موقف يمر به مئات الشباب الباحث عن العمل بصورة عامة وخصوصا حديثي التخرج عند وضع شهاداتهم ضمن الأوراق المقدمة للحصول على وظيفة او عمل يطمح به، ليفاجأ برد واحد : لاتوجد حاليا فرصة عمل لك !
هذا الموقف يمر به ايضا خريجي هندسة الطيران من الجامعات العراقية برغم الاحتياج الفعلي لهم في وقت تصاعدت فيه أهمية قطاع الطيران كمحرك رئيسي للتطور الاقتصادي لاي دولة ومنها العراق ، من خلال تقدير الخبراء للمدى القريب بأن قطاع الطيران سيوفر أكثر من 750 ألف وظيفة في منطقة الشرق الأوسط بحلول 2020 .
وهو مؤشر خطير لوجود أزمة حقيقة لهذه الشريحة المهمة من الشباب , سبب هذه الازمة سوء التنظيم و عدم وجود آلية عادلة في اجراءات تشغيلهم من ناحية , وايضا من ناحية اخرى هي أن الشهادات الجامعية لم تعد هي الفيصل في معايير التوظيف في شركات الطيران والتي أصبحت بفعل قانون سلطة الطيران المدني العراقي لعام 1974 (الهرم) الذي يستند لمقاييس ليس لها علاقة بخريجي الجامعات من كليات هندسة الطيران ألا فيما يخص موظفيها الحكوميين منهم وهذا ليس عدلا كونه ألغا حقوق شريحة كبيرة من مهندسي الطيران الذين لم يحالفهم الحظ بالحصول على وظيفة في الشركة الوحيدة للنقل الجوي العراقي ( الخطوط الجوية العراقية ) وهم الاكثرية الذين ينتظرون فرصة التوظيف في قطاع الطيران الخاص ولكن هذا القطاع حاليا في بدايات تأسيسه ومع الاسف لم ينشأ على أسس ومعايير صحيحة ليتطور ويصبح منافس للناقل الحكومي في استيعاب هذه الكوادر في خلق فرص العمل لهم .
ان اكتساب الطالب لعلوم هندسة الطيران من الجامعة شيء أساسي ومهم للاستفادة من هذه العلوم في بناء شخصيته العلمية والعملية بعد التخرج , فيكون ملم بعلوم التّصميم الاساسي وأختبار الاجزاء وتقييمها، وإجراء التعديلات اللازمة لها , بالاضافة الى قابليته في أجراء البحوث والدراسات العمليّة والنّظريّة التي يتم من خلالها تحسين مكونات الطّائرات والنّظم والأداء وتحليل البيانات وتفسيرها , كل هذه العلوم تؤهله للعمل في صناعة المركبات الجوية ( الطائرات) وأجزائها , وهو مامعمول به في الدول المتقدمة صناعيا في العالم حيث تتاهفت هذه الشركات لاستحواذ على هؤلاء المهندسين في العمل في هذه الشركات والوكالات الخاصة بالطيران والفضاء , عكس ماموجود في العراق , فعند تخرج الشاب يترك ليواجه مصاعب الحصول على الوظيفة المناسبة حتى يصل الى مرحلة اليأس ويجعله يقبل بوظيفة بعيدة كل البعد عن مساره العلمي الذي اتخذه في دراسته الجامعية .
أذن ماهو الحل لهذه الشريحة المهمة من الخريجين ! وكيف يمكننا ان نخلق جيل من مهندسي الطيران بمستوى يضاهي ماموجود في العالم لا بل بمستوى مهندسينا القدامى الذين استحصلوا على علومهم من الجامعات الرصينة في العالم وحتى وفي داخل العراق ( عندما كانت جامعة واحدة فقط تعطي هذا التخصص ).. اقول يكمن الحل في التخطيط الصحيح الذي على أساسه نضع الخطوات ادناه لمعالجة موضوع تراكم اعداد من مهندسي الطيران بدون توفير فرص العمل المناسبة لهم , ومن هذه الخطوات :
عدم الموافقة على فتح فروع أخرى لهندسة الطيران في الجامعات الحكومية ومنع فتحها في الجامعات الاهلية, مع الاخذ بنظر الاعتبار المعايير الصحيحة للقبول في هذا التخصص باعتماد الحد الاعلى لدرجات القبول أسوة بكليات المجموعة الطبية ومن الفروع العلمية فقط وليس كمامعمول به حاليا بعدم اعتماد هذا المبدأ في الكليات الاهلية والاكاديميات الجوية , مع ضرورة أجراء التقييم الصحيح للمقبولين بعد أخضاعه للمقابلة الشخصية ( لتقليل عدد المقبولين لادنى حد وبنوعية عالية ).
