22 ديسمبر، 2024 7:04 م

من يقتل اكثر …الله ام الشيطان ؟

من يقتل اكثر …الله ام الشيطان ؟

ما حفزني على الكتابة بهذا الموضوع فتوى اخيرة صدرت عن مايسمى “الهيئة الشرعية” للمعارضة السورية المسلحة تمنع فيه الناس من تناول الاكلة الحلبية الشعبية ” المامونية ” ، اذ ثبت شرعا للهيئة اعلاه وبعد مئات السنين من تعود الناس على اكلها ، انها….اكلة صليبية ،  ومن خالف هذه الفتوى ” سيحاسب وفق الشريعة ” ( قد يتضمن ذلك الجلد العلني او قطع اللسان وان كان شيطانه اكبر ولم يمتنع رغم التعزيرقد يكون راسه المقطوع بالسيف على الطبق بدلا من الطعام ).ولو اضفنا الى ذلك فتاوي المشايخ  والعلماء وكل من نصّب من نفسه كذلكمثل ارضاع الكبيروسياحة الجهاد ونكاح الجهاد وووو، مرورا بتحريم الطماطة(لان داخلها يشبه الصليب ) ، وليس انتهاءا بتكوين مجاميع أهلية مسلحة تنهي عن المنكر (ولا تامر بالمعروف ) تهاجم محلات بيع الخمور المرخصة ومقاهي الشباب ونوادي المثقفين ومنع الموسيقى والغناء في الحفلات وووو …
هذا يجعلنا نتوقع تحريم التبولة والكباب والتشريب  والدولمة والبرياني مستفبلا لان احدا ما سيكتشف حتما اصولها اليهودية او لان السلف الصالح لم يكن يتناولها( كالهامبورغر والبيبسي مثلا )، فقد اصبحنا نعيش اسلاما  الغينا جوهره وتمسكنا بقشوره (ان كانت حقا منه ) ، فلغمناهبكل ماينكّد حياتنا ويدمر مجتمعاتنا ويخرب بلداننا وصرنا في نظر الاخرين اما مسخرة او مسوخ خرجت من التاريخ الميت لتهدد البشرية بارهاب اعمى لا يحترم الحياة التي قدسها ربهم الاعلى ان كانوا يعلمون .
ألا ترون ياسادة الى اي درك انحدرنا …وأي جنس من الناس صرنا …فأن كان هذا حال ثوارنا وعلمائنا فما هو حال عامتنا وعباد الله الصابرين مثلنا والعياذ بالله ؟ هل صرنا امام خيارين “ديمقراطيين” لا ثالث لهما : أن تنضم اما الى حزب الشيطان واما الى حزب الله. أن تعيش حياتك بالطريقة المعاصرة التي يحبا بها كل بشر المعمورة وان تتواصل مع الاخرين بلغة العصر ومتطلباتها وترفض الاستبداد واستعباد الانسان والغائه ككائن عاقل فكرا وجسدا ، فتكون اذن من حزب الشيطان ..وبالتالي فأن جنود الله المعينّون ذاتيا (لم يصدر بهم بعد فرمان الهي ) سيقتصون منك تعزيرا وخلعا وقطعا بأمر من وحي شريعة الله ليرسلوك بالبوسطة السريعة الى جهنم حيث يتولى ملائكة الرحمن القدير بقيةالاحتفالية الحافلة بالوان العذاب وجلسات الشي الابدية في نيرانها المتقدة . فاله المسلمين جبار متجبر ولعباده الخاطئين بالمرصاد .
    وان اردت السلامة ، فعليك اولا ان تنزع عقلك من رأسك وتحشوه بدلا من ذلك بخرافات وفتاوي أهل الجهل وتخريجاتهم الخارجة عن نطاق تغطية الزمان والمكان ..وأن تكون مستعدا لتقبل الاستبداد السياسي والديني ، وأن تتغطى بلباس الجبن والنفاق فتفقد انسانيتك ..لانك ساومت عليها…وساومت على انتمائك لزمانك لصالح من يتوهم بحياة افضل في الكهوف المظلمة ، كهوف تورا بورا التي ينطفأ فيها كل ماهو حي ومفرح وممتع فيالحياة وتعود الى حياة الوحوش الاولى التي اخذ الله بها واوصلها الى النور وفق لسنّة تطور الهية …فلماذا تريدون اطفاء نور الله ؟
أمام هذه الغزوة الظلامية التي تأتي علينا وتهدد وجودنا لا مكان للاستكانة ولا للحيادية … فالطغيان والاستبداد باسم الدين مرفوض كرفضنا للطغيان والاستبداد السياسي ، فكلاهما وجهان لعملة واحدة تودي بالانسان الى قاع الجهل والتردي والتخلف والامتهان وهدر الكرامة . العلمانية والتنور لا يمكن ان تستند الى معايير التملق السياسي او الديني ….فليس المهم أن نحيا لأجل الحياة نفسها وأن نكون احياءا هلاميين بلا فاعلية في ظل انظمة الاستبداد ايا كان لونها وشعارهاونتنازل عن حقنا للكفار الحقيقيين لمجرد انهم يرهبوننا  باساليبهم الوحشية…لاننا حينها سنوصم بالعجز عن الدفاع عن حصن الحضارة والحداثة وترك الاستبداد يستشري لصالح اصحاب المعتقدات السيئة في مجتمعاتنا .
