27 ديسمبر، 2024 5:54 ص

مهمة سرية في طهران

مهمة سرية في طهران

ان علاقات ايران والولايات المتحدة الامريكية بعد الثورة الاسلامية، تعد من اكثر القضايا اثارة للنقاش في حقل السياسية الخارجية لايران.
ان جغرافية ايران الواقعة في مفترق طرق الشرق والغرب، ولانها مجاورة للاتحاد السوفيتيي السابق، وامتلاكها لمصادر نفط غنية، وتمتعها بمكانة هامة واستراتيجية في المنطقة… ادت الى ان تكون دائما محط انظار الولايات المتحدة، فضلاً عن ان ايران كانت تعد من اكبر اسواق الولايات المتحدة في المنطقة. فالى جانب هذه العوامل، كانت ايران تعتبر جزيرة الثبات والشرطي وحافظة لمصالح الغرب والامريكان والستار الحديدي في مواجهة الشيوعية.
ان كافة هذه العوامل ادت الى ان تحظى ايران في زمن نظام بهلوي التابع للآخرين … بأهمية قصوى للولايات المتحدة. لذا، فان فقدان هذه القاعدة الهامة في منطقة الخليج العربي يعد امراً خطيراً للولايات المتحدة.
بناءاً على هذا، عندما بلغ النضال الثوري للشعب الايراني ذروته واصبح نظام الشاه على وشك السقوط.. بذلت الولايات المتحدة كل ما بوسعها لتحول دون سقوط الشاه وانتصار الثورة الاسلامية.
ان جيمي كارتر، الرئيس الامريكي آنذاك، وعلى الرغم مما كان يدعي الدفاع عن حقوق الانسان، فانه لم يكف عن دعمه المادي والمعنوي لحفظ نطام الشاه ومواجهة نضال الشعب الايراني المطالب بالحرية والاستقلال.. فأرسل الجنرال روبرت هايزر في مطلع شهر كانون الثاني من عام 1979، الى طهران في مهمة سرية لمحاولة انقاذ نظام الشاه على الاقل او ضمان وجود نظام موال للغرب في طهران. وكانت مهمة هايزر، العمل على دفع الضباط الايرانيين من ذوي الرتب العالية الى الوقوف بوجه الثورة الاسلامية الخمينية.
وفي كتابه الذي نحن بصدده والذي ترجمنا بعضاً من يومياته… يحاول الجنرال هايزر ان يضع النقاط على الحروف ويحاول ان يفصح عن مجمل الاحداث المتناقضة بين قرارات واشنطن وما يجري في الشارع الايراني، وانهيار هذه القرارات، واخيراً الانتقاد اللاذع الذي وجهه هايزر ورجل المهمة السرية الى حكومة كارتر التي اخفقت في احداث تنسيق بين اجراءاتها الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية.
لا بد من التنويه الى اني ترجمت فقط ابرز الافكار الرئيسية التي وردت في كتاب هايزر.

