إقرار الحكومة العراقية للموازنة المالية للبلاد ولمدة 3 سنوات، الأمر الذي يحدث للمرة الأولى منذ عام 2003، حيث كانت الحكومات السابقة تقوم بإعداد الموازنة لمدة عام واحد وترسلها إلى البرلمان لتأخذ طريقها إلى التنفيذ بعد المصادقة عليها.
في سنوات غير قليلة، تعثر إقرار الموازنة المالية نتيجة الصراعات السياسية أو تصاعد أعمال العنف كما حدث عام 2014، بعد صعود تنظيم «داعش» وسيطرته على نحو ثلث الأراضي العراقية. ومثلما حدث أيضاً، خلال السنتين الأخيرتين من تولي رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي على خلفية حراك أكتوبر (تشرين الأول) الاحتجاجي.
وبحسب البيانات الحكومية، فإن إجمالي الموازنة للعام الحالي يبلغ 197.828 تريليون دينار (نحو 140 مليار دولار)، أمّا التشغيلية فهي 150.273 تريليون دينار، في حين تبلغ الاستثمارية 47.555 تريليون دينار. أمّا العجز فهو 63.275 تريليون دينار. واعتمدت الحكومة سعر 70 دولاراً لبرميل النفط، بالنظر إلى أن أكثر من 95 في المائة من إيرادات الموازنة تعتمد على مبيعات النفط، وهو ما أثار حفيظة معظم الاتجاهات الاقتصادية التي لا تدور في فلك الأوساط الحكومية.
فإن الجدل ينقسم حولها بين اتجاهين أساسيين؛ يمثل الأول الحكومة وأحزابها وكتلها السياسية، فيما يمثل الآخر الاتجاهات الاقتصادية التي تعتقد أنها مخاطرة ولا تنسجم مع قانون الموازنة وسياق الريع الذي يستند إليه الاقتصاد العراقي.
وكان رئيس الوزراء محمد السوداني، قال غداة إقرار الموازنة في مجلس الوزراء، الاثنين الماضي: «تم إقرار موازنة السنوات 2023، و2024، و2025، وهذه أوّل موازنة تُعد من قبل الحكومة، ونالت وقتاً كافياً من البحث والنقاش، وبما يضمن تنفيذ البرنامج الحكومي». وأضاف: «نحن مسؤولون عن تنفيذ ما في الموازنة من برامج ومشاريع وخطط وسياسات، وهناك إمكانية للتعديل من قبل وزارتي المالية والتخطيط، وبموافقة مجلسي الوزراء والنوّاب، في المستقبل إذا ما تغيّرت أسعار النفط والأرقام (بالمشمش)… لاتستطيع ولن تتمكن والنظرية بعمرها ماكانت الفصل بالتطبيق والاختصاصين يقولون غير ذلك يامرشح الاطار التنسيقي وايران والحشد …. وشطحة مابعدها شطحة».
ورأى السوداني أن إقرار موازنة بثلاث سنوات «خطوة جريئة تُحسب لهذه الحكومة، وأهميتها تكمن في دعم الاستقرار المالي. فقد كانت الوزارات في العادة تدخل في مرحلة من السُبات في نهاية السنة وبدايتها لحين إقرار الموازنة…حجي جرايد واللي ايدك ايريد ايورطك ولاموجب للاختراعات والابتكارات والارض تبقى كروية وليست بيضوية والنهار والليل …والاجدر الفرارات تتم كما التسديد فرضة وشعيرة وليست اتوقع وخطوة جريئة ومكسب *** لا وبل ششششششطحة وعلى الوجه».
ولوحظ أن القيادات السياسية في إقليم كردستان، والتي غالباً ما كانت لديها مشاكل واعتراضات على قانون الموازنة، رحبت هذه المرة، وقد قال زعيم الحزب «الديمقراطي» الكردستاني مسعود البارزاني، أول من أمس، إنها «خطوة إيجابية». وأعرب عن أمله في أن ينعكس ذلك على مباحثات قانون النفط والغاز الاتحادي….. قابض اصوابه منها 12.5%+الرواتب +البيشمركة +استحقاقات شركات الاستخراج النفطي +رواتب موظفي السكك الحديدية ولاتوجد اساسا وحقا انها خطوة اجنبية وسلبية !!!!!.
