23 ديسمبر، 2024 8:46 ص

قراءة في مذكرات نصير كامل الجادرجي ج5(مراسيم لها قوة القانون ولكن)

قراءة في مذكرات نصير كامل الجادرجي ج5(مراسيم لها قوة القانون ولكن)

كما هو معلوم وحسب النظرة اللبرالية الديموقراطية للقانون ان البشر ولدوا احرار ومتساوين في الحقوق وهي حقوق طبيعية مستمدة من طبيعتهم البشرية اي ملتصقة بذواتهم الأنسانية ويمتلكونها بحكم انسانيتهم لذالك لا يجوز لأي سلطة او مؤسسة المساس بهذة الحقوق و القوانين يجب ان لا تسمح بالمساس بهذة الحقوق لأنها حقوق انسانية سابقة على الدولة ومن هنا جائت فكرة حقوق الانسان التي اعتبرت قانون اسمى واعلى ومقيس للقوانين وسلوك الحكومات والافراد .
بعد الغاء الانتخابات النيابية عام 1954 ومقاطعة الانتخابات والانتخابات الاخرى الفاقدة للشرعية التي فاز اغلب مرشحوها بالتزكية . عمدت السلطة السياسية الى سياسة اصدار المراسيم وكانت مراسيم يراد لها التضيق على الحريات العامة وشكلت انتهاك صارخ لحقوق الانسان وقمع للرأي وحرية التعبير . ومن المراسيم في تلك الفترة مرسوم رقم 16لسنة 1954 وقد تضمن هذا المرسوم اضافة الى قانون العقوبات البغدادي النافذ وقتها كانت المادة الاصلية 78من قانون العقوبات البغدادي رقم 51 لسن 1938(كل من حبذ او روج ايآ من المذاهب الاشتراكية البلشفية والفوضوية والاباحية ومايماثلها من التي ترمي الى تغير نظام الحكم والمبادئ والاوضاع السياسية للهيئة الاجتماعية المضمونة بالقانون الاساسي جرمآ يستحق عقوبة الحبس لمدة 7سنوات او الحبس المؤبد او الاعدام اذا كان التحبيذ بين القوات المسلحة ) ثم جاء التعديل بواسطة المرسوم المذكور ليكون اضافة الى ماتقدم ((سواء كان ذالك بصورة مباشرة او بواسطة هيأت أو منظمات تهدف الى خدمة اغراض المذهب المذكور تحت ستار اي اسم كان كأنصار السلام والشبيبة الديمقراطية وما شاكل ذالك ) .
(يقول نصير كامل الجادرجي في مذكراتة صفحة 108((ومن جملة الاجراءات مرسوم رقم 16 لسنة 1954 الصادر في 22-8-1954 والخاص بتعديل قانون العقوبات الذي جعل الانتماء الى جماعتي انصار السلام والشبيبة الديمقراطية وماشاكل ذالك جريمة يعاقب عليها القانون حيث سمي هذا القانون حينها من قبل الناس تندرآ بقانون (وماشاكل ذالك )…)علمآ ان دستور سنة 1925 نص على ان للعراقين حرية ابداء الرأي ضمن حدود القانون في المادة 12منة ..ومن المراسيم التي صدرت في تلك الفترة ايضآ مرسوم رقم 18 لسنة 1954 الخاص بغلق النقابات الذي جاء في مادتة الاولى ((لمجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الداخلية ان يقرر غلق اي نقابة او مؤسسة ……عندما تسلك النقابة مسلكآ يمس الامن العام او النظام العام .)وهكذا اصبح مصير النقابات العمالية والمهنية رهنآ بأرادة وزير الداخلية والسلطة التنفيذية مما شكل ضربة حقيقية لمظاهر الحياة النقابية واستقلاليتها ووضعها تحت رحمة ومزاج السلطة وهذا اجراء يشكل ضربة الى اسس الديمقراطية عبر تدمير مؤسستها الاهلية المدنية . وفي تلك الفترة ايضآ صدر مرسوم رقم 19لسنة 1954 القاضي بحل الاحزاب السياسية والجمعيات والنوادي جاء في بيان وزير الداخلية حينها (لقد اصبحت الجمعيات والنوادي المبينة ادناة ملغاة من تاريخ نفاذ المرسوم في 22ايلول 1954 وارفقت بقائمة ضمت 465 جمعيه ونادي ومسرح ومن الاسباب الموجبة للمرسوم