الخميس 4 كانون الثاني 1979
كان نبأ وصولي الى طهران قد وصل سريا الى اللواء فيليب كاست رئيس البعثة العسكرية الامريكية في طهران في ذلك الوقت، وبناءاً على ذلك اتخذت الاستعدادات الامنية اللازمة لاستقبالي بصورة سرية جداً. وفي الوقت الذي انفتحت فيه ابواب الطائرة التي اقلتني، صعد اليها عدد من الاشخاص الذين يعملون في الملحقية العسكرية الامريكية وكان بعضهم يرتدي الملابس العسكرية وذلك لوضع الترتيبات اللازمة لتزويد الطائرة بالوقود. في هذه اللحظات بعدت عن الانظار واختفيت في حجرة البضائع، وعندما غادرت هذه المجموعة الطائرة اسرعت للحاق بهم من دون ان يعرفني احد. دار حديث بيننا ونحن نسير بخطى بطيئة الى ان وصلنا الى سيارة خاصة كانت في انتظارنا، وسارت بنا بسرعة.
ان وصولي الى طهران لم يكشف من قبل أي شخص، وكان المظهر غريبا جداً، اذ انها المرة الاولى التي ادخل فيها طهران بهذه السرية وكانت تختلف تماما عن زياراتي السابقة التي كانت بعلم المسؤولين الايرانيين، وكنت استقبل من قبل معظم القادة العسكريين المقربين الى الشاه حيث كانت تعزف الموسيقى العسكرية الخاصة عند وصولي الى المطار.
ان الحياة داخل مدينة طهران يسودها التوتر العام، الشوارع خالية من المارة، الارصفة مهجورة، وقلما تشاهد حركة واضحة لبعض السيارات او الباصات العامة وحتى الدراجات البخارية، المحلات مغلقة، الصحف متوقفة عن الاصدار، الاسواق العامة مهجورة كلياً، ارصفة الشوارع خالية من المارة، محطات البنزين مغلقة ولم تشاهد في تلك الاجواء المتوترة الا الصور المعلقة لاية الله الخميني من خلال النوافذ.
السبت 6كانون الثاني1979
لقد وضعت الترتيبات اللازمة لمواجهة القادة العسكريين داخل طهران ومنهم الجنرال توفنيان وكيل الوزارة الحربية الذي كان كثير الشوق لمقابلتي، وعندما التقينا، كان يرتدي زياً مدنياً من باب الحيطة والحذر كونه لا يتمكن من التجوال داخل المدينة بزيه العسكري والحقيقة انه لم يكن الوحيد الذي يخشى التجوال وانما جميع القادة العسكريين في ذلك الوقت. ولذلك فقد ارتدى معطفا مدنيا من اجل تغطية ملابسه العسكرية اضافة الى انه لا يتجول الا وهو مسلحاً.
انتقلنا الى السفارة بسيارة خاصة غير مسلحة وذلك استناداً الى الاوامر التي اصدرها السفير ويليام سولفيان والتي يتم بموجبها عدم حمل السلاح من قبل أي شخص وذلك حسب اعتقاد السفير بان حمل السلاح من قبل الاشخاص يسبب الكوارث اكثر مما يأخذ صفة الحماية. وقد استفدت من ملاحظات السفير وبدأت التنقل بالملابس المدنية اضافة الى اصرار حرسي الخاص بارتدائي الصدرية المضادة للاطلاقات النارية خوفا من مواجهة هجوم مسلح ضدنا.
في الوقت الذي كنت فيه مع السفير قررت ان استفسر منه حول الاشاعة التي تدور وهي قيام مجموعة خاصة بوضع الخطط اللازمة للقيام بانقلاب عسكري، غير ان السفير قد انكر مطلقا وجود مثل هذه المجموعة. ثم كررت السؤال للمرة الثانية حول ما اذا كانت هناك خطة للقيام بقلب نظام الحكم، وكرر جوابه بالنفي التام غير انه اضاف قائلا انني متأكد بان الخط العسكري لا يسمح للحزب الشيوعي من الوصول الى السلطة. بعد ذلك ادركت اني احرجت الشخص كثيرا لذلك تركت الموضوع مطلقا . بعد برهة من الوقت سألني بكل صراحة قائلا -لماذا لا تعمل الولايات المتحدة الامريكية على أسكات الخميني؟-. وهذا السؤال كثيرا ما تردد في الاسابيع اللاحقة ثم اضاف، هل ان الولايات المتحدة لا تستطيع اغلاق الاذاعة الفارسية من قبل ترددات البث الانكليزية. واضاف بان الجميع هنا في ايران يحملون الراديو، وبما ان محطات الاذاعة الايرانية قد اغلقت جميعها من قبل المعارضة الايرانية، فان الاخبار والمعلومات الوحيدة التي يحصل عليها الشعب الايراني تأتي من موجات الاذاعة البريطانية. وقد أكد ان المعلومات التي تبث من الاذاعة البريطانية محرفة واكثرها تنادي بالحزب الشيوعي والخميني وبنفس الوقت تقاوم الشاه وحكومته.
يعود البث الفارسي من الاذاعة البريطانية الى عهد الحرب العالمية الثانية وقد وجه هذا البث من اجل اثارة المشاكل ومنع الاستقرار للنظام الحاكم في ايران بقيادة والد الشاه في ذلك الوقت الذي كان يتمتع بعلاقات صداقة حميمة مع المانيا النازية. لذلك فان القادة العسكريين الايرانيين وكذلك الشاه يتذكرون جيدا تلك المواقف وهذا ما جعل الشاه وقادته العسكريين يبعثون احتجاجا الى الاذاعة البريطانية خلال الفترة الحاسمة من نهاية السبعينات.
في هذه الفترة مارست الحكومات العربية وخاصة حكومات الشرق الاوسط السيطرة التامة داخل بلدانهم لانهم كانوا على علم تام بان الحكومة البريطانية يجب ان تتواطئ مع الاحداث التي تغطيها الاذاعة البريطانية، وحتى الشعب الايراني يعرف جيداً، ان الاذاعة البريطانية تمثل موقفا رسمياً، علما ان هذه الاذاعة لم تضمر عداءا شديدا الى نظام الشاه. مقابل ذلك قامت باذاعة بعض المقابلات للمعارضة الايرانية واستمرت بسرد بعض الاحداث التي كان يفضل نظام الشاه عدم اثارتها في ذلك الوقت. ولذلك كان للقادة العسكريين الحق حسب وجهة نظرهم من تحطيم الاذاعة المذكورة.
لقد اخبرني الجنرال توفنيان باعتقاده ان الخط العسكري يحاول ان يسيطر على دفة الحكم ويحاول ان يتوصل الى بلوغ هذا الهدف دون سفك اية دماء من الابرياء، وسوف يباشرون بالقاء القبض على اعضاء المعارضة، وقد قاطعت كلامه وذكرته ببعض احداث الماضي حين سنحت الفرصة لهذا الخط بان يستولي على زمام الحكم في شهر تشرين الثاني غير انهم فشلوا في تحقيق ذلك. لقد كان الجنرال توفنيان خائفا من ان الشاه لا يتمكن من العودة بعد انتهاء فترة اجازاته، ولكني اخبرته بان الخط العسكري يوافق على تحمل المسؤولية الكاملة والمحافظة عليها لحين عودته لانه يمثل القوة الحقيقية الوحيدة في هذا البلد، والخط العسكري هو الوحيد الذي بامكانه اتخاذ الخطوات الكافية لاعادة الدفاع عن السلطة الملكية.
غير ان الجنرال توفنيان قد اجابني بهدوء بأن الشاه لم يكن مجرد رجل، انه البلد ثم شعرت اخيرا بان هذا الرجل يحاول ان ينقذ نفسه من موت مؤكد، وعلى كل حال فانه اقتنع بان حديثي معه حول هذا الموضوع كونه من الرجال المهمين الذين يؤثرون على اعادة الاستقرار الى البلاد.
واخيرا توجهنا الى احد القواعد العسكرية الجوية لمقابلة احد الاصدقاء وهو الجنرال امير حسين ربيعي وقد رحب بيّ هذا الصديق بطريقته الودية المألوفة، وقبل ان انطق بكلمة واحدة انفجر بهجوم قوي على الولايات المتحدة الامريكية مما جعلني اصاب بالذهول والصدمة.