أما الاتجاهات الاقتصادية المعترض على قانون «الثلاث سنوات»، فتصدرها الخبراء الاقتصاديون والنفطيون. ويقول أستاذ الاقتصاد عماد عبد اللطيف سالم الذي يقول، عبر منصته في «فيسبوك»: «في اقتصاد ريعي، تشكّل الإيرادات النفطيّة 96 في المائة من إجمالي إيراداته العامة، فإنّ اعتماد موازنات ثلاثية السنوات، سيعني بالضرورة وجود «كلاوات -حيل» سياسية ثلاثيّة الأبعاد، أيضاً».
ويرى سالم أن «صُنّاع القرار يتعاملون في العراق مع الأطر القانونيّة، وأحياناً الدستورية، وفقاً لرغباتهم، وبما يخدم مصالحهم، بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر، قبل أيّ اعتبارٍ آخر. واستناداً لهذا المنهَج، تتعامل الحكومة العراقية، والقوى السياسية الداعمة لها، مع أحكام القانون رقم 6 لسنة 2019، تماماً كما تتعامل مع الديمقراطيّة بشكلها العراقي العجيب والمُلفّق والمُلتبِس».
ويذكر أن «المواد (1) ثانياً، وتاسعاً، وحادي عشر، من قانون الموازنة، تؤكّد الالتزام بمبدأ سنوية الموازنة».
أستاذ الإدارة والاقتصاد في جامعة بغداد إحسان جبر عاشور يتساءل، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هل هي دورة سياسية للموازنة أم دعاية سياسية بائسة، أم هو تدفق جديد لتمويل استدامة الفساد المالي السياسي؟». ويضيف: «ما الأسس والمبادئ والفلسفة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي اعتمدت في صياغة هكذا مسودة موازنة، ما هو التبرير المنطقي في ابتعادها عن أهم المؤشرات والمعايير المالية والاقتصادية، ومن سيتحمل كلفة الركوب المجاني إذا ما نفذ وقود ماكينة المورد الريعي».
أما أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة نبيل المرسومي، فيرى أن «الموازنة ستدخل في المسار الحرج إذا انخفض سعر خام برنت إلى نحو 60 دولاراً للبرميل؛ إذ ستكفي الإيرادات النفطية عندئذ لتغطية فقط فقرتي رواتب الموظفين والرعاية الاجتماعية اللتين تصلان إلى أكثر من87 ترليون دينار في موازنة 2023».
ويقول الخبير النفطي حمزة الجواهري، في تصريحات صحافية، إن «الموازنة جاءت مخيبة للآمال عندما وضعت سعر الافتراضي للنفط 70 دولاراً، فيما نقوم اليوم ببيع نفطنا أقل من ذلك، فما بالك في حال نجحت أوروبا وأميركا في الوصول بالأسعار إلى 60 دولاراً وأقل». وأضاف أن «هذا الأمر سيؤثر بشكل كبير على العراق خصوصاً؛ لأن هناك نحو 34 في المائة عجزاً بالموازنة، بعد أن تضخمت الموازنة التشغيلية بشكل كبير، فيما تضاءلت الموازنة الاستثمارية والتي أصبحت أقل من الربع».
وأن اعداد مسودة قانون الموازنة لثلاث سنوات يمثل خروقاً للقانون سيقع آثرها السلبي على جميع مفاصل الدولة التي يمكن ايجازها بالآتي: –
1- احتمالية تعرض الاقتصاد الى عجز مالي كبير نتيجة توقع انخفاض اسعار النفط لاسيما في ظل الخسائر التي تكبدتها البنوك العالمية كبنوك دولة سويسرا، سيمول العجز المالي بالإقراض مما يعني اضافة ديون جديدة على العراق وعبء اضافي جديد للموازنات العامة اللاحقة.
2- الاعتماد على ثلاث سنوات لتحديد الموازنة والمؤاخذ على ذلك ان الموازنة العامة الاتحادية تعتمد على الايرادات النفطية بنسبة تتجاوز (90%) وتلك الايرادات تخضع لسعر تصدير النفط في الخارج، وأن التذبذب الذي يشهده النفط نتيجة استمرارية جائحة كورونا والحرب بين روسيا واوكرانيا.
3- تأجيل بعض المشاريع الاستثمارية المهمة أو ترحيلها الى مدة تتجاوز الثلاث سنوات.
4- سوف تتأزم المشاكل بين الحكومة المركزية والاقليم حول نقاط الخلاف في وقت خصصت الموازنة اموال للشركات النفطية العاملة في الاقليم وبهذا تكون هذه المادة مخالفة لقرار المحكمة الاتحادية، وكان المفروض ان يتم حل الموضوع بتحديد الصلاحيات بين الاثنين.