البدء فورا بتشكيل لجنة عليا بين وزارتي التعليم العالي وسلطة الطيران المدني العراقي لتعديل المناهج المعتمدة من الجامعات بأضافة ساعات دراسية أضافية تعتمدها سلطة الطيران المدني من المناهج العالمية المعتمدة من منظمات الطيران العالمية ( EASA ,FAA ) مما يؤهل خريجي الجامعات باستحصالهم على الرخصة العملية للعمل على الطائرات أضافة الى الشهادة العلمية.
وضع خطة تشغيلية لخريجي هندسة الطيران في الجامعات الحكومية الاساسية ( الجامعة التكنولوجيا , جامعة بغداد , الكلية التقنية الهندسية في النجف ) تتضمن الاتي :
عقد شراكة علمية مع جامعات عالمية رصينة في علوم الطيران لارسال الطالبين الخريجين الاول والثاني من كل جامعة من الجامعات أعلاه لتكملة دراسته العليا في هذا المجال , بهذا نحصل على كفاءات تخدم قطاع صناعة الطيران بكل تفاصيلها مستقبلا .
أنشاء “مركز أبحاث الطيران” من قبل اللجنة العليا التي نوهنا عليها سابقا تضم في أنشائها اصحاب الشهادات العليا والكفاءات والخبرات العراقية في مختلف علوم الطيران تكون تابعة للهيئة الجديدة لسلطة الطيران المدني العراقي المرتبطة برئاسة الوزراء , من أبرز مهامها القيام بالدراسات والابحاث العلمية والتطوير والتصنيع الخاص بصناعة الطيران والاجزاء والمعدات الخاصة بالمركبات الجوية , ويتم أضافة الكوادر المتميزة من خريجي الجامعات اعلاه ( وتحديدا ال 10 الاوائل منهم ) سنويا الى هذا المركز , مع مراعاة البحث عن الاوائل من الخريجين السابقين لضمهم الى المركز.
وضع خطة عاجلة لانشاء شركات صيانة طائرات ومراكز تصليح أجهزة ومعدات للطائرات العاملة في العراق سواء الطائرات المدنية منها والطائرات العسكرية , ويتم ذلك من خلال عقد شراكة مع الشركات العالمية لصيانة الطائرات الرصينة في هذا الجانب لفتح فروع لها في العراق وتوظيف الخريجين من هذه الجامعات العراقية (وبواقع 10 – 15 طالب منهم ) لتدريبهم وتأهيلهم للعمل في هذه الشركات ويكونوا نواة لتأسيس شركات صيانة عراقية في كل مطار من مطاراتنا .
وضع خطة مشتركة بين سلطة الطيران المدني العراقي ووزارة الدفاع من جهة مع وزارة التعليم العالي لاستيعاب المتبقي من الخريجين وحسب تسلسلهم العلمي في الجامعة للعمل في ( الخطوط الجوية العراقية وشركات النقل الجوي الخاصة التي بدأت تنشأ في العراق أضافة الى المطارات والاقسام الاخرى التي بحاجة الى مهندسين لهم علاقة بالطيران, وايضا قيادات القوة الجوية العراقية وقيادة طيران الجيش العراقي وقيادة الدفاع الجوي) وحسب احتياجهم .
من هذه الرؤية التي اتطلع بها وأضعها امام انظار المسؤولين في العراق عسى ان تكون بداية لاتخاذ الخطوات الصحيحة لتطوير قطاع الطيران وصولا الى أن نرى واقع الطيران وخدماته في العراق يكون بمستوي يضاهي نظرائه في الكثير من تلك البلدان بل وحتى من دول العالم المتقدمة, ولاتتحقق هذه الرؤية الا بالاعتماد على الكفاءات فقط ! ومن هذه الكفاءات التي اعتبرها الاساس في هذا التطوير هي شريحة مهندسي الطيران العراقيين المتميزين والمؤهلين تأهيلاً عالياً بغرض تقديم أفضل مالديهم وفق استراتيجية تهدف للوصول بقطاع الطيران العراقي الى يكون مركز متميز أقليميا ورائدا في صناعة الطيران في العراق .