.اصبحت الجمعيات اداة فعالة في توجية الشعب واداة ذات حدين تعمل في البناء والهدم وقد اخذت بعض الجمعيات تجاهر بالدعوة الى مذاهب ومبادئ يعاقب عليها القانون .) ومن المراسيم ايضآ المرسوم رقم 24 لسنة 1954القاضي بالغاء امتيازات الصحف وبموجبة قررت وزارة الداخلية في 12كانون الاول 1954 الغاء امتيازات الصحف و المجلات الممنوحة بموجب قانون المطبوعات رقم 57 لسن 1933 . من الواضح ان اي سياسة تسلكها الدولة او الاحزاب او اي مؤسسة اجتماعية بل وحتى القوى الدينية او القبلية ضد الحريات وضد حقوق الأنسان سوف يؤدي الى تحول تلك المؤسسة الى اداة قمع واستغلال تفقد مبررات احترامها وتسقط مبررات بقاءها وتنهي دورها الاجتماعي او السياسي . في المنظور الحديث للقوانين ولدولة القانون هي ان تكون حامية لحقوق الانسان ومن هنا تستمد اجراءاتها وقوانينها شرعيتها.يقول الفقية موريس دوفرجية في كتابة المؤسسات السياسية والقانون الدستوري ((تحدد دولة القانون اولأ بأنها بنية تتعارض مع الدولة المطلقة التي يطلق عليها البعض صفة (استبدادية )في الدولة المطلقة لاتربط الجهاز الحاكم أي قاعدة ولا اي اصول أجرائية ارادتة هي القاعدة العليا التي يتوجب على الجميع الانصياع لها اما في دولة القانون يخضع الجهاز الحاكم لقواعد حقوقية قائمة مسبقآ لا يمكن تغيرها …..لكن هذة البنية الحقوقية ليست منفصلة عن مضمون معين للحق بذاتة (((ان دولة القانون هي بالضرورة دولة حقوق آلأنسان ))) راجع موريس دوفرجية المؤسسات السياسية والقانون الدستوري صفحة 244 )) كانت سياسة المراسيم تلك اتخذت من ذريعة محاربة الشيوعية اداة لتصفية كل القوى المعارضة والتي وقفت فيما بعد ضد سياسة تأسيس حلف بغداد واستخدمت لتصفية جميع اشكال الفكر التقدمي الرافض لسياسات السلطة وبغية التفرد . على آية حال فأن اي فكر بغض النظر عن ماهيتة لا يعامل ويعالج بالقمع والمنع والقسر ولعل خير من عبر عن ذالك القاضي اوليفر وندل هولمز وهو احد قضاة المحكمة العليا الامريكية من 1902-1922 لة مقولة (ان كان للمعتقدات التي تعبر عنها دكتاتورية البرولتاريا ان تحظى بقبول القوى السائدة في المجتمع في المدى الطويل فأن المعنى الوحيد لحرية القول هو منحها فرصة للدعوة لنفسها )واخذ بمفهوم الخطر الواضح الداهم في قضية جيتلو عام 1925 زعيم الجناح اليساري في الحزب الاشتراكي . هذا رأي العقائد والفكر الديمقراطي حيث اننا امام عقيدة واثقة من نفسها ورموزها لا يسعون للحجر على الفكر المختلف بالاجراءات القسرية والتعسف بأستخدام السلطة ولعل مقولة ووردو ولسون ان الكبت خطر واحكم تصرف مع المنافق او الدجال هو تشجيعة على قاعة لعرض اكاذيبة على مواطنية (فليس هنالك مايقضي على الهراء مثل تعريضة للهواء )..كان اخطر مرسوم صدر في تلك الفترة هو المرسوم المرقم 17لسنة 1954 والصادر في 22-8-1954 ونص المرسوم على مايلي المادة الاولى .لمجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الداخلية اسقاط الجنسية العراقية عن العراقي المحكوم وفق قانون ذيل قانون العقوبات البغدادي رقم 51لسنة 1938 المادة الثانية .