يتحدث المسؤولون في العراق بلباقة و” حرقة دم” عن حقوق الانسان واحترام المواطنة، و في ذات الوقت يغضون الطرف عن السقف المفتوح للتضليل و الأوهام و تغيير الجلود بطرق مختلفة ، بالاستفادة من قدرة البعض على ارتداء كل الألوان في وقت واحد، فلا نجد بعثيا قبل 2003، مع اصرار” بلابل كل الأزمنة” على التغريد في اتجاه واحد في أخطر مغامرة لتغيير الوجوه و غسل الأدمغة و تعديل انحراف البصر كي لايرى ” ” الصاحب الجنب” شعارات الأمس و مقتضيات هيبة ” الزيتوني و اقلام الجاف”.
لقد نجحت الغالبية في مسابقة تغيير الجلود و الوجوه أيضا، فتحول غضب ” الرفيق ” الى مجاملة ” السيد والشيخ و الفخامة”،باستثناء كتابة التقارير فقد حافظت على ” الماركة المسجلة” في تشويه الحقائق، بما فيها وصف الأحتلال بالتحرير و المرتزقة بالابطال، في تزييف خطير للتاريخ لأن العراقي لم يكن يوما من بين خناجر الغزاة لطعن شعبه، ولم يلبس ثوبا فيه ألوان الفتنة و التسقيط الوطني، بينما يجتهد بعضهم اليوم لطمس هوية الأمس بأعلى درجات الأنتقام ، ما يكشف عن مغالطات غير انسانية و تبريرات مغلوطة جدا، وكأنه لم يتجاوز عدد البعثيين في العراق 2% مقابل 98% من المعارضين، أو أن المحاباة لم تتسلل الى الأدب والثقافة و المبايعات العشائرية، أو ربما تم استيراد شعب جديد بنفس جنسيات ” الغائب الحاضر”، وربما أن البعض لا يطالع نفسه في المرآة يوميا لقراءة العلامات الفارقة التي حلت عليه ضيفا ” باهض الكلفة”.
مفارقة توجب البكاء بصوت مسموع لا تقل مستويات الحزن فيه عن مطالبة ” أصحاب كل الأزمنة” باسقاط المواطنة عن الشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد لأنه واصل الدفاع عن قناعاته مثل ” رفاق الوطن” الذين لم تستهويهم المشاريع الجانبية من مذهبيات و ولاءات خارجية ، فتمسكوا بمواقفهم عن قناعة ،تلك قضيتهم الشخصية التي لا يجوز تحويلها الى مشروع للخيانة الوطنية، لأنه في هذه الحالة ستشمل القائمة كل الشخصيات و الرموز الحالية، علما أنه ليس كل بعثي دمويا وليس كل دعووي أو مجلسي حمامة سلام، هي سلوكيات شخصية تتأثر غالبا بوجهات نظر ” مراهقي المراحل و المكارم”، رغم أن ” الفلك دوار” كما يقول العراقيون
وتؤكد الدراسة المتأنية للمواقف و ردود الأفعال أن المتشددين ” جدا” في نقد المرحلة الماضية هم الأكثر استفادة منها و أن تزوير ملفات التحقيق و ” الملاحقات العنيفة” لا يمحي ذاكرة باقي الرفاق ، ثم هل يلغي ” النيو لوك” السياسي صلات القربى و تواقيع و مجاملات ” المنظمة الحزبية”!! سؤال تجيب عنه عقول بعضهم رغم ما أصابها من تلف سوء التقير.
لم تجف ذاكرة العراقيين ففيها من المتغيرات ما يجعلها متجددة لذلك تحفظ الشواهد والتواريخ و المواقف ايضا، و منها للتذكير فقط أن المعلم و الموظف و الفلاح وسائق التكسي و تاجر الخردة كانوا بعثيين أومشاركين في التأييد، وهي ” طقوس مفروضة” شملت باقي شرائح المجتمع ،بينما يتفاجأ المواطن اليوم أن قائد الفرقة كان معارضا ” عنيدا” و مدير عام تجارة الشلب كان مطلوبا وقائد الفيلق لم يكن مجبرا على درجة العضوية ، لا بل أن سجلهم “النضالي ” في أحزاب المعارضة كان مشرفا جدا، فاستحقوا التكريم ثانية بمناصب فيها كل شيء سوى ترديد الشعار!!
ونحن هنا لا نوجه الاتهام لفريق دون غيره فنزع الجلود يعني بالضرورة دخول عنق زجاجة النفاق و التملق و مسح كل الأكتاف، لذلك تحول البعثي الى دعوي و الشيوعي الى اسلامي ليبقى الوطني ملاحقا في الليل و النهار، على غرار ما يجري من تصنيف مقرف للمواقف و التوجهات كلما تعلق الأمر بشخصية عراقية أجتهدت و أصابت و ربما اخطأت، و بما لا يبرر للحكومة كل هذا الجفاء عن شخوص مرحلة كانوا و سيبقون عراقيين و وطنيين ايضا، لذلك حافظ كل منهم على مكانته الأعتبارية، بينما لهث مسؤولون وراء أشخاص يجترون المواقف ولا يتناسلون انسانيا، لذلك يستمر الفشل و تتراجع أهمية القناعات البديلة، بينما يبقى السؤال مفتوحا عن عدد المعارضين للنظام السابق ، ففي ليلة وضحاها أصبح للغالبية المطلقة ملفات سياسية ، و مواقف معارضة و ملاحقات على مد البصر، فيما الحقيقة مختلفة تماما، فهناك ” مداحون و متملقون ” لكل زمان و مكان مقابل اذان رسمية يطربها النفاق و لاتسمع صدى التكرار المزمن للعبارات، ما أفقدها التركيز والتشخيص، لأن ” المكرمات تغير القناعات و تبرر المحظورات”، لكنها لن تنجح في تغيير الثوابت، وعلى الخارجين عن الواقعية مراجعة أنفسهم ، فذاكرة الشعوب غير مثقوبة ، و تغيير الوجوه و السجلات الحزبية و الولاءات المذهبية ” نفاق مفضوح”، بينما يبقى الأنتماء الى العراق عزة و كرامة ، فلا تلقوا بغيركم الى التهلكة ..يا ضيوف ” كل المناسبات”.
رئيس تحرير “الفرات اليوم”
[email protected]