 دعونا نسأل سؤالا افتراضيا : من يقتل بشرا اكثر ، الله ام الشيطان ؟
   ان جردة حساب تاريخية توضح لنا أن …من ُقتل بأسم الله وبأمر الله وفي سبيل الله وانتصارا لله ومن أجل كلمة الله ومن أجل اعلاء اسم الله ومن اجل تطبيق شريعته ولألف سبب وسبب تم اقحام الله فيها لقتل البشر : من حروب دينية وطائفية وحملات تطهير ومذابح طائفية وتهم الهرطقة والتكفير ومن اجل الاحلام الجنونية في اقامة دولة الله على الارض ..لا فرق ان كانت دولة المسيح اودولة اليهود اواو دولة الامام الصالح  اودولة الفقيه او دولةالخلفاء هم اضعاف من قتلهم الشيطان وحتى الذين أغواهم الشيطان في حبائله تولى الله قتلهم وفق ماتخبرنا كتب العهد .
 وفي حين خفت حملات القتل في الديانات الاخرى ، الا انها تستعر في بلداننا وتجد مزيدا من المجانين يقودون العميان  من فاقدي البصيرة يزيدون اوارها وقودا ( وقد اثبت العميان من فاقدي البصر امثال طه حسين وابو العلاء المعري انهم اكثر حكمة وبصيرة من الجهلة المبصرين الذين قطعوا رؤوس تماثيلهم في سوريا ومصر ) . بل حتى ظهور المهدي المقرون ظهوره باقامة العدل والحق على الارض لا يكون حتى يحصد حياة اكثر من ثلثي البشرية … فما قصة الانغماس والايغال بالدماء في اسلامنا ؟ هل العلة تكمن في الاسلام ام بمن يفسره او بمن يسوق نصوصه واحداثه قسرا باتجاه الدم والفتنة ؟
وعلى قول المثل ” بين حانا ومانا ضاعت لحانا ” ان لم تضع رقابنا ، فالمسلمون منقسمون الى معسكرين..يتغذى كل منهما من ينابيع تطرف يزداد معينها كل يوم ولا تنضب ( طاقة مستدامة جديدة برسم الشيطنة ) ، ووفر كفار الغرب وعبدة الشيطان(حسب التسمية الاسلاموية )المخترعات الحديثة من اتصالات وشبكة نقل ومعالجة وتبادل معلومات  فرصة جديدة لنشر افكارهم الظلامية وفتاويهم الغبية والتاثير في عواطف العامة ( مثل هذه الوسائل لا يتم تحريمها على غرار الاكلات او الملابس الضيقة.. فالفتاوي اذن انتقائيةمما يفقدها مصداقيتها) .
   كلا المعسكرين لا ينتميان… لا الى زماننا ولا الى حضارتنا ولا الى مشاغلنا الحياتية اليومية ، كلاهما يعيش في الوهم ويريد أن يطوي تاريخنا ليلحقنا الى زمن مضى وتولّى ، فهذا يريد احياء دولة خلافة يعتبرها مثلا في شفافيتها وعدلها مع انها من اول يوم مات فيه النبي انقلبت على نفسها وتشظت …ولم يبقها واقفة على رجلها الا السيف الذي ظلت تقطر منه دماء المسلمين وغير المسلمين ، وتاريخ الامويين والعباسيين والعثمانيين عبارة عن سلسلة من الدماء النازفة والاستبداد المستمر سياسيا ودينيا… دون أن ننكر صفحات المشرق التي هي تحصيل حاصل فليس هناك شر مطلق كما ليس هناك خير مطلق… وبما أن الامور بخواتيمها …ألم تكن حالنا التي وصلنا اليها الان ، والمستنكرة من الجميع ، هي النتيجة الحتمية والمنطقية لتلك المقدمات التاريخية الاستبدادية المظلمة .
