كتب الأستاذ عبد الكاظم العبودي مقالا رصينا ومهما بعنوان (عفن السمك وموتها بسموم إيران، والسلطة الحاكمة في العراق يبدأ من رأسها)، سلط بها الضوء الكافي لتوضيح هذه المشكلة وإبعادها الإقتصادية والسياسية، وفك ألغاز ما جرى، حيث فقد العراق أحد اسس الأمن الغذائي، بفقدان ثروة سمكية ساعدت العراق على تجاوز مشكلة اللحوم، والأسماك المستوردة من دول الجوار، علاوة على خسائرة المليارات من الدنانير العراقية، وهدم أسر كاملة كانت تعتاش على تربية الأسماك، الضرر غير معقول وفوق التوقعات، فمشاهدة الأفلام والصور عن الأسماك النافقة التي تقدر بعدة ملايين يستدعي إعلان حالة الطواريء وليس التبريرات السخيفة التي أدلت بها وزارة الزراعة وبعض المسؤولين العراقيين، ومنها إنخفاض مستوى المياه، علما ان نسبة المياه هي أفضل من السنوات السابقة بسبب الأمطار الكثيفة بإعتراف وزارة الموارد المائية، ومن المبرررات غير المنطقية إرتفاع نسبة الملوحة، والحقيقة لا علاقة للمأساة بملوحة المياه لأنه حتى الأسماك التي تعيش في المياه المالحة نفقت. ومنها وباء مجهول فتك بالأسماك، فما هو هذا الوباء هل هو جنون السمك؟ وأغربها التنافس الشديد بين مربي الأسماك مما دفع البعض منهم الى تسميم المياه، لأن السمك النافق تجاوز محافظة بابل الى عدة محافظات منها الأنبار، مما يعني استتبعاد هذا التبرير السخيف، ولكن من جهة أخرى يعتبر هذا الإعلان إعتراف بأن الحادث ليس عرضيا ، بل هناك أيادي خفية تقف وراء تدمير هذه الثروة الكبيرة.
لوعدنا قليلا الى الوراء واستذكرنا التالي، سنقترب كثيرا من الحقيقة:
1. قيام الميليشات العراقية التابعة الى ايران بحرق البساتين في محافظات وديالى والبصرة وأطراف بغداد علاوة على تجريف البسانين في الطارمية والمحمودية واليوسفية والدورة وغيرها من مناطق أهل السنة حصرا، لضمان إستيراد الخضروات والفواكه من ايران.
2. منع إعادة تعمير المعامل المتوقفة من قبل الحكومات الشيعية والميليشيات الايرانية مثل معمل السكر في العمارة وكذلك معمل الورق، ومعامل الألبان والمربيات في كربلاء والجلود والخياطة والمئات غيرها، ليبقى العراق مستوردا للسلع البديلة القادمة من ايران.
3. تدمير وسرقة المعدات الثقيلة من المصافي العراقية ومنها مصفى بيجي حيث قام حزب الله وقوات بدر وجيش المهدي بتفكيك المصفى ونقله المعدات عبر كردستان العراق الى إيران، بصمت من الحكومة الإتحادية وحكومة الإقليم ومحافظ صلاح الدين، ليبقى العراق مستوردا للمشتقات النفطية من ايران.
4. الفساد الذي شاب عقود وزاة الكهرباء، والتعاقد مع شركات وهمية، والتلكؤ في تنفيذ جميع العقود المبرمة مع الشركات الأجنبية، علاوة على إستيراد مولدات ضخمة وعدم تشغيلها لحد الآن، كان الغرض منه إستمرار إستيراد الكهرباء من إيران وبمبلغ (مليار) دولار سنويا، بمعنى ان الضغط الإيراني هو الذي يقف وراء هذا الفساد الحكومي في وزارة الكهرباء.
5. الفساد في وزارة النفط سيما خلال فترة إستيزار حسين الشهرستاني (ايراني الجنسية، وحصل على الجنسية البريطانية) ، وعادل عبد المهدي الشيعي والموالي للنظام الإيراني، وكان الغرض من ذلك عدم تطوير الصناعات النفطية والغازية، أي إستمرار إستيراد الغاز من ايران، الذي يُحرق ويضيع هدرا في آبار النفط العراقية، علاوة على تصدير النفط الخام الى ايران بسعر زهيد، واستيراد المشتقات النفطية من ايران بمليارات الدولارات سنويا.