لوزير الداخلية اعتقال الشخص المسقط عنة الجنسية العراقية فور صدور قرار مجلس الوزراء بذالك الى ان يتم ابعادة عن العراق . وكان من بين الشخصيات التي اسقطت عنها الجنسية عزيز شريف الشخصية اليسارية الديمقراطية المعروفة و الدكتور صفاء الحافظ وكامل قزانجي الخ .يقول نصير كامل الجادرجي ((واصدر مراسيم وشرع عدة قوانين منها اسقاط الجنسية عن معتنقي المبادئ الشيوعية ومعاقبة الناس على افكارهم وليس افعالهم حيث ان الجنسية حق طبيعي لأي مواطن ولا يجوز المساس بة وليس هبة من احد مهما كان وان اسقاطها يعد اهانة لذات الانسان لكونة قد ورث عراقيتة من اباءة واجدادة وان الجنسية تخلق معة وتبقى مادام على قيد الحياة ومن بعدة يتوارثها الابناء مذكرات نصير كامل الجادرجي صفحة -109-107 ) .ولعل الاعلان العالمي لحقوق الانسان كان واضح في هذا الشأن اذ نصت المادة 15 منة لكل فرد حق التمتع بجنسية ما ولا يجوز تعسفآ حرمان اي شخص من جنسيتة ولا من حقة في تغير الجنسية وكذالك ماورد في العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية المادة 24 فقرة 3 (لكل طفل حق باكتساب الجنسية ). لقد اثارت هذة الاجراءات الرأي العام حينها . واجد ان بيان الاستاذ كامل الجادرجي في تلك المناسبة التي القاة الى الشعب العراقي وذكرة الدكتور عبد الحسين شعبان في كتابة جذور التيار الديمقراطي في العراق قراءة في افكار حسين جميل هل انقطع نسل اللبرالية في العراق .والذي ناقش فية سياسة المراسيم هذا البيان يستحق اخذ مقتطفات منة لأهميتة من حيث التنظير لحقوق الانسان وقيم الديمقراطية في وقت مبكر من تاريخ العراق جاء في البيان (ايها الشعب العراقي الكريم بالرغم من تحذيرنا للحكومة من فضاعة العمل الذي نوة عنة رئيس الوزراء السيد نوري السعيد عند مجيئة الى الحكم من الاقدام على اسقاط الجنسية العراقية عن الشيوعيين ………ان حزبنا الوطني الديمقراطي الذي يؤمن بالديمقراطية ويقوم منهاجة على العمل على تطبيقها وضمان الحريات السياسية جميعآ يرى ان خير طريق للأصلاح والتقدم هو ان يفسح المجال لكل عقيدة او رأي او حركة سياسية بالعمل سواء كانت متفقة معنا بالرأي او مخالفة لنا ……………..نرى ان هذة المراسيم الرجعية التي اصدرتها الحكومة تعتبر افضع ماقامت بة اي حكومة ليس في العراق فحسب بل وفي العالم اجمع ……لأنها ضربت عرض الحائط باحد الحقوق الطبيعية المقدسة للأنسان وهو حق المواطنة ولأنها تضمنت من التوسع اضطهاد كل نشاط سياسي …..ان حق كل شخص في جنسية البلد الذي ولد معة ولا يحق لأي قوة في العالم أن تنتزع حقة في هذة الجنسية وعلى هذا الرأي اجمع الحقوقين في العالم …..فأن هذا المرسوم يخالف القانون الاساسي العراقي الذي يمنع بصورة مطلقة نفي العراقين للخارج ويخالف الاعلان الدولي لحقوق الانسان الذي وقع علية العراق …………..)ويشير الدكتور عبد الحسين شعبان في صفحة 259 من كتابة الى مقالة حق المواطنة التي كتبها كامل الجادرجي ويعتبر هذة المقالة تصلح بأستعادتها بعد نصف قرن من الزمان ان تكون دليلا قانونيآ وانسانيآ على خطورة التلاعب بمسألة الموطنة والجنسية .وعلى اية حال المقالة ذكرت في صفحة 445 من كتاب كامل الجادرجي في حق ممارسة السياسة والديمقراطية افتتاحيات صحيفة الاهالي 1944-1954 . (يتبع)