23 ديسمبر، 2024 3:41 م

من يكتب للأطفال

من يكتب للأطفال

يكفي التذكير هنا بأن عدد دور النشر المختصة في كتاب الطفل، ببلد كالمغرب، حيث يوجد ملايين القراء المفترضين من الأطفال، لا يتجاوز الخمس.
بشكل مفارق لأهمية الكتابة للأطفال ولوظيفتها الحاسمة على مستوى تكوين أجيال جديدة من القراء، يبدو الإنتاج العربي في المجال
هو الأضعف على مستوى الإنتاج الثقافي العام، سواء من حيث عدد إصداراته أو قيمته المعرفية أو شكله الفني والجمالي.

يعود منشأ ذلك إلى الكثير من الاعتبارات. ولعل أهمها هو غياب التخصص في المجال، وما ينجم عنه من دخول الكثيرين مجال
الكتابة والنشر الموجه إلى الطفل من باب الهواية، غير منتبهين إلى أن الطفل قارئ ذكي لا يجامل أحدا.

يكفي التذكير هنا بأن عدد دور النشر المختصة في كتاب الطفل، ببلد كالمغرب، حيث يوجد ملايين القراء المفترضين من الأطفال، لا
يتجاوز الخمس. بينما يشكل النشر في المجال عملا موازيا لأنشطة عدد من دور النشر الأخرى، والتي تتسم أغلبُ إصداراتها بتوجهها
نحو نشر كتاب الطفل بشكله الموازي للكتاب المدرسي بحثا عن الربح المضمون.

ولعله نفس الوضع بالنسبة لأغلب الدول العربية. ولذلك، لم يكن غريبا أن لا يتجاوز مُجمل ما صدر بالبلد خلال نصف قرن الخمس
مئة عنوان، في الوقت الذي تصل فيه إصداراتُ بلد كفرنسا، خلال السنة الواحدة فقط، إلى عشرة آلاف عنوان، محتلة بذلك المجال
الثاني على مستوى الإنتاج الثقافي العام، سواء من حيث العدد أو أرقام المعاملات.

ويشكل هذا الوضع امتدادا لمسارٍ طبعَ الإنتاج في مجال كتاب الطفل والبنيات الخاصة بتداوله وبنشره بالعالم العربي، وبتأخر ظهورها،
حيث لا يجب أن ننسى أن تأسيس أول دار مختصة في المجال سيتأخر إلى سبعينات القرن الماضي.

ولعل حداثة التجربة العربية على مستوى نشر كتاب الطفل هي أيضا ما يفسر طبيعة المغامرات غير المدروسة. ومن ذلك توجه عدد
من دور النشر إلى إصدار أعمال باللهجات المحلية، دون التفكير الجيد في الأبعاد البيداغوجية لهذا الاختيار. وذلك إما من باب
التماهي مع الخطاب الجديد الذي صار ينتصر للهجة العامية على حساب اللغة العربية، أو من باب البحث عن الربح المالي السريع.
ولذلك ستجد دارُ نشرٍ لبنانية شهيرة، هي دار أصالة للنشر، نفسَها مجبرة على “ترجمة” كتاب “نورا وقصتها” المكتوبة بالعامية اللبنانية
إلى العربية، بعد كساد الطبعة الأصلية.

أما حدود هذا الأدب فلا تقف هنا. كتبٌ أنيقة بمحتوى غير أنيق، كتب تفتقر لأدنى الجماليات المطلوبة في أعمال موجهة إلى قارئ
استثنائي لا يتنازل عن معاييره الخاصة. كتبٌ لا تميز بين الأعمار، وأخرى لا تستطيع الخروج عن الإرشاد والموعظة، كما لو أن
الخيال العربي قد توقف عند اللحظة الأولى التي تَعرف خلالها القارئ العربي إلى كتاب الطفل، خلال القرن التاسع عشر، من خلال
الترجمات البدائية.
نقلا عن العرب