معلومات خاطئة:
لم يختلف هذا القائد الاخير عن الجنرال توفنيان فقد انتقد الاذاعة البريطانية لسماحها بنقل البرنامج الفارسي وبانهم ساهموا بشكل فعال في اذاعة المعلومات الخاطئة ومن هذه المعلومات ان الاذاعة قد اعلنت في الليلة الماضية بان الجنرال ربيعي على وشك ان يحيل نفسه على التقاعد، وقد سمع هذا الحديث على ألسنة افراد الشعب الايراني مما سبب الذعر والاضراب بين الخطين العسكري والمدني.
ثم اضاف بانه تلقى عدة مكالمات هاتفية تتهمه بترك منصبه في هذا الوقت العصيب .واخيراً سألني بلهجة شديدة – لماذا لم تتحرك الولايات المتحدة بالسيطرة على هذه الاذاعة علما انها ترتبط بعلاقات متينة مع بريطانية؟ ولماذا لم نطالب رسميا بايقاف هذا البث الاذاعي؟ – بكل تأكيد اخبرته بعدم الانفعال ووعدته باني سوف اتكلم مع حكومتي حول سلوك الاذاعة البريطانية، ولكن يجب ان نعرف جيدا طرق الاعلام الغربية وانا متأكد بانك تعلم جيدا حرية الصحافة الغربية وما تتناوله الافلام من مواضيع مختلفة. وقد استمعت كثيرا وشاهدت ما فيه الكفاية من التقارير الاعلامية الغربية التي بثت من قبل اجهزة الاذاعة والتلفزة وتلك التي تناولتها مختلف الصحف والمجلات. وانت تعرف جيدا ما اعني بكلامي هذا. ان الوسط الغربي يحاول ان يبحث جميع جوانب المشكلة وبهذه الوسيلة يدع القراء الوصول الى النتائج النهائية. والحكم عليها والشيء الذي يجب ان افصح عنه بعدما سمعته بنفسي بانني بدأت اعتقد بان المعلومات والاخبار التي بثتها الاذاعة البريطانية اكثرها خاطئة.
بعد هذه المناقشة القصيرة بدأنا الحديث حول الخطة الشائعة بتولي الخط العسكري السلطة في حالة مغادرة الشاه الاراضي الايرانية او فشل الحكومة الحالية بالسيطرة على زمام الامور، وبما اني صديق قديم فلديّ القدرة على الاستفسار بدون تردد حول المجلس الذي شكل لهذا الغرض، وقد اكد على وجود هذا المجلس غير ان اعماله تتطلب السرية العالية وان هذا المجلس قد ناقش الانقلاب العسكري المنتظر. واضاف بان الشاه قد اخبر بان هناك مجموعة من الضباط يفكرون في تكوين مجلس عسكري ومن اعضائه الادميرال حبيب الله قائد البحرية والجنرال توفنيان واخيرا الجنرال ربيعي الذي يقصد نفسه.
انقطع حديثنا فجأة بعد ان رن جرس الهاتف وظهر انه نداء ضمن خط خاص، وكان الحديث باللغة الفارسية، وكان احتمال بان المتكلم هو الشاه –كل مسؤول لديه خط خاص يتصل بالقصر الملكي مباشرة- والحديث الذي جمع بينهما مختصر جدا ولكنه مع مرور كل ثانية من الوقت تبرز علائم الدهشة على صوت الجنرال ربيعي، ومن الواضح انه استمع الى احداث مزعجة، واخيرا عندما انتهى من مكالمته التلفونية اخبرني بصوت مرتجف- ان جلالته امرني بوضع الخطط اللازمة لمغادرته البلاد-.
ان الخطوة القادمة هي اجتماعي بالادميرال حبيب الله في المواقع الرئيسية للقيادة البحرية وكان هذا الرجل اكثر هدؤا من ربيعي وتوفنيان، غير انه في هذه اللحظة لا يختلف عن الاثنين اذ ظهر عليه الارتباك بمجرد سماعه برحيل الشاه، وكان على ثقة كبيرة بان الخط العسكري سوف ينهار في حالة مغادرة جلالة الشاه للبلاد. كما اكد بان جميع القادة الكبار سوف يغادرون ايران لان حياتهم ستتعرض الى الخطر بعد رحيل الشاه. ثم بدأت اسئلة عن المجلس العسكري حيث اخبرته بان الجنرال ربيعي قد اخبرني عن وجود هذا المجلس باختصار لكن الجنرال توفنيان تجنب الاجابة عن هذا السؤال. والآن احب الاستفسار منك حول وجود هذا المجلس. وقد اوضح الادميرال بان الخطة لازالت في دور البداية وليست هناك خطط ثابتة ومفصلة عن تشكيل هذا المجلس. لقد تناولت المناقشة مهمة كل ضابط في المجلس ولم يقرر لحد الآن الوقت الذي سيتولى فيه المجلس السيطرة على الحكم او تخليص البلاد من محنتها الاقتصادية.
عند هذه النقطة خطرت لي فكرة بارعة مفاجئة، فاذا كانت هذه المجموعة من الضباط تعمل لتشكيل المجلس المذكور فانهم بذلك يؤلفون وحدة متكاملة مع السيد شاهبور بختيار رئيس الوزراء الجديد كخطوة اولى، واقترح ان الادميرال سيحقق خطوة استراتيجية لاستعادة السيطرة على المراكز الصناعية بالدولة وكذلك المصادر المادية تحت قيادة شاهبور بختيار، وحسب اعتقادي يجب ان يعمل بهذه الحصيلة، والحقيقة انه افضل كسب للرهان من عملية قيام الخط العسكري بالاستيلاء على الحكم منفردا.
واوضحت ذلك بل اكدت انه اذا كان من الضروري ان يسيطر الخط العسكري على السلطة فيجب ان يتم ذلك على ضوء الاشتراك مع بختيار. بل اقترحت على الادميرال ان على المجلس ان يتوسع بشكل يتألف من رئيس لهيئة الاركان العليا ورؤساء للقيام بالخدمات الاخرى. كان جواب الادميرال على هذه الاراء بألاقتناع كليا بل ساند هذه الفكرة وابدى موافقة تامة على العمل مع رئيس الوزراء الجديد من خلال هذا المجلس.
في اليوم التالي قمنا بتوجيه الدعوة انا والجنرال كاست، الى اعضاء المجلس للحضور، وفعلا تم الاجتماع الذي تخلله تناول المشروبات الروحية، وبدأ الحديث حول المسألة الاولى التي تواجه المجلس وهي اقتراح رحيل الشاه عن البلاد. ولذلك يجب ان نحاول توظيف كل الجهود وتعيين وظيفة كل قائد عندما تتم عملية الرحيل.
ان واشنطن على صواب في تقييمها للوضع، ولهذا يجب العمل اولا على السير على توجيهات الرئيس وهي منع القادة من ترك البلاد والعمل على تثبيت الحكومة واعادة السيطرة على السلطة. المسألة الثانية هي العمل بصورة جدية وصادقة مع شاهبور باختيار، ونحن نعلم بقوة ولائه الى الشاه وهذا ما يصعب على هؤلاء القادة منح الولاء لشخص آخر اضافة الى عدم الوثوق بشخصية باختيار، ولذلك نحن ندرك مخاوف هؤلاء القادة نحو النظام الجديد، والسبب يعود الى ان شاهبور بختيار كان احد اعضاء المقاومة في الجبهة الوطنية وان وصوله الى السلطة يعني القضاء على الجميع، اضافة الى احتمال ان بختيار قد سمع بتشكيل المجلس العسكري، وفي حالة عودة الشاه الى الحكم سوف يقضي على جميع اعضاءه. المسألة الثالثة تركزت حول منهاج الاولويات لرئيس الوزراء الجديد والحاجة الى وضع الخطط اللازمة والشاملة لاعادة السيطرة على الموقف ودفع الاقتصاد الى التحرك، كما يجب عليهم حماية الموارد المصرفية للدولة، المؤسسات النفطية، المؤسسات الغذائية واخيرا استعمال القوة لمجابهة الاخبار المشوهة في الوسط الايراني مع اتخاذ الخطوات الرادعة لمقاومة الحرب النفسية التي يتبعها الخميني.
وبعد الانتهاء من تنازل وجبة طعام العشاء التي احضرتها السيدة زوجة الجنرال كاست غاردنا المكان في زورق خاص. التقارير السريعة التي علمنا بها ان انواعا من الاسلحة الآلية قد انتشرت بين افراد الشعب، يضاف الى ذلك النداءات الدينية التي استمعنا اليها من سقوف المنازل المجاورة.

