في أتصالاتي المستمرة مع الكاتب ( ماتس إيكمان ) صاحب كتاب ( مهمة من بغداد ) توصلنا الى أتفاق أولي أن يكون ضيفاً على مؤسسة بيدر في حوار مفتوح حول طيات كتابه وتداعياته في أوساط العراقيين , من حيث المبدأ رحب بالفكرة وأبدى موافقته الأولية , فقط متوقفه على آلية التنفيذ ضمن الوقت المسموح به للطرفين .
سيكون حوار مباشر مع النخب العراقية في تداول المعلومة ومدى واقعيتها وردود الافعال حولها والتي مازالت تشغل مساحات ليس قليلة من أهتمام العراقيين في داخل العراق من خلال البيانات الاولية في قراءة ومتابعة تفاصيل الكتاب .
ذكر فلاديمير إيليتيش لينين مفجر ثورة أكتوبر ١٩١٧ في معرض حديثه على ضوء مؤتمرات البلاشفة الشيوعيين حول طبقة المثقفين ( الانتليجيسيا ) يصفهم هم الاكثر قدرة على الخيانة لأنهم قادرين على تبريرها .
في تجربتنا العراقية القريبة الأرعن ( بوش الأبن ) وحملته على العراق تحت قانون تحريره السيء الصيت وقع ما يقارب ٥٠٠ مثقف عراقي في تأييد على تلك الوثيقة ( العار ) بتدمير البلد . ومازال المشهد يكرر يومياً في عراقنا وما أريد أن أفيض في ذكر وقائع حقيقية يومية لا تطاق في تدمير مجتمع كامل , تستهدف الانسان هو نفسه وسط صمت مرعب من قبل الشريحة الواعية في المجتمع والاحزاب العلمانية واليبرالية والمؤسسات المدنية وما تسمى بهتاناً الاتحادات والمنظمات الديمقراطية , مازالت بدون مراجعة نقدية تذكر, أمام قدرات تدمير البلد , نحن بشر , والبشر بطبعهم خطاؤون , على حد تعبير فولتير .
يروي ماتس أيكمان في كتابه ( مهمة من بغداد ) . بعدما دفن ماجد حسين في العاصمة ( أستوكهولم ) بثمانية أيام قتل أولف بالمه رئيس وزراء السويد المشهود له في مواقفه مع قضايا الشعوب نحو الحرية والتحرر , وفي الحقيقة هو قتل بعد عام من مقتل ماجد حسين , لكن الاحتفاظ بالقتيل لمدة عام تقريباً في ثلاجة أحدى المستشفيات في العاصمة السويدية لأجل أكمال التحقيقات حوله قتله وملابساته والجهات المنفذة , ومازال ملف الجريمة مفتوحاً أمام لجان سويدية قانونية وأمنية مختصة .
ماجد حسين ولد في يوم ٢٧ أكتوبر العام ١٩٥١ والده كان ضابط كبير في الجيش العراقي تقاعد العام ١٩٨١ عن سلك الجيش العراقي لأسباب تتعلق بوضعه الصحي . أنتسب ماجد حسين الى تنظيمات حزب البعث العام ١٩٦٦ , بعدها دخل دورة مخابرات سرية العام ١٩٧٤ في مطار بغداد , ومن ثم فيما بعد أرسل الى دولة يوغسلافيا في زمن الرئيس ( تيتو ) للتدريب على أساليب وطرق المخابرات في التعامل وملاحقة وقتل خصومه .
عند وصوله الى العاصمة السويدية وطلبه اللجوء السياسي , أدعى أنه من المساهمين في أحداث ١٩٧٩ في معارضته لتسلم صدام حسين دفة الحكم من الاب القائد أحمد حسن البكر فيما عرفت فيما بعد بمجزرة قاعة الخلد الشهيرة , والتي راح ضحيتها مجموعة من أعضاء وكوادر حزب البعث ( العقائديين ) أن صحت التسمية , بذريعة مؤامرة على رفاقهم والتخاطب مع دولة جارة وشقيقة . مهامه المخابراتية وتحركاته للقتيل ماجد حسين كانت محصورة ومحددة له في أوربا , ولكن بمعزل عن دول أسكندنافيا .
