18 ديسمبر، 2024 6:16 م

يمكن القول بأن الإرهاب حالة مركبة تختلط فيهـا العناصـر الجنائيـة الإجراميـة مـع السياسـية والإقتصادية والدينية ، ومن ثم فأن القانون وحده لا يكفى لردعها ٕوانما يجب أن تكون عملية التصـــدى لهـــا تكامليـــة يســـاهم فيهـــا كافـــة الأجهـــزة المعنيـــة ســـواء السياســـية أو الأمنيـــة ليتناسب مع كونها ظاهرة عالمية . وكانت أوروبا هي الموقع الذي أحيا هذه الكلمة وأعطاها معاني متعددة استمدّها من الفلسفات التي سوّغت استخدام الإرهاب وسيلة ومن الحركات والمنظمات والجماعات التي استخدمت هذه الوسيلة سواء في أوروبا أو أمريكا وعلى هذا فالمصطلح في الأصل ذو جذور أوروبية –أمريكية”.فالإرهاب المعاصر ظاهرة أوروبية المنشأ وقد دشنت الثورة الفرنسية 1789 الإرهاب بمفهومه الحديث ومارسته باسم الشعب ودفاعاً عن الشعب وتولت أمره لجان منبثقة من الشعب. وفي القرن التاسع عشر ظهرت حركات ومنظمات سياسية في أوروبا استخدمت الإرهاب وسيلة لبلوغ أهدافها السياسية ومن أبرز هذه الحركات حركتا الفوضويّة والعدمية ويجمع بينهما أساس فكري واحد، هو رفض السلطة بكل أشكالها وتهديم المؤسسات السياسية والاقتصادية بالقوة وتمجيد حرية الفرد. وقد تكون هناك خيوط فكرية تربط ما بين هاتين الحركتين والحركات السياسية الإرهابية المعاصرة في أوروبا الغربية مثل “الالوية الحمراء” في إيطاليا و”جماعة بادر –ماينهوف” في ألمانيا و”العمل المباشر” في فرنسا فهي تنتهج الأسلوب الإرهابي نفسه وتعتمد مفاهيم فلسفية عن العنف تتقارب مع المفاهيم الفوضوية. وظهر في القرن العشرين في أوروبا مفكرون وفلاسفة أسبغوا الشرعية على العنف رداً على الاستلاب الذي يمارسه المجتمع الاستهلاكي الرأسمالي تجاه الفرد فهو برت ماركوز وصف نظام المجتمعات الصناعية المتقدمة بالعدو وسوّغ الاستعانة حتى بالوسائل غير المشروعة إن لم تُجد الوسائل المشروعة في مواجهة ذلك النظام”. والمعروف تأريخيا أن الأنظمة الدكتاتورية استخدمت الرعب كأداة للقمع والتحكم، وقد فقد آلاف البشر حياتهم على أيدي دولة الرعب بشكل أكثر بشاعة وضراوة من صور الإرهاب ، إلا إننا الآن بصدد دراسة الاستخدام المنظم للإرهاب من العصابات كسلاح فعال ومدمر ضد الدول، كما يبرر معظم الإرهاب الفردي من جانب مرتكبيه بأنة صراع ضد الأنظمة الوحشية القمعية، حتى لونتج عنه قتل الأبرياء.و يعتبر تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية من أبرز الشواهد في التاريخ البشري على ممارسة الإرهاب بأبشع صوره، متمثلا في إحتلال الأرض الأمريكية، وطرد أصحابها الأصليين والشرعيين من أرضهم، وقتل معظمهم بلا رحمة ولا هوادة، ومتمثلا كذلك في ممارسة نظام العبودية ضد المهاجرين السود، وقيام المنظمات الإرهابية التي مارست أعمال الإرهاب، وما زالت الولايات المتحدة تمارس الإرهاب حتى يومنا هذا وبمختلف الوسائل وعلى معظم الدول. والدلالة الأكثر حضورًا للإرهاب هي العنف، والعنف الراهن لكونه مسلحًا فهو سياسي، والسلاح في الزمن الراهن والمتفجرات والعبوات الناسفة هي منتج سياسي، لا يمكن أن تصل إلى أية مجموعة مهما صغرت أو كبرت دون دوافع سياسية وطرق سياسية ولأهداف سياسية. الإرهاب سياسة لكنها عنيفة ومدمرة ولهذا يجب مناقشتها في الحقل السياسي. أما وأن المسيحيين يمثلون