الاحد/ 7 كانون الثاني/ 1979
في الوقت الذي كنا ننتظر فيه استقبال الجنرال كاراباجي رئيس مجلس الاركان الاعلى والجنرال داى بورانتا دخل علينا فجأة الجنرال كاست ضابط السلطة التنفيذية وكان يحمل صحيفتين من الصحف الفارسية التي تصدر باللغة الانكليزية وهما صحيفة طهران جورنال وصحيفة كيهان التي ظهرت توا بعد اضراب دام (62) يوما، وقد نشرت هذه الصحف خبر وجود تجمع عسكري اميركي داخل طهران وكتب رئيس تحرير الجريدة الاولى ان سبب وجود الشخصية العسكرية الامريكية الكبيرة اما لتقليص عدد العسكريين الاميركيين او للتأثير على جنرالات ايران بان واشنطن تدعم رئيس الوزراء بختيار بحزم، وانهم يجب ان يفعلوا ذلك كما بثت الاذاعة البريطانية.
ونشرت الجريدة الثانية مقالا بعنوان (جنرال اميركي يتحادث مع القادة العسكريين) وكان مضمون المقال مشابها لما كتبه رئيس تحرير طهران جورنال. ويشير المقال الى الحديث الكامل على سفر هذا الجنرال الى ايران الا ان هذا المقال امتنع عن ذكر اسم هذا الجنرال.
لقد قرأت هذه الصحيفتان بينما كنت انتظر الجنرال كاراباجي وعندما جاء هذا صب غضبه على السفيرين الامريكي سولفيان والبريطاني انتوني باسونز لممارستهما ضغوطا هائلة على الشاه كي يترك ايران، وكان يرى ان المستقبل ميؤوس منه وقد كان يؤمن ان الخميني والاذاعة البريطانية والشيوعيين مرتبطون فيما بينهم بطريقة او باخرى وانه لا يستطيع ان يفعل شيئا اذ انه خائف من التهديدات المعارضة، ولذلك شعرت بان هذا القائد اكثر استعداداً من غيره في مغادرة البلاد في حالة رحيل الشاه، واخيرا اتضح لي بان هذا الجنرال مؤمن بان الولايات المتحدة تستطيع عمل كل شيء حتى في هذه المرحلة. واتضح ما يجب عليّ القيام به، وهو ان اجعل التخطيط يأخذ مجراه.

الثلاثاء 9/ كانون الثاني/ 1979
الهدف الوحيد الذي كنا نبتغي الوصول اليه هو اقناع القادة العسكريين لحضور اجتماع موحد، وقد حدث فعلا هذا الاجتماع وكنت احد الحضور ضمن الضباط الاربعة الكبار، اذ بدا في ذهن كل واحد منهم ما في اذهان الاخرين مع انهم لم يتحدثوا الى بعضهم من قبل وكان الجميع متفقين على ثلاثة مواضيع هي اولا: ابقاء الشاه في ايران ثانيا: التأثير على الخميني ثالثا: ايقاف اخبار الاذاعة البريطانية. وبعد ذلك غيرت الحديث الذي ربطته بموضوع واحد فقط هو مساعدة بختيار قلت لهم اذا اردتم وقررتم فعلا مساعدة رئيس الوزراء فعليكم ان تجتمعوا كمجموعة – اذ اردت من هؤلاء الكبار ان يتحملوا مسؤلياتهم. انهم لا يستطيعون الاعتماد على شخص ما اعلى منه وهو دور الشاه، اذ انهم من الضروري الوقوف على اقدامهم من اجل استمرار خدمتهم ويجب ان يقولوا الكلمة الصائبة لرجالهم بهدف ابقاء المعنويات وبعد اخذ وعطاء وافقوا على كتابة الخطط وكان بودهم ان اكتب لهم التفاصيل غير اني رفضت ذلك واردت لهم الاعتماد على انفسهم وتحمل المسؤولية الملقات على عاتقهم.
قال قادة الاسلحة يلزم بعض الوقت لاعداد الخطط وعلى واشنطن اثناء ذلك ان نشرح للشاه ماذا يجري وان تقنعه بالبقاء حتى ينتهي التخطيط وقلت لهم ليس في نية واشنطن ان تتورط في مسألة مغادرة الشاه المقترحة، ان هذا عائد لقرار جلالته الشخصي- وفي هذه الاثناء سألني الجنرال كارباجي عن طول الفترة التي سامكث فيها داخل طهران، اجبته باني ساغادر الى شتوتغارت لتقديم المساعدة اليكم على نحو افضل، ومن المؤمل ان اغادر يوم غد. ورد علي احدهم بان بقائي في طهران افضل كثيرا من شتوتغارت نظرا لقربي منهم واعطاء التوجيهات المستحدثة اضافة االى الاتصال المباشر مع واشنطن.
يبدو انهم لا زالوا يفكرون في مصيرهم القادم وفي مغادرة الشاه المحتملة، وتأكدت من ان بقائي اكثر داخل طهران يعني زيادة اعتماد هؤلاء القاطعة على طلب الاستشارة وعدم تحمل المسؤولية الكاملة.
الاربعاء 10/ كانون الثاني/ 1979
لم استطع مغادرة البلاد يوم 10 كانون الثاني 1979، كما كان مقرر بسبب تساقط الثلج وكذلك الاضراب الشامل الذي شمل عمال برج المراقبة في مطار مهر آباد. ونتيجة لذلك قررت والجنرال كاست الذهاب الى السفارة الامريكية والاطلاع على ما استجد من احداث. وفي السفارة اطلعنا السفير على الصحف المحلية التي تقول ان الولايات المتحدة غيرت سياستها بشأن ايران، وانها ستنصح الشاه بمغادرة البلاد مؤقتا، ونقل ان كبار الرسميين في ايران غاضبون من التدخل الامريكي الاستعماري في الازمة خاصة بعد وصول الجنرال الامريكي روبرت هويز الى طهران لابلاغ جنرالات ايران بدعم الحل البختياري.
في هذه الفترة بدأت اتخيل عمق المسؤولية الملقاة على عاتقي ولعنت تلك الليلة التي خيم عليها الثلج مما منعني من مغادرة البلاد والخوض في هذه المشكلة. ادركت في هذا الوقت امكانية الاتصال مع بعض الشخصيات الايرانية الاكثر تعقلا وذلك لاني على ثقة تامة بان المواطنين الفرس يعتقدون بشكل تام بالتدخل الامريكي في طهران خاصة اذا ما تناقلته الصحف المحلية.
على اية حال فان بختيار له من المشاكل ما تمنعه من تكوين الحكومة الجديدة وبذلك اتصلت بالجنرال كاراباجي لتراتيب اجتماع مع القادة العسكريين بعد المساء لكنه اجابني بان هؤلاء القادة علموا بهطول الثلوج والغاء رحلتي لذا فان احدا منهم لم يمانع من انعقاد هذا الاجتماع. وفي بداية الاجتماع صرخ الجنرال ربيعي قائلا- يجب ان تقرأ ما تقول هذه الصحيفة، ان سفيركم يطالب الشاه بمغادرة البلاد- وحاولت ان اعيد الثقة في نفوسهم غير انهم تجاهلوني مطالبين بالعمل على تغيير سياسة الولايات المتحدة الامريكية. وقد اخبرتهم باني لا اعلم أي شيء عن مصادر هذه الاخبار المنشورة في الصحف ولم استلم أي تغيير رسمي في السياسة الامريكية المرسومة.
وكرر الجنرال ربيعي الاجابة بانه لا يوجد هناك مجال للاختيار، فان الموقف الامريكي قد تغير وان الشاه على وشك الرحيل. مما زاد المشكلة هو تصريح للشاه حيث قال- ان حكومة بختيار ستنهار بمجرد مغادرته البلاد- وادرك هايزر ان تلك الاخبار ستؤثر تأثيراً سيئا على معنويات اعضاء المجلس العسكري. وعندما اجتمع بهم تأكد له انهم اصبحوا متقلبي الامزجة، وقال الجنرال ربيعي انه لا مفر من القيام بانقلاب عسكري عندما يذهب الشاه. فزجرتهم بعنف مذكرا اياهم بعدم وجود خطة انقلاب لديهم، واقنعتهم بانه لا تزال هناك فرصة امام بختيار للنجاح، اذا وفروا له الدعم الكامل. ولكن بقيت تراودني فكرة والكلام للجنرال هايزر، هل ان هذه المجموعة لديها خطط سرية للقيام بانقلاب عسكري لم اعلم بها لحد الآن؟ واخيرا توصلت الى هذا السؤال الذي ابحث عنه منذ فترة طويلة واقتنعت بان القيادة العسكرية الايرانية في حالة ميؤوس منها ولم تتمكن من عمل أي شيء يعيد البلاد الى حياتها الطبيعية.