هناك من يراهن بان الوضع ماكان ليصل كذلك لولا ” سرقة ” الخلافة من بيت آل النبي ، وكأن أبي بكر وعمر وعثمان وبني امية وبني عباس لم يكونوا من قريش ومن أبناء اعمام وأخوال بيت النبوة ومصاهراته ؟ ام تراهم مخلوقات اتوا من المريخ ؟ فهل حال القريبين منهم كان سيكون بأفضل من حالهم ؟
ان الموضوع قابل للجدل لكن لا يمكن البت فيه مطلقا لاننا نعيش في عصر اخر مختلف في كل شيء… وامر مهم اخر: عندما تكون في المعارضة متحررا من قيود السلطة ومحدداتها ، فبأستطاعتك ان تقول ماشئت ، وحتى أن تزايد على من في الحكم بماشئت ، لكن الاختبار الحقيقي هو ان تكون بالحكم وحاول ان تطبق مثالياتك التي تدعيّها ..فوظيفة الدعوة تختلف عن وظيفة الحكم من حيث الاهداف والوسائل والجمهور … وهل استطاع الامام علي بما اوتي من عدل وبلاغة وحكمة وتقوى ومثالية اخلاقيةان يسيطر على الامور في دولة خلافته ومازال تأثير الدعوة المحمدية فاعلا في النفوس ؟ ام ترى أن صفاته الملائكية هي التي حفزّت وشجعت الاخرين ( وحتى اقرب الناس اليه ) بالخروج عليه او الانشقاق عنه؟ فمابالك مع توسع الدولة وتباعد الناس عن مركز الدولة  وبعدهم عن الدين الحقيقي واخنلافهم في الاعراق واللغات والحضارات الذي حدث فيما بعد ؟
ان النفس البشرية لا تقيدها الافكار المثالية الا بمدى التقائها مع مطامعها الذاتية  ون ارتباطه بالسماء، والانسان مهما بلغ من تشذيب النفس رقي الروح يبقى مقيدا بحاجاته الحياتية الدنيوية وارتباطه بالارض والواقع اكثر من حاجته وارتباطه بالسماء .
اذن هل البكائيات ونواح الليل والتأسي كافية لان تعيدنا الى ذلك الزمن ” الجميل ” ( في مخيلتنا فقط ولم يكن قطعا جميلا) ؟  ان ماترسخ في الوجدان الانساني من مشاعر صادقة ونبيلة وحب عاطفي للسلف الصالح وصحابة الرسول والتراجيديا المحزنة للحسين وآل بيته والانتصار لقضيتهم تاريخيا باعادة الاعتبارالمطلوب لهم شيء ، واستغلال هذه المشاعر النبيلة سياسيا او تعظيما لطقوس خرجت عن حدود المنطق … شيء آخر …. فليس الغاء الواقع والعودة بالتاريخ الى الوراء او ايقاف تقدمه وجعلنا ندور حول حلقة او حلقات منه هي من الدين او التدين … فالخطاب حينها يصبح هرطقة والممارسات تضليلا وتعميقا للاجهال والظلامية في المجتمع .
   ان مسيرة البشرية تمضي ولا تتوقف عقاربها عند لحظة معينة حسب رغبة هذا او ذاك ، ام تريدون من الله أن يخل بناموسه الذي خلقه للكون وجعل التطور والتجدد ركنا اساسيا فيه فتكونون من الكافرين به ؟
   كلا المعسكرين يحاولان اذن فرض رؤياهم قسرا علينا ، وبالتالي منعنا من الانتماء الى حيث نحن من التاريخ والمكان … فالهنا رحيم غفور لا يحمّل الانسان اوزارا غير مسؤول عنها…خلاف الهكم الذي لا يعرف الا العقاب والقتل ….لقد حمّلتم الله من القتل وسفك الدماء ظلما اكثر مما حملتم الشيطان…. فبدا الاخير تجاه الهكم اكثر رحمة ورقة ….فماذا تريدون ؟
ان تكفر الاجيال بالله بغير وجه حق وما كان الله شريكا في الفجور والجريمة التي تمارسون ؟ فكفى تجارة بالدين ..فالتجارة به هي التي افقدتنا فرصتنا لان نكون من بني البشر السويين وأخرتنا عن اللحاق بركب الحضارة ….لنبعد الدين عن الممارسات الدنيوية ولا نقحم الله في كل صغيرة وكبيرة لاننا بذلك لا ندلل على تقديسنا له وقد انكشف من يتاجر بالسياسة باسم الدين ومن يتاجر بالدين باسم السياسة فكلاهما هو ….الكافر الحقيقي ، ام مازلتم تحميل الله وزر القتل