6. التلكوء في تعمير معمل أدوية سامراء، وإهماله بشكل متعمد، وسيطرة ميليشيا الحشد الشعبي على سامراء، والضعظ على إدارة المعمل لإبقائه هامشيا ينتج بعض الأدوية البسيطة مما لا يسد حاجة 1% من السوق العراقية، والغرض هو إستيراد الأدوية الإيرانية، وهذا ما يقال عن الأغذية المعبأة، مع إن أكثر الأدوية والأطعمة المستوردة من ايران منتهية الصلاحية أو فاسدة.
7. سيطرة الميليشيات الموالية لإيران على المنافذ البحرية في البصرة، والمطارات والمنافذ البرية بين العراق وإيران لتسهيل دخول البضائع الإيرانية، وعرقلة دخول البضائع المستوردة من مناشيء أخرى، مما يعرضها بعض الأحيان الى التلف. لذا فأن نظام الملالي حريص أن تكون وزارة النقل من حصة الشيعة لتمرير أسلحته وبضاعته الرديئة علاوة على المخدرات.
8. تدمير سلة العراق الغذائية الموصل وأخواتها ديالى وصلاح الدين، ففقد العراق الركن الرئيس لحفظ أمنه الغذائي، ولو لاحظنا مستوى التدمير في الموصل، سنجد ان الأمر يتجاوز التحرير، لا يوجد تحرير بهذه الطريقة والعنف المتعمد منذ الحرب العالمية الثانية، فقد كان التدمير مقصودا، وما دمرته قوات الجيش العراقي والحشد الشعبي والقوات الإيرانية في الموصل تجازو مئات الأضعاف ما دمره تنظيم داعش الإرهابي.
9. عندما تفكر دولة ما في عملية عدائية ضد دولة أخرى، فمن الذكاء المخابراتي أن تموه عن العمليه، وتكون الأبعد عن الشبهات، فالعراق لا يستورد السمك من إيران، لذا فهي تتوقع ان لا تطالها الشبهات، سيما إن لها سوابق في هذا الأمر، لذا فقد لجأت الى طريقة ذكية وهي تدمير قطاع لا علاقة لها به لإبعاد الشبهة عن نفسها.
ماذا يعني هذا؟
يقال في التحقيقات الجنائية كقاعدة أساسية تُبنى عليها التحقيقات في كشف الجرائم، انظر الى المستفيد الرئيس من الجريمة، فغالبا ما يكون هذا الأخير هو المجرم الحقيقي، ولو طبقنا هذه القاعدة، سنجد ان النظام الإيراني هو المستفيد من تدمير إقتصاد العراق، أما لماذا الآن بالذات، فهذا ما سنوضحه.
في الخامس من الشهر الحالي تشرين الثاني ستقوم الولايات المتحدة بتنفيذ حزمة العقوبات الثانية على النظام الإيراني، وهذه العقوبات هي الأشد في التأريخ حسب تصريحات المسؤولين الامريكان وسوف تخنق النظام الإيراني بقوة، وربما سيؤدي إنهيار العملة المحلية، وتوقيف صادرات النفظ والتعامل مع البنوك الايرانية الى تأجيج الوضع الداخلي، فيثور الشعب الإيراني على حكامه ويسقطه، علما ان البديل حاضر متمثلا بمنظمة مجاهدي خلق. ومن المعروف ان العراق هو الرئة الوحيدة التي يمكن لإيران أن تتنفس من خلالها في ظل الإختناق الإقتصادي القادم، والحدود العراقية الإيرانية أكثر من (1200) كيلومتر ولا يمكن السيطرة عليها، وعمليات التهريب من والى إيران مستمرة منذ السبعينات من القرن الماضي، فصارت لدى المهربين خبرة وباع في هذا الأمر، مع إشتداد قبضة الحكومات السابقة والسيطرة على الحدود، فما بالك بحكومة ضعيفة وتسيطر عليها إيران، وحدود سائبة؟ لذا سيعمل عملاء إيران على تدمير ما تبقى من الصناعة والزراعة العراقية، ليبقى السوق العراقي معتمدا على نظام الملالي في تأمين إحتياجاته المعيشية. ولا ننسى ان كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية في العراق تحت سيطرة نظام الملالي.