الاربعاء 11/ كانون الثاني/ 1979
لم اشاهد الشاه منذ عدة اشهر وفي هذا اليوم ذهبت مع السفير سولفيان لمقبلته اطلعت على جميع الاحداث والتطورات التي تحصل في الشارع الايراني ومع مجموعة الضباط الخمسة طرحت عليه الخطة المقترحة بصورة مفصلة، وظهر عليه نوع من السرور بل ابدى موافقته على هذه الخطة. ثم عرض الشاه علينا فكرة مغادرته البلاد كونه يحس بحاجة الى الذهاب في اجازة لانه متعب جدا ويعتقد ان غيابه سيجعل الوضع اكثر استقرارا وسألنا عن افضل الاوقات التي نقترحها لمغادرة البلاد.
اجابه السفير بما معناه، ان خير البر عاجله، غير اني اعترضت على ذلك وقلت ان بقاءه اياما اخرى في البلاد سيعطي للعسكر فرصة لاتمام خطط الطوارئ . وقد نبهت الشاه بما قاله لي في الصيف الماضي حين قال- حتى لو سقطت من عيني الرئيس كارتر فانني لا انوي فقدان السيطرة على البلاد- في هذه اللحظة ادار جسمه نحو السفير سولفيان وبدأ ينظر اليه وكأنه في عز سلطته، الا انه بدأ يغير الحديث. وبعد برهة من الزمن حاولت ان اعود الى الموضوع الاول وطلبت منه ان اعرض عليه سؤالا الا انه ادار بجسمه نحوي وهو ينظر بنوع من الاشمئزاز وقال لي –انت لا تفهم أي شيء وبالرغم من ان رئيسك القائد العام للقوات المسلحة وهذا نفس المنصب الذي اشغله انا شخصيا الا انه يختلف عني نهائيا، اذ هل بامكانك وانت قائد ان تصدر الاوامر التي يمكن من جرائها قتل اكبر عدد من مواطنيكم- واجبته بسرعة – يا جلالة الملك ان هذه الامور تعود لك فقط، وبهذا الجواب التجأ الى تغيير الحديث وضاع كل ما اريده.
وعلى اية حال ومهما كانت الاسباب فان الشاه لم يتخذ الاجراءات الضرورية للاستمرار في السيطرة على زمام الحكم. وبذلك تحول الوضع داخل البلاد من سيء الى اسوء في شهر كانون الثاني 1979. واستمر اللقاء مع الشاه اكثر من ساعتين، اما بالنسبة لي فقد اعتبرت هذا اللقاء انجح من اللقاءات السابقة معه.
لقد كانت المجموعة (القادة العسكريين) تنتظر نتيجة هذا اللقاء وكان معهم شخص آخر هو الجنرال موغادام رئيس حرس السافاك، البوليس السري، وفي اليوم نفسه اجتمعت مع المجلس العسكري الذي كان قلقا من احتمالات التدخل الخارجي، ولذلك اخبرتهم ان عليهم التركيز على الوضع الداخلي، بينما ستتكفل الولايات المتحدة الاميركية قضية التهديد الخارجي. غير ان هذه المجموعة قد اصرت وبشدة على ايقاف البث الفارسي من هيئة الاذاعة البريطانية وضرورة الاتصال المباشر بالخميني، ووعدتهم باني سوف اطلب من هارولد براون وزير الدفاع للتباحث مع الرئيس الاميركي كارتر امكانية اقناع الاذاعة البريطانية من ايقاف بث التقارير اليومية عن الاحداث داخل ايران. علما ان هناك مجموعة تمثل حرس السافاك قد غادرت الى بريطانيا لتقديم الاحتجاج حول الاذاعة البريطانية الا ان المحاولات باءت بالفشل.
وفي مساء ذلك اليوم رفعت التقرير اليومي لهارولد براون وزير الدفاع الامريكي عن نتائج مباحثاتنا مع الشاه، وبعد فترة قصيرة ارسل برقية سرية تحمل تعليمات جديدة من حكومة واشنطن للقيام بتنفيذها مع السفير سولفيان، وقد شعرت ببعض القلق من واشنطن، وقد تظن بانني لم اتبع الاوامر الصادرة من قبلها. على كل حال فان التعليمات تقول ان على العسكريين الوقوف بجانب الحكومة المدنية مئة بالمئة وسوف تقدم حكومة واشنطن كل الدعم اليهم واذا ما فشلت هذه الخطة فسوف نتخذ التدابير الضرورية لما يستجد من احداث. لقد بذلت كل ما في وسعي من اجل وصول الحكومة المدنية الى السلطة كونها صديق مخلص الى الغرب وهذه الحكومة التي نعني بها هي حكومة شاهبور بختيار وليس غيرها. وفي هذه الحالة بدأت العب على ورقتين رئيسيتين، فاذا ما فشلت حكومة بختيار من الاستيلاء على زمام الحكم، عند ذلك العب الورقة الثانية وهي دفع الخط العسكري الموجود لاستلام نظام الحكم بدلا من بختيار. هذه هي التعليمات الاخيرة التي تبلغت بها من قبل هارولد براون وزير الدفاع، وهنا احسست بان هذه التعليمات تختلف عن التعليمات السابقة وذلك بالا احاول توجيه العسكريين الايرانيين، بل اكتفي بتقديم النصح والمشورة اليهم. النقطة الرئيسية التي كانت تقف حجرا في طريق تنفيذ هذه التعليمات والتي طلبت من الوزير اتخاذ الاجراءات السريعة ضدها هي قيام الاذاعة البريطانية باذاعة التقارير اليومية حول الاوضاع في ايران والتي كانت مسخرة تماما لصالح الخميني وقد اجابني بان هذه النقطة قد نوقشت ضمن اجتماع على مستوى عال في البيت الابيض وعلى ضوئه طالب الحكومة البريطانية بايقاف البث الفارسي الا اننا غير مطمئنين من استجابة الحكومة البريطانية على هذا الطلب.