5- إنشاء (صندوق العراق للتنمية) بمبالغ ضئيلة لم تتجاوز مبلغ التريليون دينار، كما انه غير محدد التوجهات من هي الجهة التي ستقوم بإدارته ومهامه والجهة التي سيخصص لها وماهو دوره التنموي على المدى البعيد؟، العديد من التساؤلات التي تحتاج الى اجابة وافية في تعليمات تنفيذ الموازنة العامة.
6- هدر مالي كبير واستنزاف للأموال للموازنات العامة نتيجة وشيكة في ظل عدم وجود الحسابات الختامية التي تراقب عملية صرف الاموال ورشادة التحكم بالمصروفات التشغيلية والاستثمارية.
7- هناك فوضى في التعينات في القطاع العام، اذ تم استحدث عدد كبير من الدرجات الوظيفية في القطاع العام من العقود والمحاضرين واوائل الكليات وتعيين خريجي الشهادات العليا، مع تشتت في توزيعهم على الوزارات والهيئات سيؤدي الى انخفاض الانتاجية مما يشكل عبء مالي كبير سيضاهي العوائد الاخرى المتحققة.
8- لا يوجد اي توجه لتطوير القطاع الخاص الذي تراجع دوره الاقتصادي في البلد.
9- عدم اولويات الصرف لصندوق دعم المحافظات الاكثر فقراً، هل سيتم الاعتماد على آخر احصائية لوزارة التخطيط أم فقط المناطق المحررة، إذ أن هناك نقاط مبهمة تتطلب التوضيح في الموازنة العامة خاصة وان الموازنات اصبحت أكثر شفافية للجمهور.
لابد من طرح حلول من قبل السلطة التشريعية لاسيما وان السلطة التنفيذية قد اوفت بجميع التزاماتها في اعداد خطط للموازنات العامة متناغمة ومنسجمة مع البرنامج الحكومي والمنهاج الوزاري وعاكسة لرؤية الحكومة بما يرضي جميع الاطراف.
وتبقى النقطة المفصلية في مدى الفائدة المتحققة من إتباع موازنة عامة لثلاث سنوية مقبلة التي لم يشهدها العراق سابقاً وهل ستدعم هذه الموازنة الاستقرار المالي وستكون بداية جديدة لتغير اعداد الموازنة العامة من الاعتماد على موازنة لسنة واحدة أو الاعتماد على موازنات متوسطة المدى أشبه بالخطط التنموية القابلة للحل والاستبدال، والفارق بينهما ان الاخير لا يشكل قانون واجب التنفيذ ومحكم لجميع الامور ومسير لمفاصل الدولة.
وهنا نشير وبصراحة الى أن التغيير مطلوب في هذه المرحلة الحرجة وأن التعاطي مع الامور المتقلبة بجدية امر مرغوب ومجدي ولكن على أن يحسن ادارة الموازنات العامة وأن تعاد صياغتها لتتوافق مع رغبة الشعب وطموحاته.
أعلى موازنة سنوية في تاريخ العراق بقيمة نقدية تتجاوز 200 تريليون دينار، (نحو 140 مليار دولار)، ضمّت موازنة 2023 في بنودها أكبر شق تشغيلي في تاريخ البلاد والذي يقدر بـ 80 تريليون دينار، شاملاً المصروفات الحكومية ورواتب الموظفين، فيما حُدد سعر برميل النفط ضمن الموازنة بأرقام تقديرية لا تتجاوز الـ 70 دولاراً وفق سعر الصرف الثابت 1460 ديناراً للدولار الواحد.
ويرى مختصون بالشأن الاقتصادي أن الحكومة العراقية لم توضح الرؤية الاقتصادية في ما يتعلق بموضوع سعر برميل النفط، إذ رغم رفع الحرب الروسية الأوكرانية أسعار النفط، فإنّها مرشحة للهبوط خلال فترة قريبة.
ويؤكد المختصون أنّ الحكومة ستكون أمام حرجٍ كبير في ظل عدم امتلاكها بدائل مالية، بخاصة مع ارتفاع رواتب موظفي الدولة ضمن مشروع الموازنة المرتقب من 42 تريليون دينار إلى 60 تريليونا مما يرهق إلى حد كبير الموازنة العامة، ويشكل عبئاً كبيراً على حجم الإيرادات المالية.
حجم النفقات ضمن الموازنة العراقية لسنة 2023 يقدر بـ269 تريليون دينار عراقي، بينما يقدر حجم إيرادات الدولة بـ 148 تريليون دينار.
و أنّ حجم العجز المالي الذي تشهده الموازنة يقدر بـ 121 تريليونا، مما يخالف قانون الإدارة المالية الذي يؤكد على ألّا تتجاوز نسبة العجز في الموازنة 3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.
