29 نوفمبر، 2024 9:53 ص
Search
Close this search box.

مهزلة العقل العراقي ( 3 -3 ) الوضع الاجتماعي

مهزلة العقل العراقي ( 3 -3 ) الوضع الاجتماعي

كانت للأزمة السياسية والوضع الاقتصادي المزري تداعياتهما الخطيرة على الحالة الاجتماعية في إقليم كردستان . ففي ظل الانقسام والتشرذم بين القوى السياسية وصراعاتها المستمرة التي لا تنتهي أصبح هناك شعور عام باليأس والاحباط لدى المواطن الكردستاني من إمكانية التغيير وتأمين حياة أفضل له ، فالحزب في كردستان تدخل في كل مفاصل وتفاصيل الحياة اليومية للمواطن وأصبح هو القادر المقتدر المتحكم برقاب العباد ، فأصبح التحزب هو المجال الوحيد للعيش والحصول على متطلبات الحياة اليومية . ففي ظل طغيان دور الحزب في التحكم بالإدارة والاقتصاد لم يعد المواطن العادي يستطيع الحصول على الوظيفة وأصبح هناك الآلاف من خريجي الجامعات والمعاهد بدون عمل في مقابل تعيين تلك الأحزاب لمئات الألوف من الموظفين الوهميين ( الفضائيين ) على حسابهم . وكذا الحال بالنسبة لتولي الوظائف المهمة والكبيرة التي أصبحت حكرا على مسؤولي الأحزاب وكوادرها .وبهذا غابت مفاهيم العدالة والمساواة في التعامل مع أبناء الشعب .

وتدهور الوضع الاقتصادي وانخفاض الموارد المالية واستئثار الحزب الحاكم بما تبقى من العوائد النفطية والمحلية وتوزيعها على أعوانه ومن يسيرون في ركابه ، أدى إلى زيادة هائلة في نسبة البطالة فلم يعد الشباب الكردي يجد وظيفة يستطيع من خلالها أن يدبر أحواله المعيشية أو يبني بها مستقبله ، فامتلأت المقاهي والكازينوهات بمئات الآلاف من الشباب العاطل عن العمل . وفي ظل افتقار الحكومة إلى خطط محددة للتعاون مع القطاع الخاص لإيجاد وظائف للشباب المتخرجين وتشغيلهم تعمقت الحالة إلى حدود مخيفة فانتشر إدمان الشباب للحشيش والمخدرات التي باتت تجارتها رائجة بشكل غير مسبوق ، وهناك اتهامات بمشاركة كبار المسؤولين في الأحزاب والحكومة في هذه التجارة الممنوعة !ّ.

فقدان الوظائف والأزمة المالية الخانقة التي يعاني منها إقليم كردستان منذ أكثر من عشرة أعوام أثر بشكل مباشر على استقرار الوضع العائلي . فالأرقام الرسمية المعلنة عن حالات الطلاق وصلت إلى أعلى مستوياتها في السنوات العشر الماضية بسبب عدم استقرار الوضع المالي للموظف أو حتى الكسبة نتيجة ركود الأسواق التي تأثرت بشكل كبير بسبب الأزمة المالية وعدم انتظام دفع الرواتب .

وعلى الجانب الآخر وعلى غرار سياسات الأنظمة الدكتاتورية المنتشرة في المنطقة حاولت السلطة الحاكمة في إقليم كردستان تخدير الشباب والمجتمع والهائه من خلال فتح المجال أمام استقدام ثقافات غريبة على المجتمع الكردستاني . فمن جهة أغرقت مدن الإقليم بالملاهي وصالات الديسكو ودور الدعارة العلنية ومحلات المساج والكافيتريا وتشغيل نساء قادمات من شتى دول العالم في هذه المرافق ، ومن جهة أخرى أغرقت التلفزيونات المحلية وقنواتها الفضائية بالمسلسلات التركية والغربية والآسيوية التي لا تتناسب أبدا مع ثقافة المجتمع الكردي المحافظ . وفي نفس الاطار سمحت للتنظيمات السلفية ودعاتها باستغلال المساجد والجوامع وجعلها مقرات رسمية لكسب الشباب المتدين . كل هذه الأمور تشجعها سلطة الإقليم بهدف افساد الشباب الكردي واشغاله بأمور تتعارض تماما مع دوره في البناء والتنمية .فسياسة السلطة الإقليم أصبحت منصبة نحو الهاء الشعب بأشياء غير ذات جدوى بكي تستفرد هي بالسرقات والتصرف بموارد الإقليم وإثراء قادة الإقليم وشراء ذمم أعوانهم .

