساك بزمام المبادرة، لكن ذلك لم يسحب بعد من الملفات المنسية، فرغم كل أنهار الدماء العراقية ما زال الموقف الدولي بائسا و فاشلا بكل المقاييس.
تحذر المنظمة الدولية ببيانات ورقية لا بخطوات عملية من مستقبل مجهول ينتظر العراق، و تطالب مثل بنغلاديش بوقف الأعمال المسلحة و انهاء الخلافات السياسية، بينما الصحيح اعلان العراق دولة منكوبة و يجب حماية شعبها بنصوص عملية وباجراءات سريعة، بحيث تكون الأمم المتحدة صانعة القرار في العراق لحين ولادة قيادة تخاف على شعبها و تستحي من فشلها، ما يظهر بوضوح تام عدم حيادية الأم المتحدة في توجهاتها العراقية!!
أما الأدارة الأمريكية فهي تنتظر على التل و كأنها لم تكن رأس الأفعى وعنوان الفشل الكبيرفي العراق، فلم تضع واشنطن رجلها في المكان الصحيح و كأنها حققت المهمة بأقصى درجات الرعونة العسكرية والغباء السياسي ، عندما حولت الدولة العراقية الى أشلاء متناثرة ولم تذرف دمعة خجل من تجربتها المريضة لحد اليوم في العراق، ما يكشف عن فشل مركب يدفع ثمنه العراقيون، بينما أمراء الحرب بكل عناوينهم لا يخجلون من الحديث عن عراق جديد وديمقراطية حقيقية و تحولات سياسية حكيمة، فيما يذبح الشعب بتوقيتات خارجية دقيقة، فأي رماد تريد واشنطن ذره في المتبقي من عيون الأمل العراقي، ولماذا تنشغل بعاثرات الزمن عبر مواقف باهته ازاء فشل رسمي عراقي ولد من رحم حساباتها المريضة!!
و ما يزيد الطين بلة في الموقف العربي و الدولي المرتبك ، هو الأكتفاء بمجموعة بيانات لا تغني عن جوع، وتحركات أقرب الى ردود أفعال طالب الروضة، رغم أن العراق لم يفقد هويته العربية لحد اليوم، مثلما لم يخرج من البند السابع، والمنظمة الدولية تتحرك في كل مكان باستثناء العراق، وكأنها هي الأخرى تتشفى بالعراقيين لأنهم رضخوا لارادة واشنطن، و قبلوا بوضع سياسي جديد تنقصه كل المؤهلات، و تديره مجاميع متناحرة بينها حتى في الأحلام، اذا كان هذا سر التراجع المؤسف في خطوات الموقف العربي والدولي ، فمن المسؤول عن شرعنة احتلال العراق!! سؤال بحاجة الى جواب جريء كي لا نواصل ظلم العراقيين ونتفرج على ذبحهم بابشع جريمة انسانية و بأخطر فشل في الأداء الرسمي!! ومن يقدم الاعتذار للأخر!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]