في المقابل، قال بيان لوزارة المالية العراقية، أمس الثلاثاء، إنّ “وزارة المالية رصدت العديد من المعلومات المغلوطة وغير الصحيحة المتداولة بشأن حجم النفقات والإيرادات المتوقعة ضمن مسودة مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2023”.
وأن حجم الموازنة المتداول من خلال بعض التسريبات يؤكد وجود موازنة ضخمة قد تكون هي الأعلى بتاريخ العراق قد تتجاوز حاجز الـ 200 تريليون دينار. وأضاف التميمي، لـ”العربي الجديد”، أن الجانب التشغيلي من الموازنة سيزيد عن 80 تريليون دينار وصولاً إلى أكثر من 100 تريليون دينار، وهو مبلغ كبير جداً، عادة ما تكون تلك الموازنات التشغيلية حاكمة في الإنفاق الحكومي، وأن يكون سعر النفط بـ 57 دولاراً لكلّ برميل كحد أدنى لتمكين الحكومة من توفير تلك الموازنات.
و أنّ صاحب القرار في العراق لا يدرك حجم التأثيرات الاقتصادية العرضية للموازنات الضخمة التي قد تساهم في زيادة التضخم بالأسعار بشكل أو بآخر.
و تعطل تنفيذ الموازنة خلال الفترة المقبلة إذا استمرت الأزمة لعدة أشهر قادمة، وأنّ المعالجات تستوجب وقتاً إضافياً، مما يدفع البنك المركزي نحو طباعة المزيد من العملة المحلية خلال الفترة القادمة، لتعزيز حسابات الحكومة، وهو إجراء لا يخلو من المخاطرة. ولفت إلى أنّ الحكومة ستعتمد في الموازنة على سعر الصرف الثابت بقيمة 1460 ديناراً لكلّ دولار، وقد تفترض الحكومة سعر نفط بين 60 – 70 دولاراً لكلّ برميل، وهو سعر تخميني مبني على الحدود الدنيا للتوقعات السعرية للنفط.
حجم الموازنة المتداول من خلال بعض التسريبات يؤكد وجود موازنة ضخمة قد تكون هي الأعلى بتاريخ العراق
وشهدت الإيرادات النفطية قفزة هائلة خلال العام الماضي، إذ أكد بيان صادر عن وزارة النفط العراقية بداية الشهر الجاري أنّ البلاد حققت “أكثر من 115 مليار دولار من تصدير النفط الخام لعام 2022” بكمية مليار و209 ملايين برميل، بحسب إحصائية أولية. أمّا معدّل التصدير اليومي فقد بلغ 3 ملايين و320 ألف برميل، وفق البيان.
ويأتي تحقيق العراق لهذه الإيرادات في ظل ارتفاع سعر برميل النفط تأثراً بالحرب الروسية في أوكرانيا، ومع إبقاء دول تحالف أوبك+ على حصص إنتاجها كما هي. وتعدّ هذه الإيرادات الأعلى منذ عام 2020، وانتشار كورونا الذي أثّر على أسعار النفط. ورغم الإيرادات النفطية الهائلة سيواجه العراق صعوبات اقتصادية بالغة ويحتاج إلى مشاريع بنى تحتية عديدة بعد سنوات من الحرب.
أن الموازنة الاتحادية المرتقبة تواجه العديد من التحديات، أهمها، عدم استقرار سعر صرف الدولار الذي يؤثر على طبيعة تقييم الموازنة. وأضافت سميسم، أن من بين التحديات مشكلة حصة إقليم كردستان العراق من الموازنة، وأن هذا التحدي يخضع لعوامل سياسية، فضلاً عن أن البنك الدولي ألزم العراق باحتساب سعر برميل النفط بـ 64 دولارا. و جميع هذه التحديات يتم حلها من خلال الاتفاق السياسي وليس الاقتصادي، إلا أن القفزة المرتقبة للإنفاق على الرواتب تزيد العبء على الموازنة وتزيد حجم الترهل الوظيفي.
و أن الموازنة لم تختلف من ناحية صياغتها عن السنوات الماضية، لأنها تمضي بنفس المشاكل والاختلالات، من خلال الإنفاق على الأمن والدفاع، فضلاً عن أكثر الرواتب والنثريات الجانبية. و أن الموازنة العامة للدولة لسنة 2023 لا تحمل في طياتها أي جانب يؤدي إلى التطور التنموي والاستثماري، مع عدم وجود تخطيط صحيح وانتشار الفساد على أفق واسع.