من دمر الثورة السمكية في العراق؟
تناول الكثير من المحللين البيئيين والسياسين هذا الموضوع، وكان الأستاذ عبد الكاظم العبودي برأيي المتواضع أفضل من كتب وحلل الموضوع وفق المنطق والمعطيات الواقعية، ودعنا نفكر جميعا بالآتي:
لماذا تزامن تدمير الثورة السمكية مع الزيارة الأربعينية؟
دخل العراق أكثر من مليون ونصف زائر إيراني، وهؤلاء الزوار تشرف على زيارتهم وتنظيمها الحرس الثوري الإيراني، وجميع مكاتب السفر المنظمة لهذه الزيارة هي واجهات تعود ملكيتها الحقيقية الى الحرس الثوري الإيراني، لذا نجد ان شرطة المرور والإسعافات والحرس والطائرات المصاحبة للزوار والمستشفيات المتنقلة جميعها بيد الحرس الثوري وليس الحكومة العراقية، بل حتى الميليشيات العراقية التابعة لنظام الملالي تم إستبعادها من قبل الحرس الثوري الإيراني، ولا نفهم ما هي فوائد الخطط الأمنية العراقية، طاما ان الحرس الثوري هو الذي يسيطر على الوضع عموما خلال الزيارة الأربعينية؟
الزوار الإيرانيون لا يخضعون للتفتيش عموما، ودخول اكثر من (90000) إيراني من منفذ زرباطية فقط، يعني ـ لو افترضنا جدلا ان بعضم تم تفتيشه ـ لا يمكن ان يكون التفتيش دقيقا، ونقاط السيطرة والتفتيش من البصرة الى كربلاء يشغلها ضباط وجنود من الشيعة حصرا، ومعظمهم من موالي ولاية الفقيه، لذا تعتبر الزياة الأربعينية أفضل وسيلة لإدخال السلاح والمخدرات والبضائع الفاسدة، والدعارة (زواج المتعة) وكل ما يساعد على تدمير العراق كالسموم والمواد الممنوعة. ولو قدمت الحكومة العراقية بيانا حول الجرائم التي تسجل من قبل الزوار الإيرانيين لإندهش العراقيون والعالم من كثرتها وتنوعها. لذا يمكن القول ان تزامن نفوق الأسماك العراقية مع الزيارة الأربعينية تستدعي الإنتباه والتوقف.
في يوم30/10/ الماضي ذكر مصدر في شرطة بابل” وزارة الداخلية العراقية تلقي القبض على منتسب في لواء علي الأكبر، مع خمسة إيرانيين، كانوا يرمون أكياس السم في نهر الفرات، عند أحواض تربية الأسماك في محافظة بابل”. بعد ساعات من إنتشار الخبر سارعت وزارة الداخلية العراقية الى نفي الخبر، مع إن الخبر يتعلق بمنتسب للواء علي الأكبر، واللواء عبارة عن ميليشيا مرتبطة بولاية الفقيه، واالسم هو ما أكده الكثير من خبراء البيئة هو الذي يقف وراء هذا الأمر المهول، وليس وباءا كما إدعى البعض، فالوباء لا يقتل السمك بنسبة 100%، ولم تحصل مثل هذه الحالة لا في العراق ولا في أي بلد لآخر، كما أن أكثر تدمير للثورة السمكية حدث في بابل، مما يعطي للخبر مصداقية أكثر من غيره، والتضارب في الأقوال والتصريحات من قبل المسؤولين العراقين يعكس التخبط والفوضى لمحاولة إبعاد الشبهة عن نظام الملالي لا أكثر، ما عدا تصريحات تعودنا سماعها من نواب جريئين يرومون قول الحقيقة مهما كانت النتائج، فقد صرح النائب فائق الشيخ علي” ان نفوق الأسماك تم بفعل فاعل باستخدام مواد كيماوية وهو تجويع تقوم به دول، تريد إذلالنا”، موضحا أن ” القضاء على الثروة السمكية العراقية النهرية، إبتداءً من سدة الهندية وكارثة نفوق الأسماك، ليس مرضاً ثمانيني كما تبرر وزارات حكومية”.
ربما سيشكل رئيس الوزراء الجديد لجنة لمتابعة هذه القضية، أو خلية أزمة، وهذا المرة سيكون عادل عبد المهدي على المحك، فإن كانت اللجنة بلا نتائج كما عودتنا الحكومات السابقة، قهذا يعني أنه لا شيء سيتغير مع الحكومة الجديدة، وكما يقال في المثل العراقي” نفس الطاس ونفس الحمام”، والأيام المقبلة شواهد على ما نقول.