الجمعة 12/ كانون الثاني/ 1979
في هذا اليوم قررت ان انقل كل ما يستجد وما اتخذ من خطوات الى هارولد براون عبر جهاز الهاتف السري، وعندما وجدت الجنرال ربيعي في غاية الاضطراب من اقتراب مغادرة الشاه البلاد قائلا- اننا يجب ان نمنعه حتى بالقوة من السفر لانه الرجل الوحيد الذي يستطيع الابقاء على البلاد متماسكة وعدت اقنعه بان امل البلاد الوحيد يمكن في نجاح حكومة بختيار بدعم العسكريين، اما اذا فشل فسوف يقومون بانقلاب. وكان ينصب تصوري على الوضع المتوتر ان شاهبور بختيار وبدعم من القادة العسكريين يستطيع النجاح في ممارسة حكم دستوري وفي حالة فشله يمكن استغلال هؤلاء القادة في فرض الاحكام العرفية، واذا ساءت الاوضاع وانهارت حكومة بختيار عند ذلك استطيع ان اطلب منهم القيام بانقلاب للاستيلاء على السلطة، وبخلاف ذلك اما ان تقوم جمهورية اسلامية بقيادة الخميني او حكومة شيوعية. وعندما ناقشت قضية الانقلاب مع براون على الخط الهاتفي مساء ذلك اليوم طلب مني الاخير الحرص على بقاء ضحايا أي انقلاب في الحد الادنى. وعندما سألته مما يعنيه لحد الادنى اجابني بان سقوط عشرة الآف ضحية الآن سيوفر على البلاد سقوط مليون ضحية في المستقبل. وهذا ما حدث في التاريخ القديم اذ يجب على من يتولى المسؤولية المحافظة على الاحكام المتزنة.
السبت 13/ كانون الثاني1979
في هذا اليوم اوعزت الى العسكريين بالاتصال مع الجماعات الدينية وكنت اعتقد ان هذه الجماعات لا تنظر الى الخميني الا كزعيم روحي، وانها تريد تأخير عودته حتى لا تزداد الاوضاع اضطرابا في البلاد، وفي اليوم نفسه عرفت ان السفير الامريكي سولفيان قد اجرى محادثات مكثفة مع الجماعات الدينية. وفي هذا الوقت اردت من العسكريين الاتصال بآية الله بهشتي ومهدي برزكان ولكن لم يتم الاتفاق على الاجتماع لان كلا الطرفين اصرا ان يعقد الاجتماع في مقره، باستثناء الجنرال مقدم رئيس السافاك الذي اجتمع في وقت لاحق بممثلين اقل مستوى من الجماعات الدينية.

الاحد 14/ كانون الثاني 1979
في صباح هذا اليوم علمت والقادة العسكريين باقتراب موعد عودة آية الله الخميني الى ايران وبعد الاتصال مع الوزير هارولد براون والاستفسار عن صحة هذه المعلومات التي انتشرت بشكل واسع داخل الشارع الايراني، اجابني الوزير براون مساء ذلك اليوم بان الحكومة الامريكية ستحاول تأخير عودة الخميني الى البلاد وذلك بالضغط على الحكومة الفرنسية التي ابدت موافقة تامة حول هذا الموضوع في الوقت الذي اصبحت فيه الجكومة الفرنسية اكثر ميلا لتأييد حكومة شاهبور بختيار.

الاثنين 15/ كانون الثاني1979
لم تكن المكالمة الهاتفية في هذا اليوم بيني وبين وزير الدفاع فقط وانما تحدثت مع رئيس هيئة الاركان المشتركة وبريجينسكي مستشار الامن القومي للرئيس كارتر اذ سالني الاخير ما اذا كانت المجموعة العسكرية الايرانية قد وضعت خططا في حالة فشل حكومة بختيار. ولقد اصبت بالصدمة لانني شرحت قبل ايام كل شيء لوزير الدفاع، والمفروض بهذا ان يكون قد نقل ما سمعه الى بريجينسكي والرئيس. المهم، فقد اسرعت بابلاغه بجميع الخطط الموضوعة والتي توصلنا اليها بعد مناقشة مع المجلس دامت حوالي اربعة او خمسة ايام، الا اننا ولحد الآن نعتبر هذه الخطط ضمن القابليات المتاحة.

الثلاثاء 16/ كانون الثاني/ 1979
واقترب موعد مغادرة الشاه وظهرت العواطف على شاشة التلفزة وداخل الشارع وهناك احد الضباط الكبار الذي وضع راسه على كتفي وانفجر في البكاء، اما الجنرال حبيب الله فقد بدأ وكأنه غير جاد بالرغم من حبه الشديد للشاه. وعندما تحركت طائرة الشاه قال الادميرال بصوت هادئ- اذا كان لابد من الاغتصاب، فاستمتع به هادئا- حشود هائلة من المواطنين الايرانين تجمعوا في شوارع المدينة وفي لحظة انطلاق طائرة الشاه ضجت الحشود وكأن مدفعا رشاشا قد اطلق عياراته النارية واعتبارا من هذه اللحظة بدى وكأن كل شخص هو المسؤول عن أمن البلاد، وثارت الجماهير المحتشدة واصبحت المدينة بشكل عام وكأنها تعيش بجو من البهجة والانتعاش.
حين غادر الشاه كانت المجموعة العسكرية لا تزال تناقش مسألة الانقلاب العسكري وحددت موعدا لذلك وكانت الساعة الثانية والنصف من صباح اليوم التالي الا اني طرحت سؤالين في آن واحد وهما اولا: ما هو الخطأ في شاهبور بختيار؟ ثانيا: من سيكون حاكم ايران الجديد في حال قيام الانقلاب؟. ثم اضفت قائلاً نحن مستعدون الآن لاختيار قابليتنا في مساعدة بختيار، وقد أيد الفكرة الجنرالات غاراباجي وربيعي واخبراني ان الشاه طلب اليهما الوثوق بي والاستماع الى نصائحي واطاعتي.
واستمر حديثنا بمسألة (الطاعة) اذ اكدها جميع اعضاء المجموعة غير اني اجبتهم بأن هذه المسألة قد تحرجني كثيراً وذلك لان حكومتي لا ترغب في ان تصل الحالة في هذه المجموعة الى هذا الحد. وفي المساء تحدثت الى براون وبريجينسكي عن آخر المستجدات في ذلك اليوم بظهور الاحداث غير طبيعية داخل المدينة كما اخبرتهم بتعليمات الشاه التي تلتزم بها مجموعة الضباط وهي الطاعة العمياء لاوامري. واعتقدت ان حكومة واشنطن ستمنحني حرية التصرف الا اني لم اسمع كلمة من أي منهم. كما اخبرتهم في نفس الوقت ان مجموعة الضباط قد حددت ساعة صفر. لكنني اشك في انها ستتحرك هذه الليلة. وطلب مني بريجينسكي ان اتأكد من بقاء خيار الانقلاب مفتوحا واشار الى اهمية ان يبقى التخطيط لانقلاب عسكري معلوما للجميع- بهذا نستطيع ان نخيف المعارضة- أي اما بتأييد بختيار او الانقلاب العسكري وقال ان هذا ربما يجعل الخميني يفكر مرتين بمسألة عودته الى ايران.

