موازنة العراق لعام 2017 تم إكمالها من قبل الحكومة وسوف يتم ارسالها الى قبة البرلمان في بداية شهر تشرين الأول لمناقشتها وإقرارها, وبلغت قيمتها حسب التصريحات الرسمية أكثر من مائة تريليون دينار عراقي وبلغت نسبة العجز فيها حوالي ثلاثون تريليون دينار عراقي وقد اعتمدت في اعدادها على سعر برميل النفط بما قيمته 35 دولار وبطاقة تصديرية مقدارها ثلاثة مليون و880 ألف برميل يومياً .
عند اجراء تحليل أولي بسيط على هذه الميزانية نجد أن نسبة العجز فيها أكبر من ميزانية عام 2016 التي بلغ العجز فيها 24 تريليون دينار وهذا مؤشر بأن العام المقبل سيكون صعباً على العراقيين وستستمر سياسة التقشف للحكومة في جميع القطاعات, وما يميز ميزانية عام 2017 عن الميزانيات السابقة أمرين مهمين الأول انها ستكون خاضعة للمراقبة الدولية حيث ستتبع تعليمات وشروط صندوق النقد الدولي التي فرضها على العراق عند منحه القرض الأممي ,المخصص لدعم الموازنة, وأهم هذه الشروط هي تقليل النفقات وزيادة الإيرادات وخاصة الغير نفطية وزيادة الوعاء الضريبي وتعدد الضرائب وإعادة النظر في الرواتب المرتفعة ومكافحة الفساد والتركيز في الإنفاق على ثلاثة قطاعات مهمة هي الصحة والتعليم والبطاقة التموينية. وسيقوم صندوق النقد الدولي بمراقبة تطبيق الموازنة والشروط التي وضعها ونتائج هذه المراقبة ستحدد مدى حجم التعاون المستقبلي مع العراق, والأمر المهم الثاني في هذه الموازنة انها ستكون موازنة انتقالية من موازنة حرب الى موازنة سلام وبناء, لأن بوادر القضاء على داعش الإرهابي وتحرير المدن المغتصبة قد لاحت في الأفق نتيجة الإنتصارات والبطولات التي يحققها أبنائنا في سوح القتال, وهذا يعني أن المبالغ الهائلة التي كانت تنفق في الأعوام السابقة على إدامة زخم المعارك ستتحول الى إنفاق في أوجه أخرى أهمها إغاثة النازحين الذين من المتوقع أن تصل أعدادهم الى ثلاثة ملايين نازح والى إعادة إعمار المدن المحررة والتي تم تدمير البنى التحتية لها من قبل الإرهاب الداعشي, وكذلك فتح مشاريع ووحدات انتاجية جديدة لغرض توفير فرص عمل جديدة لأبناء تلك المحافظات كالمعامل والحقول الزراعية والمدارس والجامعات والاسواق التجارية لغرض تحقيق نمو اقتصادي فيها بعد الركود الذي أصابها طوال أعوام احتلالها من قبل داعش, وكذلك على الحكومة إنفاق جزء من هذه الأموال في تسديد الديون الكبيرة والمدّورة من السنوات السابقة.
المطلوب من الحكومة والبرلمان اتخاذ إجراءات عديدة لتقليل صعوبة ووطأة عام 2017 على العراقيين وبنفس الوقت النجاح في تلبية الشروط الأممية المفروضة على العراق, ومن هذه الإجراءات هو الإسراع بوضع الخطط العلمية السريعة لزيادة الواردات المالية الغير نفطية لرفد الموانة العامة وتقليل الاعتماد على النفط كمورد أوحد للموازنة, ويجب تنشيط جميع القطاعات التي تحقق هذا ومنها السياحة وخاصة الدينية منها والزراعة والصناعة والتجارة ودعم القطاع الخاص, وكذلك اتخاذ الإجراءات الجادة للقضاء على الفساد المنتشر في جميع المؤسسات وهذا الإجراء وحده في اعتقادي لو تم تطبيقه بنيّة صادقة وحقيقية سيرفد الميزانية بمبالغ هائلة من الأموال التي تذهب الى جيوب الفاسدين وآكلي السحت الحرام, وكذلك على الحكومة والبرلمان اتخاذ إجراءات حاسمة في محاسبة الشركات الناكلة والمتلكئة في تنفيذ المشاريع الحكومية سواء كانت محلية أو عربية أو أجنبية.
اذا لم تكن الحكومة والبرلمان جادّين في اتخاذ هذه الإجراءات المذكورة سيكون عام 2017 من أصعب الأعوام على العراقيين.