كثُرَ الحديث عن الاتفاقية العراقية – الصينية والتي يطلق عليها (النفط مقابل البناء) بين مؤيد بشدة ورافض بشدة وهناك آراء محايدة بين الطرفين وأنا أحد هذه الأطراف لأسباب عديدة سأتطرق لها في هذه الأسطر.
ان مثل هذه الاتفاقية الكبيرة جداً بكل المقاييس ويمكن أن نقول عنها اتفاقية جبارة ولم يسبق للعراق طوال تأريخه أن يتعامل مع مثل هذه الاتفاقية بحجمها المالي وبطول سقفها الزمني وبوسع استثماراتها, حيث يقدر سقفها بحجم بأكثر من (500) مليار دولار كمرحلة اولى وبسقف زمني يتراوح من (20) الى (50) عاماً وبحجز (3) مليون برميل نفط شهرياً كمرحلة اولى ومن المحتمل رفع هذا الرقم الى (9) مليون برميل شهرياً, وبسقف ائتماني اقتراضي يقدر ب( 10) مليارات دولار كمرحلة أولية وبعدها يرفع الى (30) مليار دولار, وحجم فوائد كبيرة على القروض وبقطاعات شمولية واسعة للمشاريع تشمل المطارات وبناء المدارس وتعبيد الطرق الخارجية والسكك ومعالجة تلوث دجلة والفرات وشط العرب وبناء مجمعات سكنية ومشاريع البنى التحتية ومشاريع الطاقة والتحلية و مشاريع اخرى حسب طلب الحكومة العراقية.
أروع مافيها هو انها مع الصين هذا البلد ذو الاقتصاد العملاق والذي يُعدّ ثاني أكبر اقتصادات العالم وصاحب أسرع اقتصاد نامٍ في العالم خلال ثلاثون عاماً.
اذاً لايمكن لأي طرف أن يقلل من أهمية هذه الاتفاقية ونتائجها الرائعة المتوقعة على الاقتصاد العراقي المتهالك منذ عام 2003 ولحد الآن حيث كان العراق يبيع النفط طوال هذه الستة عشرة عاماً وتذهب عائداته لجيوب الفاسدين دون أن يحصد المواطن العراقي المتخوم بكل أنواع المعاناة والحرمان والفقر والبطالة أي تطور ملموس في البنية التحتية للبلد وفي تحسين ظروفه المعاشية ورفع قدرته الشرائية وتقليل معاناته, لذا من المؤكد فان العراق متعطش ويحتاج لمثل هذه الاتفاقية الجبارة لتحريك الاقتصاد العراقي وتدوير عجلة استثماره المتوقفة واعادة الحياة للبنية التحتية والنهوض بها والاستفادة من عصارة خبرات الاقتصاد الصيني في هذه المجالات عبر اتفاقية شاملة وعلمية ومدروسة بدقة فائقة شريطة أن تضمن كامل حقوق العراق بما يمنع هدر أية اموال جرّاء عقد هذه الاتفاقية.
فكرة الاتفاقية ليست وليدة اليوم حيث يقال ان المباحثات مع الصين بدأت في فترة حكومة الدكتور العبادي وتم تفعيلها والتوقيع على الاتفاقات المبدئية الأولية من قبل السيد عادل عبد المهدي.
الأمور الخطيرة والمقلقة في هذه الاتفاقية والذي فتح أبواب الاعتراضات والاتهامات الكبيرة بوجود شبهات كثيرة فيها وبأن نتائجها ستكون كارثية على العراق وانها سترهن نفط العراق لأكثر من خمسين عاماً وغيرها من الانتقادات المختلفة…هو مايلي:
اصرار الحكومة على التكتم وعدم نشر بنود وتفاصيل هذه الاتفاقية بشكل علني أمام الجمهور لحد الآن بالرغم من كل المطالبات بذلك مع ان التسريبات تؤكد انها دخلت حيز التنفيذ بمراحلها الأولى والشروع بفتح الحسابات المصرفية الأربعة الخاصة بالاتفاقية.
