على مرِّ تاريخِ العراقِ الحديثِ كانتْ محافظةُ الأنبار تثيرُ الجدل أكثر من غيرها من بقية المحافظات؛ لما تحمله الأنبار من تناقضات سياسية وفكرية وعشائرية؛ فهي الأكبرُ مساحةً حيث تشكل ما يعادل ثلث مساحة العراق وتطلُ على ثلاثِ دولٍ هي الأردن وسوريا والسعودية. بعد احتلال العراق سنة 2003 جرت احداث ومتغيرات لم تعرف مدن الأنبار بسببها طعم الهدوء والاستقرار. مسرحياتٌ عدة مُثلت على أبناءِ الأنبارِ فالنظامُ السياسي الذي كان قائمًا قبل الاحتلال لم يكن يعتمدُ على شيوخِ العشائرِ وبعض الشخصيات المعروفة بتناقضها وعدم إدراكها لمفهومِ الإدارةِ فالذين كانوا يديرونَ مؤسساتِ المحافظة هم أشخاصٌ عرفوا بتمدنهم وتحصيلهم العلمي؛ غالبيتهم كانوا من أقضيةِ المنطقة الغربية؛ حديثة وعانة وراوة وهيت، وما أن دخلَ الغزاةُ أرضَ الوطنِ حتى تغيرَ الحالُ في الأنبار مثلما تغير في باقي مدنِ العراق فلم تستطعْ النخبةُ الأكاديمية والمدنية أن تجاري الوجوه الجديدة لعدم امتلاكها الإسناد والدعم القبلي وتحول المشهد في الأنبار وها هم أهلها يدفعونَ ضريبةَ ذلك التحول الغريب حتى أن قناعات الناس قد تغيرتْ هي الأخرى فلم يعودوا يؤمنونَ بالأكاديمي أو المدني فوصول هذا الشخص إلى سدةِ الحكمِ يعني تحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على المحسوبية والُرشى وبالتالي لن يكون هنالك تعيين بالواسطة أو استلام المقاولات! وهذا أمرٌ لا ينفعُ الناسَ فهم يبحثونَ عن مصالحِهم وهذا حقهم, الأغربُ في الموضوع أن الحكومات العراقية التي توالت وحتى المجتمع الدولي لا يؤمن أن في الأنبار
شخصيات أكاديمية ومدنية وهي قادرة على أدارة المحافظة وهم لا يتعاملونَ سوى مع بعضِ الشيوخ المنتفعينَ ضنًا منهم أن هؤلاءِ هم من يمثل الأنبار, الأكثرُ غرابةً في الموضوعِ أن الأكاديميونَ والمدنيونَ أنفسهم نزعوا البدلةَ المدنيةَ وارتدوا ثوبَ العشيرةِ اعتقادًا منهم أنها توفر لهم الأمنَ والحمايةَ الكافية, فأنتَ قد تجدُ شخصًا يحملُ شهادةً أكاديميةً عاليةً في الأنبارِ يطلبُ منكَ أن تناديه بمفردةِ “شيخ” ويترفعُ عن شهادتِه العلميةِ! بعد الذي جرى في الأنبارِ والذي حولَ مدنُها إلى مناطقٍ منكوبةٍ مدمرةٍ ينبغي على الحكومةِ الحاليةِ أن تكون قد وعتِ الدرسَ وأن تعرفَ أن في الأنبارِ تجمعاتٌ حضاريةٌ قادرةٌ على إدارة المؤسساتِ وانتشالِ الخرابِ وعلى تلك النخب أن تخرجَ من صمتها وتعلنَ عن نفسها فقد أنتهى زمن الخوفِ وليس أمامكم في هذا المشهدِ العظيمِ إلا أن تتكاتفوا فيما بينكم وتتركوا الخلافات والتنافس وهنا أقصد تلك الطبقة المدنية وكونوا شجعان فالأنبار بحاجةٍ إلى من يعالج جرحها النازف