تتعمد سلطة الإقليم بإلغاء كل ما يمت بصلة إلى القيم والأخلاق النبيلة التي تمسك بها المجتمع الكردي منذ آلاف السنين ، وليس غريبا أن هذه السلطة وخصوصا في العاصمة أربيل أقدمت في السنوات الأخيرة على تفريغ المحلات والأحياء القديمة من سكانها الأصليين وترحيلهم إلى خارج حدود البلدية ، وبالمقابل انشاء عشرات ومئات الأحياء الراقية الجديدة داخل حدود العاصمة مما خلق حالة من الصراع الطبقي داخل المجتمع ، ففي حين تفتقر الأحياء القديمة المتبقية من المياه والكهرباء والخدمات الأساسية ، تنعم بقية الأحياء الراقية بجميع أنواع الخدمات الممتازة وباهتمام كامل من الحكومة.

هناك من يتحدث عن التقدم العمراني الكبير الذي حصل في أربيل ، ولكن أكثر هؤلاء لا يعرفون بأن أصحاب هذه المشاريع ليسوا من أبناء أربيل الأصلاء ، بل أن أموال هذه المشاريع إما هي مسروقة يعجز أصحابها من تحويلها إلى الخارج فيستخدمونها في مشاريع سكنية بالداخل ، وأما هي متأتية من خارج الإقليم وهي بدورها أموال مسروقة من الشعب العراقي .

تعاني أربيل من حالة مخيفة من التلوث بسبب مئات المصافي النفطية التي تعمل دون أي رادع أو التزام بالمعايير العلمية ، والملاحظ أن هذه المصافي أنشأت في المناطق المتاخمة للأحياء الفقيرة غربي المحافظة ، في حين أن الجانب الشرقي والذي يحوي على مزارع وبيوت وفلل المسؤولين في حزب البارزاني الحاكم لا يوجد فيه ولو مصفى واحد لأن السلطة لم تسمح لأحد بأن يفسد هوائهم وليذهب الآخرون إلى الجحيم . وحتى المولدات الأهلية المنتشرة في المدينة والتي يفوق عددها خمسة آلاف مولدة تنفث عوادمها دخانا مسموما وهي أيضا لا تعمل من دون أية ضوابط وبدون فلترات والسبب أن أكثرية هذه المولدات إما عائدة لمسؤولين في الحكومة أو أنهم شركاء مع أصحابها .

الخلاصة :

يعيش سكان إقليم كردستان بين مطرقة النظام الحاكم في كردستان ، وبين سندان الحكومة الاتحادية العراقية التي أرخت الحبل على الغارب لحكام الإقليم ولا تتدخل في أي شيء يهم مصلحة الشعب الكردستاني ، فالهم الوحيد للحكومة الاتحادية أصبح الآن هو قطع وتأخير رواتب موظفي الإقليم ، وهذا معناه معاقبة هذه الشريحة الكبيرة على حساب عناد مسؤولي الإقليم ، أما الجوانب الأخرى التي يفترض أن يكون للحكومة الاتحادية اهتمام أو تدخل فيها فالصمت المطبق هو السائد لحد رغم أن المواطن الكردستاني هو أيضا محسوب على العراق وله حقوق دستورية في العيش بأمن وسلام في بيئة صحية في ظل حكم رشيد .

أحدث المقالات