الحملة الصليبية أو الهولوكوست، والمسلمين يمثلون الإرهاب فهذه خدمة مجانية للإرهاب ذاته ولمن يقف خلفه من نظم إقليمية ودول أخرى… كما أنه لا يمكننا فهم “الإسلام السياسي” إلا بتجادله مع دخول مجتمعاتنا الحداثة من جهة وبتبادل المنافع والكراهية مع سلطات المنطقة وبقية العالم من جهة أخرى. البيئة الدولية بما يسودها من قيم وأفكار، وما يحكمها من قواعد ونظم، وما يطرأ عليها من تغيرات متلاحقة، لاشك تؤثر على سلوكيات الأفراد والدول على السواء بما قد يؤدي إلى ظهور بعض الظواهر الجديدة على المجتمع الدولي. ولابد أن نقول إن ظاهرة الإرهاب ليست جديدة على المجتمع الدولي ولكن مانريد أن نصل إلية، هو أن هذه الظاهرة قد تأثرت على مر العصور بالظروف التي مرّ بها المجتمع الدولي. وتؤثر الأوضاع الدولية السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الإرهاب سلبيا أو إيجابيا، ذلك يرجع بصفة خاصة إلى إكتساب الإرهاب في الآونة الأخيرة بعدا دوليا ظاهرا، بعد أن أنقضت طرق الصراع المسلح التقليدية، وانتهت فترة الحرب الباردة، وانهارت الانظمة الاشتراكية في اوربا الشرقية، المتهمة من قبل دول الغرب بمساندة الإرهاب ودعمه وممارسته ,فلم تعد هناك غير قوة واحدة تسيطر على العالم ,و نتج عن ذلك آثار عديدة على مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على مستوى العالم اجمع. الإرهاب مفهوم قانوني ذو بعد سياسي، وأن انعدام الرغبة في الوصول إلى تعريف موحد يعكس حقيقة الوضع السياسي العالمي إضافة إلى المكاسب التي استطاعت الدول الصغيرة أن تحققها في ظل نظام تعدد الأقطاب كتعريف العدوان مثلا الذي أصبح منذ بداية تسعينيات القرن العشرين أمرا يصعب تحقيقه في ظل سياسة القطب الواحد، وتظهر الأزمة الأمريكية الأخيرة خاصة أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، مدى صحة هذا الاستنتاج، فالرغبة الواضحة لدى الولايات المتحدة الأمريكية هي فقط إنشاء تحالف دولي تقود به العالم لخدمة مصالح خاصة بها، كانت تخطط لها منذ زمن بعيد، مستفيدة من أعمال إرهابية لم يقم الدليل القاطع على ارتكابها من جهة معينة لتشن حربا حقيقية ضد شعب سحقته حروب مستمرة منذ عقود (الشعب الافغاني والشعب العراقي).
لكي يتم القضاء على الإرهاب فانه يتوجب إيجاد آلية دولية تعمل على تعريف الإرهاب ووضع المبادئ والسبل الكفيلة بوأده في مهده، حيث التمويل والتدريب والممارسة، كما يجب أن يتم اتخاذ الإجراءات الرادعة ضد أي دولة تدعم الإرهاب أو تأوي مؤسساته ومنظماته، حيث أن التحرك من جانب واحد أو حتى من جانب ثنائي لا يكفي لمواجهة خطره لان طبيعته خطر كوني ومستمر، إلا انه وحتى الوصول إلى صيغة دولية لتعريف الإرهاب وإجماع دولي لمكافحته فانه يتوجب على الدول اتخاذ إجراءات عملية في سبيل التقليل من خطورة هذه الظاهرة والقضاء عليها. اتسعت دائرة العنف ويشهد مسرح الأحداث الدولية العديد من النشاطات الإرهابية التي تتجاوز آثارها حدود الدولة الواحدة إلى عدة دول