ماجد حسين كان مع صدام حسين وبعض رفاق القيادة من ضمنهم طارق عزيزعندما سافروا الى المملكة العربية السعودية بطائرتين يومها ألتقوا بالعائلة المالكة في أحدى القواعد الامريكية وضمن ماطرح في الاجتماع موضوعة الحرب العراقية / الايرانية وتداعياتها العربية والعالمية أن وقعت . كان مسؤول ماجد في العمل المخابراتي برزان التكريتي الاخ غير الشقيق لصدام حسين , والذي كان مدير المخابرات العراقية آنذاك. وبعد أربعة أيام من نشوب الحرب بين الجارتين اللدودتين الاسلامتيين تلقى ماجد حسين آمراً بالانتقال الى دولة الكويت برفقة ضابط آخر يدعى جبار عبد الراضي الموسوي للعمل سويةً في محطة المخابرات العراقية في دولة الكويت , وجبار من أهالي الكاظمية وهو شيعي والده أسمه عبد الراضي , كان ناشطاً دينياً , لكنه كان يعمل لصالح المخابرات العراقية تحت الغطاء الديني , حيث كان له علاقة مباشرة مع سبعاوي أبراهيم الاخ غير الشقيق للرئيس صدام حسين . عندما غادروا الى الكويت من بغداد بسيارة مارسيدس تابعة لجهاز المخابرات العراقية ووصلوا أراضيها لم يبلغوا بطبيعة مهمتهم والمهام الملقاة عليهم , في الكويت وبعد أيام من وصولها تلقوا التعليمات وطبيعة مهامهم على الاراضي الكويتية . الأمر الاول كان أعطاء معلومات كاذبة ومظللة عن عدد ومكانات الطائرات العراقية وقدراتها لرجل دين شيعي يعمل مع المخابرات الايرانية في الكويت وبدوره أعطائها الى السلطات الايرانية , تحسباً لاستهدافها في حالة نشوب الحرب .
في الكويت ألتقوا برجل يدعى ( عبد ) يعمل في السفارة العراقية ومسؤول محطة المخابرات في الكويت . أعطى هذا الرجل آمر لماجد حسين بأخذ أربعة لترات ويسكي وصندوقين بيرة لأحد العملاء الكويتيين الذي يعرفه ماجد لانه هذه لم تكن السفرة الاولى له , حيث سبقتها سفرات ومهمات سريعة , فكان ملماً بتفاصيل عدة حول العمل والتحركات والعلاقات في الكويت . وقال رجل المخابرات عبد الى ماجد حسين (( سوف تعرف غداً لماذا أعطيتك الويسكي والبيرة )) ؟.
برزان التكريتي أتصل من بغداد وآمر رجل المخابرات ( عبد ) , أن مهمة ماجد حسين سوف يشارك بعملتيين الاولى هي قتل القنصل الايراني في الكويت وذلك خلال حضوره في أحدى ملاعب كرة القدم في بطولة أسيا . ومهمة ماجد حسين في العملية هي تسهيل دخول المنفذين الى الملعب عن طريق الجاسوس الكويتي الذي منحوه الويسكي والبيرة .
العملية الثانية لمهمة ماجد حسين هي تفجير أنبوب نفط كويتي وأعطاء فكرة وبث الاشاعة عبر عملائهم أن المنفذين أيرانيين وذلك عن طريق أستعمال السلاح الايراني في العملية وآمرهم برزان بقتل المنفذين بعد تنفيذ العملية بنجاح لابعاد أي أحتمال سيء يتهم العراق به وأحراجه أمام المجتمع الدولي .
رفض ماجد حسين بتنفيذ العملية الثانية ولذلك حسب أدعائه لعدم تلقيه الأوامر قبل الذهاب الى الكويت , وبلغ بوضوح أذا لم ينفذ العملية يحول ملفه الى حاكمية المخابرات العامة في شارع ٥٢ في بغداد بتهمة عدم تنفيذ الأوامر وبعد أن عصي عن التنفيذ بلغ بعودته حالاً الى بغداد , وبعد تلقيه هذا الآمر قرر ماجد حسين بعدم العودة الى بغداد وهروبه الى أوربا ووجهته كانت مملكة السويد , الذي ألقي مصيره الآخير في عاصمتها .