فجر هذا اليوم المشحون بالصواريخ فتحت إسرائيل فصلًا جديداً من الصراع الشبه-نووي-المفتوح مع إيران عبر شن غارات جوية شاملة استهدفت عدة مواقع عسكرية ومنشآت تخصيب حساسة داخل الأراضي الإيرانية. الغارات التي وُصفت بأنها منسقة ودقيقة بدأت بشل الدفاعات الجوية الإيرانية عبر هجمات إلكترونية وموجات صاروخية مركزة لتفتح الطريق أمام طائراتها لضرب أهداف في العمق الإيراني في مدن متفرقة أبرزها أصفهان وشيراز وتبريز.
رد خجول ومسيرات عاجزة
حتى الآن الرد الإيراني على هذه الهجمات كان باهتاً ومحدوداً تمثل بإرسال مسيرات قيل إنها لم تخترق الأجواء الإسرائيلية أو تم إسقاطها قبل الوصول إلى أهدافها. وفي الوقت الذي تحدثت فيه وسائل الإعلام الإيرانية عن الاحتفاظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين، يرى المراقبون أن هذا الرد قد لا يكون إلا تكراراً لسياسة الضبط الاستراتيجي التي اتبعتها طهران لسنوات لكنها قد تكون مكلفة جدًا هذه المرة.
في المعركة.. من مع من
من الواضح أن ميزان التحالفات لا يميل لصالح إيران هذه المرة. فإسرائيل لا تتحرك بمفردها بل مدعومة بشكل مباشر من الولايات المتحدة وبدعم صامت أو ضمني من بعض الدول العربية التي ترى في التوسع الإيراني تهديداً مباشراً لها. في المقابل تبدو إيران منعزلة بلا حلفاء أقوياء حقيقيين على الأرض، مثلاً حزب الله اللبناني حليفها الأبرز بات تحت الضغط داخلياً وخارجياً كما أن قدرته على التحرك أصبحت محدودة بسبب الحسابات اللبنانية المعقدة والخشية من تدمير شامل للبنان في حال التصعيد، اما سوريا والتي شكلت لسنوات منصة استراتيجية لإيران تعاني خرجت من المعادلة وتحولت إلى ساحة مفتوحة للطيران الإسرائيلي دون رد بعد تغيير النظام .
أما العراق واليمن فالقوى المدعومة من طهران هناك منشغلة بصراعات داخلية أو غير قادرة على توفير مظلة استراتيجية حقيقية لإيران.
خيارات الرد والتفاوض
رغم الوضع المعقد، لا تزال إيران تحتفظ بعدد من أوراق القوة والردع، أبرزها أن القدرات الصاروخية الدقيقة والطويلة المدى حيث تمتلك إيران ترسانة صاروخية كبيرة ومجربة تستطيع الوصول إلى عمق إسرائيل وبعض القواعد الأميركية في المنطقة لكن استخدامها سيعني تصعيدًا قد يفلت من السيطرة.
وكذلك الهجمات السيبرانية حيث طوّرت طهران قدراتها في الحرب الإلكترونية وقد تلجأ إلى شن هجمات على بنى تحتية إسرائيلية أو مصالح أميركية.
واخيراً، استهداف المصالح الإسرائيلية أو الأميركية في الخارج عبر خلايا استخبارية أو جماعات مسلحة في أماكن مثل الخليج وأفريقيا أو آسيا. وكذلك الضغط على مضيق هرمز وتهديد الملاحة الدولية كورقة ضغط غير مباشرة على الغرب.
ضربة موجعة ام ماذا
السؤال الآن، هل ستلجأ إيران إلى توجيه ضربة نوعية وموجعة لإسرائيل لتثبت قدرتها العسكرية وتكسر صورة الضعف، أم ستكتفي بالتصريحات وتبني خطابًا إعلاميًا يغطي التراجع المرحلي.
المشكلة أن إيران منذ اغتيال قاسم سليماني ومروراً باغتيال عدد من كبار علمائها النوويين والعسكريين وحتى ضرباتها المحدودة الأخيرة لم تتمكن من ترجمة وعيدها إلى فعل مما أضعف مصداقيتها أمام خصومها وأمام جمهورها الداخلي.
الانتظار وقلق الخاتمة
إذا اكتفت طهران بالتصريحات فإن الرسالة ستكون واضحة وهو ان الردع الإيراني أصبح ورقياً، وإذا قررت الرد الحقيقي فسيكون عليها تحمل تبعات حرب واسعة النطاق لا تضمن نتائجها خاصة في ظل التفوق الجوي والتكنولوجي الإسرائيلي والدعم الغربي الكبير لتل أبيب.
يبقى السؤال هل سيتم تغيير المعادلة أم تستسلم للواقع، فما يجري اليوم هو اختبار وجودي لإيران كقوة إقليمية. فإما أن تثبت أنها لا تزال قادرة على فرض معادلات ردع جديدة أو أن تدخل في مرحلة انكفاء سياسي وعسكري خطير. الخيارات أمام طهران تضيق والوقت ليس في صالحها. فهل تختار المواجهة أم أنها ستكتفي بتضميد الجراح وتسجيل الاعتراض في الأمم المتحدة.
الأيام القادمة كفيلة بالإجابة لكن الواضح أن الشرق الأوسط يقترب من لحظة انفجار كبير والكل يترقب من سيُشعل الشرارة القادمة.