الهبوط الكبير والغير مسبوق أسعار النفط العالمي والذي وصل الى 55 دولار للبرميل اثر تأثيرا مخيفاً على الدول التي تعتمد اعتماداً كلياً على واردات النفط ، وبالتالي اثر بصورة سلبية على موازنة البلاد العامة .
العراق من الدول التي تأثرت كثيراً ، وبالتالي تاخر المصادقة على موازنة البلاد ، رغم ان هذا الانخفاض المفتعل كان ومازال خاضعاً لصراع القوى الكبيرة ، ومحاولة تركيع روسيا وإيران من جانب ، ومعاقبة الدول المنتجة للنفط من جانب آخر.
الولايات المتحدة سعت من وراء هذا الانخفاض الحاد في الأسعار الى حصر تأثير (روسيا وإيران ) في مجمل الصراع الدائر في المنطقة ، ومعاقبة وأركاع هذه الدول على مواقفها المعادية للسياسة الامريكية ، خصوصاً في الأزمة الاوكرانية والسورية والعراق .
الأميركان بدوا أولى خطوات هذا الانخفاض في تجميد عمل منظمة الاوبك ، وإيقاف اي مساعي للمنظمة في ايجاد التوازن في الأسعار العالمية للنفط ، مع بقاء الانتاج نفسه مما ولد تضخماً كبيراً في انتاج النفط المصدر وبالتالي انخفاض أسعاره بالشكل الذي نراه اليوم .
السعودية من جهتها كان طرفاً فعالا في الأزمة من خلال المحافظة على الانتاج دون تخفيضه ، وبالتالي التأثير على الانتاج الروسي والايراني بل عموم الانتاج العالمي للنفط في الاسواق ، وإجبار هاتين الدولتين على ايجاد التنازلات لمجمل الصراع الدائر في المنطقة والشرق الأوسط .
الأمريكان من جهتهم بادروا الى الاعتماد على استخراج الزيت الصخري ، ورغم كلفة الانتاج العالية لهذا النفط الا انها عملت بصورة جدية من اجل الاعتماد على مصادرها الداخلية وعدم الاعتماد على النفط العربي ، وإيجاد بدائل اخرى في هذا الجانب، وهذا كله يدخل في خانة الضغط على هاتين الدولتين من احل تغيير مواقفها المعارضة للأميركان في منطقة الشرق الأوسط .
ومع هذا التراجع المخيف في أسعار النفط ، فان منظمة اوبك مطالبة بخفض الانتاج الى نحو مليوني برميل للحفاظ على تماسك الأسعار ، وإيقاف دخول المنتجين من تنظيمات “داعش” في سوريا والعراق والتي أصبحت تتحكم وتدير بالاسعار والإنتاج النفطي ، وضرورة التحرك السريع من اجل حماية السوق من التراجع والحفاظ على مكانة الدول المنتجة .
ان مايجري اليوم هو عقاباً جماعياً تمارسه الولايات المتحدة ضد خصومها ، من اجل تضعيف الدور (الروسي الإيراني ) في المنطقة ، ومعاقبة الدول الخليجية على تحكمها بمصادر الطاقة والتي تعتبرها الدول الغربية مصدر قوتها وبقاءها ، لهذا تسعى الى خلق الصراعات والنزاعات من اجل السيطرة على حقول النفط العالمية ، والتحكم بأسعار النفط ، ومنع تأثير اي دور للدول المنتجة على مصالح القوى الكبرى فيها .
لهذا يمكن القول ان أسعار النفط خاضعة للمتغيرات التي تحيط بالسوق العالمية وهو ليس بالأمر السهل ، وذلك لتأثر هذه المتغيرات بالعوامل السياسية والاقتصادية ، ومنها ما يتصل بالصراعات الدولية بين القوى الكبرى والمشاكل الداخلية التي تعاني منها اغلب دول الشرق الأوسط ، لهذا سيبقى سلاح التحكم بأسعار النفط رهينة هذه المتغيرات والقدرة على تلبية الطلب العالمي للنفط .