اصرار الحكومة على عدم احالة مشروع الاتفاقية الى البرلمان العراقي لغرض دراسته بشكل مفصل والتأكد من كل الثغرات الموجودة والتصويت عليه ليأخذ طابعه وسياقه الرسمي المعمول به حسب الدستور والقانون.
اصرار حكومة السيد عبد المهدي (المستقيلة) على تنفيذ هذه الاتفاقية ,وهي حكومة تصريف أعمال فقط و لاتمتلك الصلاحية القانونية لتنفيذ مثل هذه الاتفاقيات العملاقة.
هذه الأسباب الثلاثة هي ما فتحت كل اللغط والاتهامات والغموض على الاتفاقية ولا يمكن لأحد أن يلوم أصحابها, لأن اتفاقية بمثل هذا الحجم الكبير وبمثل هذه الفترة الزمنية الطويلة وبمثل هذه الشمولية لا يمكن أن تنفذ بمثل هذه العجالة ويجب أن تأخذ وقتاً كافياً للدراسة والتحليل والنقاش وتحتاج الى الصبغة القانونية من قبل السلطة التشريعية للبلد, فهل من المعقول أن يجتمع البرلمان بمعظم أعضائه ويناقش ويقرأ قراءة اولى وثانية ويصوت ويصدرالموافقة على قانون انضمام العراق الى (اتفاقية الحفاظ على السلاحف البحرية من الانقراض) ولا يناقش مثل هذه الاتفاقية المصيرية التي ستغير الاقتصاد العراقي بالكامل, حقيقة ان شرّ البلية مايضحك.
ما أريد قوله وأنا لست بصدد التقليل من أهمية هذه الاتفاقية التأريخية انه يجب الضغط برلمانياً واعلامياً وسياسياً على الحكومة العراقية بأن تتأنى بالشروع بتطبيق هذه الاتفاقية قبل أن تتخذ الخطوات المهمة التالية لحسم الموضوع وانهاء الجدل لكي تكون خطواتنا سليمة وصحيحة ونضمن مصلحة العراق ونحمي اقتصاده من أية مغامرة قد تؤدي الى كارثة اقتصادية كبرى تدفع ثمنها الأجيال القادمة :
الاسراع بنشر كافة تفاصيل الاتفاقية وبنودها الكاملة من قبل الحكومة العراقية وعبر كافة وسائل الاعلام للاطلاع عليها من قبل الجميع ودراستها من قبل المتخصصين في المجال الاقتصادي والمالي والقانوني .
الاسراع باحالة مسودة الاتفاقية الى قبة البرلمان بشكل رسمي .
على البرلمان الاسراع بدراسة تفاصيل الاتفاقية بالكامل دراسة مستفيضة من كل الجوانب ومناقشتها بحضور رئيس الحكومة وفريقه الذي يختاره وبشكل حيادي بعيداً عن التأثيرات الكتلوية والحزبية وبالاستعانة بالخبراء في مجالاتها المختلفة والاسراع بالتصويت عليها بعد اجراء التعديلات المطلوبة عليها واصدار قانوناً بهذه الاتفاقية لأنها لاتقل أهمية عن قانون الموازنة الذي يكون حيز تنفيذه عام واحد بينما هذه الاتفاقية تدوم لأكثر من خمسين عاماً.
على البرلمان وبعد اصدار قانون هذه الاتفاقية ايجاد مخرج قانوني يسمح ويخول حكومة تصريف الأعمال بالشروع بتنفيذ هذه الاتفاقية.
دعوتي للحكومة والبرلمان العراقي وضع مصلحة العراق وشعبه فوق كل الاعتبارات والمصالح الشخصية والحزبية وترك الخلافات السياسية والدسائس والمهاترات المتبادلة والتي أوصلت العراق الى هذا الحال البائس الذي نعيش فيه وعليهم أن يدركوا خطورة وأهمية هذه الاتفاقية التأريخية وان يفكوا لنا طلاسمها الغامضة ويجعلوها تأخذ المسارات القانونية السليمة لغرض البدأ بتنفيذها بعد ضمان مصالح العراق بالكامل وعدم السماح أن يكون مصيرالبلد واقتصاده رهناً بيد أية دولة مهما كانت مكانتها وقوتها.