مكتسبة بذلك طابعا عالميا مما يجعل منها جريمة ضد النظام الدولي ومصالح الشعوب الحيوية وأمن وسلام البشرية، وعليه فإن عملية مكافحة الإرهاب لا يكفي أن يتم إعداد الوحدات المختصة والأسلحة الحديثة لمحاربتها، وإنما تحتاج إلى دراسة طبيعة الإرهابيين والدوافع التي دعتهم إلى سلوك هذا الطريق، فقد يكون هناك خلل ما في العلاقات الدولية أو النظم الاجتماعية والاقتصادية في كثير من دول العالم، مما دفع بعض هؤلاء إلى الخروج على النظام الدولي والمجتمع الدولي، وهنا لابد من ردع هؤلاء الإرهابيين وفي نفس الوقت أن يتم دراسة الأسباب التي دعتهم لاتخاذ الإرهاب كوسيلة للتعبير عن مطالبهم، إلا أن العقبات التي تعترض طريق التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب تعد سببا هاما من أسباب انتشار الإرهاب، فالإرهاب لم يعد محليا محصورا داخل حدود الدولة، بحيث تجدي في القضاء عليه التشريعات والتدابير المحلية ولكن الإرهاب الذي يقض مضاجع الشعوب والحكومات هو الإرهاب الذي تقوم به شبكات إرهابية دولية لها مراكز تخطيط وإدارة وتمويل خارج حدود الدولة، حيث يتم جمع المعلومات، وتخطيط العمليات الإرهابية، وتمويلها وتنفيذها على نطاق واسع كما أن الاحتمال قائم على أن الإرهابيين ربما يحصلون في المستقبل على أسلحة جديدة مثل أسلحة الدمار الشامل، لاستخدامها في عمليات الإرهاب، كما أن الخبرة في مجال الإرهاب أصبحت الآن في متناول قطاع واسع من الناس عما كانت عليه في السابق، وهذا بحد ذاته أضاف عبئا جديدا على الدول لمقاومة الإرهاب والتصدي له.
فالإرهابى يقع تحت تأثير أفكار ومعتقـدات يـؤمن بهـا لدرجـة تفقـده إدراك متطلبـات مجتمعه أو الوعى بخطورة ما يرتكبه من جرم فى حق الآخرين ، بل قد يصـل بـه تعصـبه إلـى أن يضـــحي بحياتـــه ، وهـــذا مـــا يضـــفي صـــعوبة بالغـــة علـــى عمليـــة مواجهتـــه ، إذ أن كـــل مــا يهــدد بــه محتمــل الوقــوع ، طالمــا أن كــل تفكيــر عقلــى ، أو وازع أخلاقــى ، أو تقــدير للمسئولية ، يصبح مفقودا ً لديه . وقد إ تجهــت الجماعــات المتطرفــة خــلال الســنوات القليلــة الماضــية إلــى الاســتفادة مــن وســائل التكنولوجيا الحديثة وفي مقدمتها شبكة المعلومات الدولية ” الانترنت ” سواء في عـرض أفكـارهم ونشــرها ، أو فــي تحقيــق تواصــل تنظيمــي فيمــا بيــنهم ، أو فــي الإعــلان عــن مــواقفهم مــن القضايا العامة بعيدا ً عن أوجه الرقابة المعتادة ، ولقد نجحوا بالفعل, لما لشبكة الانترنيت البعـد عـن قبضـة الأجهـزة الرقابيـة فـي تحقيـق أغـراض متعـددة ، وقـد اكتسـبوا خبـرة كبيــــرة بهــــذا المجــــال حيــــث صــــارت الشــــبكة بمثابــــة ” المعلــــم الأول ” لكــــوادر التطــــرف في عصرنا الحالي.
ونقول اخيرا عدم الإتفاق الدولي على تعريف الإرهاب يؤدي إلى نتيجة أن عملية مكافحة الإرهاب تنبع بالضرورة من وحي التعريف بالإرهاب وبالتالي فإن المكافحة الدولية للإرهاب وفي غياب مفهوم جاد ترضى عنة شعوب العالم، تبقى نسبية، و عديمة الجدوى، وفي مجتمع دولي تتضارب فيه المصالح بشكل كبير بالاضافة الى التباين الكبير بين وضع الشمال المتطور , والجنوب المتخلف والفقير الذي يصارع من أجل البقاء، ومادامت شعوب بريئة تقتل، وقرارات أمريكية تصدر باسم الأمم المتحدة، وأخرى تمنع، وانساق فكرية وتعليمية محلية تعدل وتلغى، وأموال شخصية تجمد لمجرد الإشتباه بها بذريعة مكافحة الإرهاب ستبقى ظاهرة ألإرهاب حتى يتوفر عدل شامل وعام يحفظ لكل بلدان العالم دون استثناء أمنها واستقرارها ورفاهيتها وعيشها حياة كريمة مستقرة.