كان من دواعي سرور ملايين العراقيين ان يجدوا نوابا في البرلمان ، بهذه الشجاعة والحكمة والتروي، حين تصدوا لما يمكن ان نسميه بـ (محاولة انقلابية فاشلة) قادها النائب محمود الحسن ، لوأد الديمقراطية ،في العراق،وسعيه لايداع العشرات من المفكرين والكتاب والعقول العراقية المبدعة في السجون والمعتقلات ، وشن حملة (ظالمة) من التهديد والوعيد، كادت تحرق الأخضر واليابس في العراق كما يقال!!
أحمد الله لأنني لم أتناول (كأس الخمرة) منذ عام 1988بسبب ظروف صحية ومادية وليس لإيماني بالمبدأ ، لكنني أحمد الله أنني لم أتحول الى رجل دين ولم ألبس (عمامة) ، كي احمل سيفي ضد الآخرين ممن لايشاركونني رؤيتي وحريتي الخاصة بي ، لكنني أعد وفق التصنيف الإيماني ممن يحمل درجة (مؤمن فني) ولا أدري ماذا تعادل هذه الدرجة في التدرج الوظيفي ، وقد تكون بدرجة رئيس ملاحظين ، التي حصلت منها على التقاعد قبل سنوات!!
كنت قبل عامين أو أكثر قد حذرت في مقال مطول من مخاطر إغلاق البارات والملاهي وأماكن اللهو ، لتأثيراتها البالغة على المجتمع العراقي، بل أشرت الى ان قرارات من هذا النوع تؤدي الى أمراض وآفات اجتماعية أكثر خطورة من بقاء الوضع على ما هو عليه، وأشرت في حينها بصريح العبارة الى انه حتى صدام حسين في ظل قوة نظامه وسيطرته المحكمة على الشارع العراقي ما إن أقدم على قرارات من هذا النوع وتتعلق بـمنع (أماكن الدعارة) واماكن الشرب بعد حملته الايمانية (الكارثية) قبيل نهاية حكمه في 2003 لم يكن بمقدوره ايقاف تلك المظاهر بل إزدادت الحالة وتفاقمت أكثر بعد القرار، إذ تحولت المظاهر في الاحياء الشعبية والراقية على حد سواء ، ويتذكرها الكثير من العراقيين في وقتها ، الى ان جاء الاحتلال الأمريكي وأعاد تلك المظاهر وشجعها لكي يتسع نشاطها على نطاق واسع، ويسعى لتخريب نسيج المجتمع العراقي وتشيع الفاحشة بين ربوعه!!
أعود الى ما طرحه النواب الحافظ والدملوجي وفائق الشيخ ووقفتهم المشهودة ضد القرار، وكان الأخير، أي فائق الشيخ قد فجر بما يشبه (قنبلة نووية) فضح فيها كل الاحزاب الدينية الحاكمة، وبخاصة (الشيعية) على وجه التحديد، مشيرا الى ان كل حزب ديني يسيطر أما على واردات البارات وآخر على الملاهي ، وثالث على المخدرات ، ورابع على إقامة فنادق تشيع فيها (الدعارة) وتقبض كل تلك الاحزاب الدينية (مليارات) الدولارات، وتقود شبكات تهريب أموال من وراء سيطرتها على مقدرات تلك التجارة وتدر عليها أموالا يسيل لها اللعاب!!
لا أقول أكثر مما قاله النواب مهدي الحافظ وميسون الدملوجي وفائق الشيخ بحق قرار القاضي محمود الحسن ، النائب الذي وقف بشكل غريب عجيب مع سبق الاصرار والترصد من أجل تطبيق القرار، وهو من كان وراء تشريعه، ليحول العراق الى ساحات صراع خطيرة، لها أول وليس لها آخر..وكان الله في عون العراقيين على ما وصلت اليه أحوالهم من ترد، وهم في أسوا حياة يعيشها الشعب العراقي ربما تكون حياة الحيوانات أفضل بكثير مما يعانيه البشر من مآس وويلات ونكبات، كان (المزايدون) على الدين والرافعين لشعارته الزائفة ظلما وعدوانا هم أول من يحمل معول الهدم ، ليوصل العراق الى العصور المظلمة مرة أخرى!!حقا ان هؤلاء النواب الثلاثة قد أفشلوا (محاولة انقلاب) ضد الحريات المدنية وضد الدستور، فشكرا لكل من اسهم فيها، وفضح مراميها واهدافها الخطيرة..وهذه هي (صحوة الضمير) وليس (الصحوة الاسلامية) التي يعقد البعض مؤتمرات عنها، وما زال (ضميرهم) لم يصحو من نومه حتى الان!!