ينشغل المسؤولون في العراق كثيرا بما يجري بعيدا عنهم ، لكنهم نادرا ما يعلقون على الفواجع بين ظهرانيهم، في مفارقة اللامسؤولية الوطنية من ناحية و توجيه الأنظار بعيدا عن اخفاقاتهم الكثيرة جدامن الناحية الثانية، ما يمثل درسا فاشلا في الحسابات.
ونحن هنا لانلوم ادانة التفجيرات التي تستهدف الأبرياء في كل زمان ومكان، شرط عدم تقديم اي طرف على مبدأ الأهتمام بالأقربين ،بعيدا عن اتهام بالانغلاق القطري أو غيره، فمصلحة العراق يجب ان تتقدم على غيرها باشواط وهذا سياق انساني متعارف عليه، لكن أن يذرف المسؤول في العراق الدموع على الغير و يلوذ بصمت التشمت من الضحايا العراقيين فتلك كارثة أخلاقية قبل أن تكون مجاملة سياسية مشكوك في عفتها!
لقد تسارع المسؤولون العراقيون الى التنديد بأعمال العنف في مصر و تفجيرات الضاحية الجنوبية في لبنان و كأن الساعات الماضية لم تحمل نعوشا عراقية بريئة و دما ينزف في كل الاتجاهات و الأعمار و خرابا نفسيا لا يستفز عقولهم، فهم يتابعونه عبر الشاشات و كانه يحدث في الصومال أو تنزانيا، مع أنهم يهتمون به أكثر من الحدث العراقي ربما لأنهم السبب المباشرفي هذا الأخير.
لقد اصبح الدم العراقي بضاعة تباع و تشترى بمزاج السياسيين و سماسرتهم، فيما تحولت مواكب العزاء الى فضاءات مفتوحة لا يرف لها طرف السياسي ،بينما يذرف دموعا على ضحايا خارج الحدود، متناسيا أو جاهلا بالعادات و التقاليد و شرف المسؤولية في الدفاع عن استقرار البلاد والعباد لا الأيغال في مزيد من العبث كما هو حاصل منذ سنوات.
والمشكلة الثانية أن المسؤولين في العراق يحشرون آنوفهم بكل شاردة و واردة عربية أو اقليمية، يصل بها الحد الى التشفي و الغرور، فيما يرفعون الصوت عاليا و يلوحون بمعارك بديلة كلما وجه طرفا عربيا الأنتقاد للخطط الحكومة العراقية في الأمن و الأقتصاد والعلاقات الدولية، ما ابقى البلاد شبه مغلقة عن العالم الخارجي، لذلك تتمدد ايران غير الصديقة لملء كل الفراغات، وهو من عناوين الفشل المرشحة للتفاقم بسبب سياسة اللون الواحد.
ان ما يثير الاستغراب هي الأولويات العراقية المؤجلة في أجندة المسؤولين على حد سواء، بسبب اصابتهم بجفاف رحم المشروع الوطني، أو لأنهم أصلا لم يتفقهوا بادارة شركة لا دولة اسمها العراقن لذلك يقعون في هفوات مخجلة، فيحذرون من تراجع الوضع الأمني و يطالبون باجراءات مستعجلة، وكأنهم يجلسون في أخر الصف و يتلقون تعليمات جانبية، ما أفقدهم التاثير في الشارع المحلي بسبب كاريزما شخصية مثقلة بالهموم الفردية و ضعف تجربة في كل شيء باستثناء التناحر الطائفي و نهب الثروات ” بلا وجع قلب”.
لا يحتاج العراق الى كل هذه المواكب و الشخصيات و التشكيلات الأدارية التي تعمل بعشر طاقتها البشرية و الفنية و بما حول مؤسسات الدولة الى ” بيت طاعة للعاطلين” تكثر على جوانبه مضاربات الفشل و نهب الموارد، لتصبح الرشوة الى عنوان في الوجاهة والتأثير بعد ان كانت وصمة عار بوجه العائلة والعشيرة وجريمة يحاسب عليها القانون و العرف الأجتماعي.
لن يخرج العراق و شعبه من المآىساة بنفس الوجوه، فقد تم اختبارهم على مدار سنوات عجاف و النتيجة معروفة في قائمة القمع و الملاحقات و التخوين وغيرها من وسائل ابتزاز لا تبني وطنا ولا تحقق تفاعلا اجتماعيا، وأن الذي ينتظر من هذه العناوين ” بس بالأسم” حلولا أو انجازات فهو ينفخ في قرب مثقوبة، ما يجعل من انتفاضة شعبية سلمية ضرورة ملحة جدا، فبدونها لن تتحرك المياه السياسية الاسنة في العراق، ولن تستقر عيون الأبرياء، فالقضية ليست تنافسا طائفيا كما يؤطرها أصحاب عقول “التآمر حتى على الذات، بل هي حق شعبي في العيش الكريم لا كظل للاخرين ، تحت التهديد والتخويف و مصادرة الحقوق و الغاء الواجبات!!
العراق لا يحتاج الى معقدين سياسيين ولا الى مسؤولين بلا تخصص ولا الى مقامات دينية تجتهد في كل شيء الا بالدفاع عن سيادة القرار الوطني و حقوق الشعب، فكل ما يحتاجه العراق هو حكومة وطنيين تعرف حدود الله في الشعب و ترفض الخيانة والعمالة تحت أي ضغط أو مسمى .
[email protected]