23 ديسمبر، 2024 5:50 ص

من يقف وراء التظاهرات في العراق ؟؟

من يقف وراء التظاهرات في العراق ؟؟

سؤالٌ كثيراً ما نسمعه عند انطلاق اي تظاهرات جماهيرية في العراق، ليفتح الآفاق امام مخيلة السياسيين والمحللين والكُتّاب والمدونين ليجيبوا على هذا السؤال، وكل منهم يدلو بدلوه ليعبر عن رأيه، ولكن للأسف الشديد إن كثيراً من تلك الآراء تجافي الحقيقة، فمنها من تذهب باتجاه التخوين عبر توجيه الاتهامات للمتظاهرين والقائمين على التظاهرات بالتبعية وتنفيذ اجندة سفارة دولة ما في العراق، وبعض الآراء تذهب باتجاه تسقيط المتظاهرين والقائمين عليها عبر وصفهم بأوصاف مشينة مثل المراهقين والجهلة والمغرر بهم وما شابه، ونادراً ما نجد من ينصف المتظاهرين ومطالبهم ولكنه لا يجيب على السؤال فيما يصرح به او يكتبه.!!
وبالإشارة الى ان كلامنا يختص بالمتظاهرين غير المؤدلجين الذين ينزلون للشارع بين الحين والآخر تلبية لدعوة من زعامة دينية او قيادة سياسية، اقول إنه للإجابة على هذا السؤال فإنه يتوجب علينا إبتداءاً ان نسأل من هم الذين تظاهروا خلال السنوات المنصرمة وما هي مطالبهم ؟؟ أليس المتظاهرون هم من توزعوا بين المطالبين بتوفير الخدمات الضروية من ماء وكهرباء ورعاية صحية وتربوية وتعليمية وترسيخ للأمن والاستقرار، والمطالبين بتشغيل العاطلين عن العمل، ومنهم المطالبين بتحسين ظروف المعيشة عبر زيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين، ومنهم المطالبين بتثبيت العقود والاجور اليومية على الملاك الدائم، ومنهم المطالبين بتعيين الخريجين واصحاب شهادات الدراسات العليا، ومنهم المطالبين بحقوق ابناءهم من الشهداء والجرحى؟؟؟ ولو كانت الاحزاب والكيانات السياسية التي تسيّدت المشهد في العراق بعد سقوط نظام البعث الصدامي في نيسان 2003، متمثلة بالحكومات الاتحادية والمحلية التي تعاقبت على ادارة شؤون البلاد خلال هذه المرحلة قد عملت بتفانٍ وإخلاص على اعداد الخطط الاستراتيجية وتنفيذ المشاريع البنيوية والتنموية بصورة صحيحة وفقاً لأولويات المصلحة العامة بعيداً عن التمييز العرقي والطائفي والمناطقي ومحاسبة المفسدين والفاسدين، فهل كنّا سنجد من يتظاهر للمطالبة بتوفير الخدمات ؟؟ ولو كان العمل جاداً على طريق ترسيخ الامن والاستقرار عبر فرض سلطة القانون وحصر السلاح بيد مؤسسات الدولة ومحاسبة كل من يخرق القانون مهما كان اسمه ومقامه فهل كنا سنشهد من يتظاهر للمطالبة بترسيخ الامن والاستقرار ؟؟ ولو كان العمل جاداً على طريق دعم القطاع الخاص وحماية المنتج الوطني وتوطين العمالة فهل كنا سنشهد تظاهرات للعاطلين عن العمل وهم يطالبون بتوفير فرص العمل ؟؟ ولو كان العمل جاداً على طريق مركزية التعيينات وفقاً لمعايير ثابتة ودقيقة بعيدا عن تدخلات احزاب السلطة والسياسيين والمتنفذين فهل كنّا سنشهد تظاهرات للخريجين واصحاب شهادات الدراسات العليا ؟؟ ولو كانت الرواتب والمخصصات تدفع لمستحقيها وفقاً لمعايير ثابتة ودقيقة دون تمييز بين موظف في هذه المؤسسة وموظف في تلك المؤسسة فهل كنّا سنشهد من يتظاهر للمطالبة بالمساواة بين الرواتب وتحقيق العدالة ؟؟ ولو كان العمل جاداً على طريق منح الحقوق لذوي الشهداء والجرحى دون تسويف واجتهادات من هذا المسؤول او ذاك الموظف هل كنا سنشهد من يتظاهر للمطالبة بحقوق الشهداء والجرحى ؟؟؟ ولو كان العمل جاداً على اعتبار المواطنة الحقّة منطلقاً حقيقياً ومعياراً ثابتاً لسن التشريعات والقوانين وتطبيقها فعلياً على أرض الواقع دون تمييز بين الاعراق والطوائف والمكونات وان يطبق شعار الدين لله والوطن للجميع فهل سنشهد من يتظاهر للمطالبة بالدولة المدنية ؟؟؟
يقيناً ان احزاب السلطة التي تسيدت المشهد السياسي في العراق بعد سقوط نظام البعث الصدامي لو انها كانت قد عملت جادة على تنفيذ برنامج وطني شامل يهدف الى الارتقاء بواقع العراق وشعبه على مختلف الاصعدة، بعيداً عن التفكير بمصالح قياداتها الشخصية والحزبية والفئوية، لما وجدنا من يتظاهر اليوم للتعبير عن نقمته على تلك الاحزاب والامتعاض من الحكومة وسياساتها. وعليه فان من تسبب بنقمة الشعب وامتعاضه هي احزاب السلطة وهي من تقف وراء التظاهرات في العراق.