الاربعاء 17/ كانون الثاني| 1979
في هذا اليوم طلبت من المجموعة العسكرية اعداد خطة للاستيلاء على الكمارك والسماح لثمانية الآف شاحنة على الحدود التركية محملة بالاغذية بالعبور ولمئات السفن في موانئ مجاورة بتفريغ شحناتها. ووضعت الخطة ولكنها سحبت بعد ايام فقد تسربت انباؤها الى عناصر المعارضة، فسمحوا لعدد كبير من الشاحنات بالعبور وبذلك كسبوا ما كنت ابحث عنه للحكومة وهو الظهور بمظهر السلطة المسيطرة المهتمة باطعام الجماهير.
وفي يوم 20 من نفس الشهر اخبرني براون بان واشنطن لا تريد الضغط على بختيار لتشكيل ائتلاف حكومي مع خصومه، ولكن التنسيق مع الجماعات الدينية سيكون شيئا جيدا وادركت ان تقارير السفير سولفيان عن اهمية التعاون مع الجماعات الدينية قد اربكت الادارة الامريكية اكثر. وفي نفس اليوم كرر براون الكلام نفسه بالقول ان نجاح بختيار يتطلب حوارا مع العناصر غير الشيوعية من المعارضة لان حكومته تحتاج الى قاعدة اعرض ودعم من الجماعات الاسلامية. وقد فهم من هذا القول ان السفير سولفيان اقترح على واشنطن تشكيل ائتلاف مع جماعة الخميني، ولكن واشنطن رفضت واكتفت باجراء حوار فقط.
وفي الحادي والعشرين من نفس الشهر نشرت الصحف ان الخميني سيعود بعد يومين وكانت الجماعة العسكرية منهزمة وفاقدة الامل. كانوا يعتقدون ان عودة الخميني ستعني نهاية اسرة بهلوي. وقلت للمجموعة عليكم ان تبقوا في البلاد لمثل هذا اليوم، اما اذا كنتم ستتهالكون فالاولى بي ان اعود الى شتوتغارت. واجابني الجنرال ربيعي- لماذا لا تسكت الولايات المتحدة الخميني- فاجبته قائلاً- اذا كنتم حريصين على التخلص من الخميني فلماذا لا تستأجرون احد للتخلص منه- وفي اليوم ذاته تجمعت القيادة العسكرية في دفع مرتبات الجنود نقدا حيث قمنا بطبع عملة ايرانية في الخارج ودفعنا هذه المرتبات، ويثير هذا الكشف علامات استفهام كثيرة. فقد كانت حكومة بختيار غير فعالة، وأي طباعة لاوراق نقد تحتاج الى موافقة الحكومة وتوقيع وزير المالية. ولم اقم بهذا العمل الا من اجل ضمان ولاء القوات المسلحة.
وفي 22 كانون الثاني وافق بختيار على الاقتراح الذي تقدمت به وذلك بتنظيم مظاهرات مؤيدة للحكومة تجرى وقت عودة الخميني. وفي يوم 23 من نفس الشهر سألت المجموعة العسكرية عما اذا كانت قد فاي تحرك بشأن التخلص من الخميني. فتبادلوا نظرات ذات معنى ولم يقدموا لي جوابا مباشراً. قالوا انه توجد جماعات في سويسرا للقيام بمثل هذه المهمة، ولكنني لم اكن على يقين مما اذا كانوا قد اتصلوا بهذه الجماعات لاغتيال الخميني.
وفي الخامس والعشرين من نفس الشهر اخبرني القادة العسكريون انهم اثناء اجتماعهم ببختيار في اطار مجلس الامن القومي، وافقوا على عودة الخميني كزعيم روحي ولكن طائرته ستحول الى جزيرة كيش لحمايته الشخصية. فهم يدركون ان مصرعه سوف يؤدي الى حرب اهلية في البلاد، وفي هذه الاثناء كانت التهديدات منتشرة وتتصاعد ساعة بعد اخرى واصبح المتظاهرون يحملون لافتات كتب عليها- الموت لهايذر- بالخط الفارسي. وفي الاجتماع الذي عقد يوم السابع والعشرين من كانون الثاني بيني وبين المجموعة العسكرية اتصل اثناء الاجتماع مصدر موثوق بالجنرال غاراباجي وقال له انه سمع على الهاتف امرأة تتحدث من باريس مع طهران وقال ان كمية كافية من السلاح وصلت الى ايران من اجل وصول الخميني.
الاثنين29/ كانون الثاني| 1979
في هذا اليوم كانت الصحافة السوفيتية تكتب عن وجودي داخل ايران وجاء في البرافدا السوفيتية ان الجنرال الامريكي اصبح – الحاكم العام في ايران- وقالت انه حل مكان الشاه وقد لامت هذه هذه الصحيفة تصرفاتي واتهمتني المسؤول عن انفجار الواقع في داخل ايران.
لقد اطلع رئيس الوزراء شاهبور بختيار المجموعة العسكرية بانه سوف يخير القوات المسلحة بالسماح بعودة الخميني، على امل ان يكون الاخير اكثر اتزانا في حالة عودته الى ايران. واذا لم يعدل الخميني عن افكاره التي اعلنها في باريس عند ذلك نجد طريقة في التخلص منه.
وفي هذا اليوم كان المتظاهرون يعدون لاجتياح قيادة الشرطة، واقترحت على جماعة العسكريين اطلاق النار فوق رؤوسهم واذا فشل ذلك ـــــــ خفض فوهات البنادقــــ ــــــــ نفذ الجنرال كاراباجي هذه التوصيات وسقط عدد كبير من الضحايا، ولكن المتظاهرين اعتقلوا الميجور جنرال تقي لطيفي وضربوه ضربا مبرحا نقل على اثره الى المستشفى في حالة خطيرة، واثار هذا الحادث خوف جماعة العسكريين.

