أكثر من سبعين عاما تنشغل الحكومات العربية بالصراع مع إسرائيل . دخل حكامها في حروب ومناوشات طويلة مع الإحتلال الصهيوني دون أن يتمكن واحد منهم أن يستعيد ولو شبر واحد من اراضيه المحتلة ! . حكومات قادها جنرالات برتب عسكرية عالية وأنواط ونياشين رفيعة ، من عقيد الى زعيم ، الى مشير ومهيب ، إستخدموا كافة الوسائل من الخطب الحماسية والأناشيد الوطنية والأدعية في المساجد ، لكنهم فشلوا ولم يحصدوا غير الخيبة والخذلان !.
رفضوا التقسيم ، وأصروا على الحرب يراودهم حلم إلقاء إسرائيل في البحر ، لكنهم إختلفوا فيما بينهم ، أيلقوها في البحر الأحمر أم في البحر المتوسط ؟. وخرجوا من جميع تلك الحروب بهزائم منكرة خاسرين المزيد من الأراضي وإنهيار تام بمقدرات بلدانهم على حساب جوع وبؤس شعوبهم ، فيما ناطحت إسرائيل السحاب وأصبحت أقوى إقتصاد في الشرق الأوسط ! .
حين أراد جمال عبدالناصر أن ينصب نفسه رئيسا للجمهورية العربية ” المتحدة ” ، أرسل سبعين ألفا من جيشه الى اليمن لمناصرة زمرة من الإنقلابيين ضد السلطة الشرعية هناك ؟!. لاحظ ، أرسلهم الى ”
اليمن ” وليس الى ” إسرائيل ” ؟!!
وحين راود نفس الحلم المهيب الركن العراقي صدام حسين نصب نفسه حارسا للبوابة الشرقية ، فتحرش بإيران وسمى حربه بالقادسية الثانية ، وكان ينصح قادته العسكريين آنذاك بأن لا يأخذوا معهم أدوات الحلاقة ، لأنهم سيرجعون بالنصر في غضون ساعات وليحلقوا لحاهم بعد العودة الى معسكراتهم داخل العراق !. ولكن الحرب دامت ثمان سنوات وقادت حماقة المهيب الركن الى خراب ودمار العراق ، مليون قتيل ومليونان من الجرحى ومليارات من الدولارات ديون مترتبة على البلاد !! .
ولما تراكمت فوائد الديون وتراجع الإقتصاد لم يجد أمامه سوى إحتلال دولة الكويت ” الشقيقة ” لينهب ثرواتها النفطية ، فمني هناك بهزيمة أشنع من حرب إيران ، وكلفت حماقته الدولة ، حصارا إقتصاديا عالميا ودمارا شاملا بالبنية التحتية للبلاد ، لتنتهي المأساة بعودة الإحتلال للعراق !! .
وبعد أن سقط صدام ، سارع رفيق حزبه المشير الركن ” طبيب العيون ” بشار الأسد الى إستقدام عشرات الآلاف من عناصر القاعدة من أفغانستان لكي يدفعهم الى الجهاد في العراق ، فخرج من بينهم عتاة المجرمين من أمثال أبو مصعب الزرقاوي و أبوبكر البغدادي والشيشاني والتركماني ، ونشأت منظمات إرهابية متعددة ، جبهة النصرة وكتائب ثورة العشرين وجيش المجاهدين واحرار الشام وعشرات التنظيمات الإرهابية الأخرى التي عادت هذه المرة لتحتل مدنا في دولة المشير بشار الأسد القائد العام للقوات المسلحة !! .
وحين كثرت إيرادات دولة قطر ” المجهرية ” طمع حكامها بإيجاد نفوذ لهم في المنطقة ، فوجدنا أموالهم تتدفق الى كل مناطق وبؤر التوتر مثل الصومال والعراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها من الدول العربية ” الشقيقة ” !!.
وهكذا في ظل الخيبة والفشل أصبحت كل الدول العربية مشغولة بصراعاتها العبثية بعضها ضد بعض . وفي خضم هذه المأساة المتواصلة ، تدفع الأمة الواحدة ذات الرسالة الخالدة ثمن جنون حكامها ، من جزائر بوتفليقة ، الى ليبيا السراج ، الى تونس الغنوشي ، الى البشير السوداني ، الى أسد سوريا ، وصولا الى عملاء إيران في العراق ، وعملاء الاخوان في مصر ، الى حثالات الحوثي في اليمن ، والقائمة تطول . كلها دماء تنزف من الشعوب العربية من أجل أوهام وجنون الحكام العرب !. رحم الله نزارا حين وصف هؤلاء قائلا :
في حارتنا ديك سادي سفاح
ينتف ريش دجاج الحارة كل صباح
ينقرهن, يطاردهن, يضاجعهن
ولا يتذكرأسماء الصيصان
في حارتنا ديك يصرخ عند الفجر
كشمشون الجبار
يطاق لحيته الحمراء ويقمعنا ليل نهار
يخطب فينا, ينشد فينا يسدي فينا
فهو الخالد وهو القادر الجبار
في حارتنا ثمة ديك
عدواني فاشستي نازي الأفكار
سرق السلطة بالدبابة
ألقى القبض على الحرية والأحرار
الغى وطنا ألغى شعبا
الغى لغة الغى أحداث التاريخ
الغى ميلاد الأطفال
والغى اسماء الأزهار
في حارتنا ديك عصبي مجنون
يخطب يوما كالحجاج
ويمشي زهوا كالمأمون
يصرخ من مأذنة الجامع
يا سبحاني يا سبحاني
فأنا الدولة والقانون