23 ديسمبر، 2024 7:08 ص

موازنة العراق المالية ما لها وما عليها ؟

موازنة العراق المالية ما لها وما عليها ؟

عند قراءة مواد الموازنة العامة للعراق للسنة المالية 2021، فان الاستنتاج الرئيسي الذي نخرج منها هو انها مررت في مجلس النواب بتوافق بين الكتل الشيعية والسنية والكردية، وذلك بغية تمرير صفقة مالية عملاقة بين الكتل، وتثبيت الشرعية القانونية عليها لتحقيق المحاصصة المالية بينهم، وتوزيع تخصيصات الموازنة على الوزارات والجهات العائدة للاحزاب الحاكمة، والاتفاق على تحريم العراقيين من قوتهم وخيراتهم ومنع التنمية عنهم.
ويمكن تلخيص محتويات الموازنة العامة بما يلي:
(1): تحديد تخصيصات مالية كبيرة ومتنوعة في حجمها للرئاسات والوزارات والجهات الحكومية حسب طلبات الاحزاب والشخصيات المسيطرة على تلك الجهات، وباسم التخصيصات التشغيلية وبنسبة 80% من الموازنة.
(2): رفع متعمد لعجز الموازنة من قبل الحكومة بنسبة 50%، وتقليصها الى 24% من قبل مجلس النواب، والغريب ان الطرفين سعيا الى فرض نسبة عجز عالية على الموازنة، ولا يعرف ما الحكمة من هذه المعادلة الثقيلة الاعباء، والنسبة المألوفة المعتاد عليها عالميا، ان لا تزيد نسبة العجز عن 3-5% من مجموع الموازنة المالية.
(3): فرض سعر مرتفع للدولار الامريكي بقرار من البنك المركزي ووزارة المالية، واعتماده من قبل البرلمان، علما ان الارتفاع الذي حصل تسبب بتخفيض القدرة الشرائية بنسبة 20% للموظفين والمواطنين، وارتفاع اسعار المواد الغذائية والادوية والحاجات والمستلزمات الحياتية بنسبة 25%، وبالتالي تم رمي اعباء مالية بنسبة 45% على العامة من الشعب، وبعيدا عن فرض اي اعباء ضريبية على الخاصة والشركات واصحاب الاموال الكبيرة.
(4): عقد صفقة سياسية ومالية بين بغداد واربيل على اساس (لاشيء مقابل لاشيء)، والاستمرار على نفس النهج السابق، واتفاق الطرفين على عدم تنفيذ الموازنة تجاه الاخر، وترك المواطنين قرابين، وقبول بغداد بعدم تسليم النفط بعني مراعاة مصالح حزب العدالة والتنمية لاردوغان مع البرزاني وحزبه الحاكم بالاقليم، وهو ايضا تنازل العراق عن طلب تعويضات مالية له وذلك بسبب خرق تركيا للجيرة والقانون الدولي لسماحها بتسويق نفط الاقليم عبر اراضيها.
(5): اغفال العراق عن تصدير الاقليم لاكثر من 700 الف برميل باليوم (حسب تقارير وتصريحات نواب)، وتثبيت 460 الف برميل باليوم فقط بالموازنة، وهذا يوحي الى وجود صفقة مافوية كبيرة بين بغداد واربيل وانقرة على حساب العراقيين وعلى حق وتصرف شعب الاقليم بثرواته الطبيعية.
(6): تخصيص نسبة اكثر من 15% من الموازنة باسم التخصيصات الاستثمارية لاقامة مشاريع انتاجية لتوفير ايرادات غير نفطية، وهذا الاستقطاع جاري منذ سنوات عديدة، على اساس انها تستخدم في تنويع الايرادات المالية، ولكن الحقيقة ان استثماراتها على الارض غير موجودة، ولوجمع كل استقاطعات التخصيصات الاستثمارية للسنوات السابقة والسنة الحالية لوصل الاجمالي الى اكثر من مائة مليار دولار، ومقابل هذه الكتلة المالية الكبيرة لا وجود لاي اشتثمار ولا مشاريع ولا ايرادات، ويتم تمريرها في كل موازنة بشكل عابر وبتفاصيل قليلة.
(7): عدم احتواء الموازنة على اي برنامج للاصلاح المالي او خطة فاعلة لتقليل الاعتماد على الايرادات النفطية.
(8): عدم احتواء الموازنة على اي برنامج او خطة لمعالجة الازمات الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية للمواطنين.
باختصار، تلك هي الجوانب التي تشم منها رائحة فساد عملاق على مستوى الكتل البرلمانية للاحزاب الحاكمة التي فرضت الشرعنة والشرعية السياسية والقانونية والدستورية على موازنة لا تخدم العراقيين ولا تخدم شعب الاقليم، ويمكن اعتبار التصويت والموافقة عليها اكبر عملية سطو وسرقة لاكثر من مائة مليار دولار من موارد وايرادات دولة هشة، كان المفروض ان تخصص لخدمة مواطنيها ولا تخصص لخدمة حكامها واحزابها الفاسدة.
ومن مهازل الافرازات المتحققة لتمرير الموازنة العامة بالبرلمان العراقي، تباهي قادة اقليم كردستان على المستويين الحكومي والحزبي بتحقيق انتصار كبير، وكأن الشروط التي فرضت على حكومة اربيل تاج غار وازهار فرح على رقابهم، ويبدو ان توهم النصر هو استمرار لحالة التحايل والخداع المفروضة على كرد العراق لتضليلهم على الدوام من قبل الحزبين الحاكمين، وذلك عنادا واهانة للاغلبية الشعبية الرافضة لهما.
ولكن يبقى ان نقول ان مكسب العائلتين الحاكمتين من اقرار الموازنة عملاق جدا، ويمكن اعتباره انجاز سياسي واقتصادي لامع لهما، لان بغداد اقرت بشرعية ملف نفط الاقليم البعيد عن الشفافية والرقابة الرسمية والنيابية، ولهذا فان حكام اربيل من حقهم التباهي والاحتفاء ببيانات الاطراء بسبب تثبيت نصر كبير لهم عن النفط بالموازنة، وذلك بسبب منح اقرار رسمي من السلطة الاتحادية للعائلتين والحزبين الحاكمين بالاقليم لاستمرار التحكم بالنفط وتصديرها خدمة لمصالحهما ومصالح بعض الجهات الشيعية والسنية ببغداد، وكذلك خدمة لبعض الشركات الامريكية والاوربية، وادامة لخدمة مصالح الرئيس التركي وحكومة انقرة الراعية للمافيات الحاكمة بالاقليم، علما ان تثبيت حالة نفط الاقليم بتلك الطريقة الواردة بالموازنة هو اعتداء صارخ على حق العراق وحقوق شعب الاقليم.
بالختام، يبدو ان الحلقات المرتبطة بالفساد العملاق من السراق الكبار للموازنة المالية للعراق متواصلة، وهي قادرة في كل سنة على توجيه الضربات الموجعة الى شعب العراق، ونهب مواردهم وثرواتهم وممتلكاتهم، والغريب ان لا قوة قادرة على اعائقة القوى الحاكمة لصدهم وايقاف عدوانها الصارخ بابادة الثروة المالية والاقتصادية للعراققين.