الثلاثاء 30/ كانون الثاني|1979
في صباح هذا اليوم وعندما كنت اتناول طعام الفطور استلمت برقية من الجنرال الكسندر في مدينة شتوتغارت، قائد القوات الامريكية في اوربا اذ اكد فيها متابعته للازمة داخل ايران لحظة بلحظة وقال انه اتخذ الخطوات اللازمة لاخلاء الامريكان من ايران، واتجهت فورا الى مبنى السفارة الامريكية وعلمت ان المعارضة قلقة جدا من الوضع وقرب موعد عودة الخميني. وكانت اراؤهم تتفق على تأخير عودة الخميني اطمأنانا لارواحهم. واقترح السفير سولفيان فصل المجموعة العسكرية عن حكومة بختيار وقال انه عندما يعود الخميني منتصرا يجب التعاون معه. غير اني لم اوافق على هذا الاقتراح، ان خياري البقاء بثبات مع بختيار ليس لان ذلك كان اعتقادي فقط بل لان ذلك ما تضمنته التعليمات التي حملتها من واشنطن، لقد اعتقدت ان انقلابا عسكريا افضل بكثير من قبول الخميني.

الخميس/ الاول من شباط/ 1979
هذا اليوم هو يوم عودة الخميني الى ايران، اذ استيقظت في الساعة الثانية صباحا لاستلام رسالة من هارولد بروان وزير الدفاع وجاء في هذه الرسالة ضرورة بقائي في ايران بعد ان قرر كبار رجال الحكومة الامريكية المجتمعون في البيت الابيض. كما قيل لي ان اقول للمجموعة العسكرية انه قد يساء تفسير سبب مغادرتي ايران.
كما اكدت الرسالة على ان اعيد تأكيد واشنطن بدعمها الكامل لحكومة بختيار. لقد عاد الخميني الى ايران والقى كلمة قصيرة على مستقبليه، اعلن ان الحكومة الحالية غير شرعية وانه سيختار حكومة بديلة، حكومة اسلامية حقيقية. لذلك ومن اول كلام تذوقنا مرارة الدواء حيث يبدوا ان هذا الرجل مولع بالخصام وتظهر عليه صفة العناد. وان اهم ما يتميز به الخميني هي قدرته الفائقة في كسب العطف الجماهيري مما لقي استجابة كاملة.
السبت/ 3 شباط/ 1979
في هذا اليوم اخبرت المجموعة العسكرية بانني ساستمر في البقاء داخل ايران لسببين اولهما حاجتنا الماسة الى احراز النصر، اذ لدينا الخطط التامة الكفيلة بتحقيق ذلك ولحد الآن لم تنفذ أي منها وهذه الخطط قد وضعت من قبل البيت الابيض. ولم تقم المجموعة العسكرية بخطوات ايجابية، قلت لهم اذا اردتم صمود حركة بختيار فعليكم ان تقوموا بعمل ما بالاضافة الى الحفاظ على المنشآت العسكرية، عليكم ان تحققوا اصلاحات اقتصادية، وبهذا يعرف الناس انها لم تأت من الخميني بل من الحكومة. كما اخبرتهم بان يتحملوا المسؤولية الكاملة عن الاعمال التي يقومون بها.
ان الشيء الوحيد الذي قرروه اقترحته انا شخصيا. ونظروا بجدية لكن احدا لم يعارضني، الا انني كنت بحاجة الى ان اعرف تماما ماذا ينوون القيام به عند سقوط الحكومة. حيث بينت لهم بان حكومة بختيار على وشك ان تسقط وبذلك يجب اتخاذ الاجراءات العسكرية المناسبة وباسرع وقت ممكن للاستيلاء على السلطة الا انني لم اجد أي جواب يؤيد كلامي لا من قبل الجنرال كاراباجي ولا من الجماعة الآخرين، وبدا عليهم الصمت التام وهم ينظرون الى وجهي بشكل مرتبك.
لقد انهيت الصمت بالقول انها مسألة كبيرة عليهم غير ان مناقشتها ستذلل الكثير من المشاكل وان مصير ايران معلق بها، اذ ما هي الا عبارة عن لعبة بوكر. واعتقدت ان كاراباجي من المحتمل ان يظهر عليه بعض من ردود الفعل غير انه جلس صامتا مما اكد للجنرال انه على صواب. بعد هذا الكلام الطويل وقفت وقلت لهم- حسنا يبدو انها قضية خاسرة اذ لا احد منكم يريد ان يواجه حقائق الحياة.
وبعد ان وقفت ووقف معي الجميع قال الجنرال ربيعي- اذا حدث ذلك واذا كان من الضروري انقاذ البلاد فانا سأتخذ الشيء الضروري واقود- انا لا اشك في ان الجنرال ربيعي يعني بكل الكلام الذي قاله ــــــــــ واحسست بان توفنيان وبدرائي سيقومان بنفس الشيء سوية كما ان هناك كثير من الضباط الاقل رتبة على استعداد لتأييدهما. وبدأت بتوديع المجموعة العسكرية واعتقدت بان شعور الجميع ان هذا الاجتماع ربما سيكون الاخير من نوعه، وكانت الايدي تتصافح بشكل عنيف والتعانق بيننا على اشده وكانت لحظات حاسمة التي فارقت بيني وبين هذه المجموعة. وبعد توديع المجموعة العسكرية اتصلت بالبيت الابيض وكان على الجانب الآخر سايروس فانس وزير الخارجية وهارولد بروان وزير الدفاع وقال لي فانس ان الرئيس وامريكا كلها مدينة لك.
وطلب مني فانس ان ابقي الخط مفتوحا وان انتظر بعض الوقت، ومرت دقائق قليلة بدت وكأنها دهراً كاملا. وتحدث بروان وقال ان قرارهم ان اعود الى واشنطن اليوم أي في الثالث من شباط او في اليوم الذي يليه واعطاني الخيار بالعودة غير اني اخبرتهم باني ساعود في هذا اليوم. انه غاية كارتر من ارسالي الى طهران والثانية حماية المرافق الامريكية الحساسة ولا سيما محطات التجسس على الاتحاد السوفيتي وطائرات الفانتوم (اف 14) وغيرها من الاسلحة المتطورة الا اني في الحقيقة فشلت في المهتمين معا.
واخيرا سقطت حكومة بختيار في الحادي عشر من الشهر امام ثورة الخميني الاسلامية وكانت النتيجة ان اعدم الجنرال ربيعي واغتيل الجنرال بدرائي امام قيادته واعتقل الجنرال توفنيان ولكنه تمكن من الفرار الى الولايات المتحدة. اما الجنرال حبيب الله، فظل في البلاد حتى فصل الصيف ثم عبر الحدود الى تركيا ومنها وصل الولايات المتحدة الامريكية. اما الجنرال كاراباجي فلم يمسه احد، ثم غادر البلاد حيث يعيش في فرنسا.

• الكتاب
Robert Huyser
Mission to Tehran , Bessi/ Harper, 1987, 306 pp
Harper Collins Publishers, 2ed , 1990