23 ديسمبر، 2024 10:13 ص

من يغرد خارج السرب … ؟

من يغرد خارج السرب … ؟

نص رسالة وردتني من صديق ..
” الأستاذ حسن حاتم المذكور … ليس من عادتك التغريد خارج السرب كما انت عليه الآن … حكومتنا المنتخبة وقواتنا الباسلة تخوض معركة مصيرية ضد الأرهاب , جميع الكتاب الشيعة اتخذوا الموقف السليم بمؤازرة حكومتهم وجيشهم , الا انت مشغول بالتشكيك بالعملية السياسية , ان لم يكن هذا تغريد خارج السرب , فما عساه ان يكون  ؟
الصديق  سالم محمد الربيعي “
اخي العزيز سالم : بداية لعلمك انا ليس شيعياً ولا سنياً ــ انا عراقي ــ وكل بيت عراقي هم اهلي , عربي كان او كوردي وتركماني وكلدواشوري , مسلم كان او مسيحي وصابئي مندائي وايزيدي جميعم اهلي واليهم انتمي .
اما تغريدي خارج السرب فأنت واهم , فقط لا اريد التعري عن قناعاتي ومواقفي , واحاول ما استطعت ان اغرد من داخل سرب المشروع الوطني العراقي , لا يهمني ان كنت داخل او خارج السرب الذي تعنيه فالمشروع الطائفي لم يعد لحناً يستسيغه المواطن العراقي .
روحي وقلبي مع الجنود البواسل الذين يواجهون الأرهاب , وادعو لهم النصر والسلامة, لكني احزن عندما ارى اطفالهم يتعلمون داخل مدارس من الطين , يفترشون الأرض ويتخذون من احضانهم طاولات للكتابة , واحزن لملايين الآرامل بينها لهم امهات وخالات وعمات , وايتام من بينهم ابناء اخوة واخوات ومعارف وجيران يفتك بهم العوز والجهل والأوبئة والرعب واسباب الرذيلة , الوطن يقاس بما فوق ترابه وليس بما تحته , الأنسان هو الوطن , والنفط بضاعة للتسويق والتجويع والأثراء السريع .
العراقيون يشككون بأمرين : اذا توفى رئيس حكومة , لا بد ان يكون مقتولاً بشكل واخر , واذا ارتفعت قامـة ثـروة يجهلون مصدرها , فلا بد ان تكون مسروقة , من يدلنا على مصدر ثروات خيالية اصبحت تحت تصرف اغلب رموز العملية السياسية ممن كانوا يتسكعون عند ابواب الشفقة لترقيع ثقوب حاجاتهم المعيشية , لا اذكر هنا الأسماء لكثرتها , عدد النجباء قد تضائل  حد المؤسف .
اذا كانت مجاميع الأرهابيين مهلكة يجب التصدي لها , فكيف يجوز لنا ـــ ان لم يكن في الأمر نفاقاً ـــ ان نتجاهل ( ام المهالك ) , مهالك الفساد الشامل الذي يعيد افتراس مؤسسات الدولة والمجتمع , حتى تجاوزت كارثتة حدودا لا يمكن معالجتها بصولات عسكرية , انه دمار صامت على اصعدة المؤسسات والأدارة والسياسة والعلم والمال وكذلك الأخلاق والقيم والتقاليد وتفصلات اجتماعية ووطنية لا حصر لها , فهل يجوز لنا ان نرقص غباءً على طبول مواجهات وانتصارات لا نعرف مضمونها وخلفياتها واهدافها ونزاهة وجدية الذين يتصدرونها , لنجعل منها غطاء لمهالك الفساد التي تزحف انهيارات مخيفة من تحت بساط الناس الوطن ..؟؟ .
لا يستقيم الأرهاب دون حاضنة فساد , كما لا تأتمن مؤسسات الفساد على مستقبلها دون خراب وتحلل الدولة , الذي يشكل الأرهاب حاضنتها, هل هناك ثمة مبرر يدعونا للثقة والتفائل , على ان هجين الحكومة المسؤول اصلاً عن مأزق العراق ومعاناة العراقيين, جاد وقادر على الحاق الهزيمة بالأرهاب, وهناك مؤشرات لفتح ثغرات لمساومات وتنازلات وتوافقات جديدة , لأبقاء العراق اسيراً لأسباب ضعفه واستسلامه .. ؟؟ .
العراقيون يعيشون اوجاع تفسخ دولة وضياع وطن وفساد حكومة وخراب مجتمع وغياب وعي واستهلاك للرأي العام , وارهاب عشائري على الأبواب والسرب الطائفي , يتجنب رؤية الحقائق والأستماع للواقع , فيشارك في لعبة  ” حشر مع الناس ( خراب ) عيد “, التغريد من داخل الأنحرافات الذاتية ثم ايهام الآخر , على انه سرب وطني الا يجوز التغريد الا من داخله , فتلك مؤشرات اصابات خطيرة في صميم الثقافة العراقية .
هناك سرب اليسار العلماني !!! وقد بلغ به الصدء ( الزناج ) حد العظم ,لا يجيد سوى تغريد فلكلور الأنغلاق على ” كنا يوماً ” وهناك سرب قومي يغرد عزلته اللاوطنية , بعد ان غادرت تخريفاته اصالة الواقع العراقي , وهناك السرب الأسلامي ( الطائفي ) الذي يطالب القرن الواحد والعشرين على ان يرتدي اسمال عباءة الجاهلية , ثم يتدجل من خارج المنطق .
ليس من الحكمة , ان يغرد المرء من خارج سرب بمواصفات وطنية , كما لا يوجد فائض مواقف سلبية تجاه حكومة بعينها لمجرد المعارضة , فتلك لم تكن وظيفة كاتب يحترم نفسه ومعتقداته , بالمقابل , هناك مسؤولية اخلاقية واجتماعية في ان يغرد الكاتب من صميم قناعاته , صحيح ان هناك معاناة يسببها لـه ( شرطي ) الرقيب الثقافي الذي تفرضه وسائل الأعلام الرسمية وغير الرسمية عبر التضييق على مواقفه ووجهات نظرة ومحاصرته في رزقه عبر اغتصاب حقوقه وتجاهل دوره , لكن مثل تلك المضايقات والمعاناة يجب الا تكون سبباً للخروج عن الثوابت الوطنية , والسلوك الرصين والموضوعية وانصاف الحقيقة .
كم نتمنى , ان تواجه مؤسسات الفساد من يصفي معها حساب ضحاياها عقوبات قانونية واجراءات رادعة , وكم كان جميلاً ومدعاة للثناء والمؤازرة , لو ان الحكومة وهي تواجه الأرهاب وتحقق عليه الأنتصارات , ان يرافق ذلك مواجهات وانتصارات على مافيات الفساد , وتسير على قدمين , قدم تسحق بها الأرهب واخرى تسحق بها مؤسسات الفساد , خاصة وان لجنة النزاهة ومكاتب رئيس الوزراء والقضاء العراقي , لديهم الألاف من ملفات الفساد والأرهاب الخطيرة , متورط فيها رموز كبيرة وعلى مستويات مفجعة من داخل الدولة والمجتمع والحكومة بالذات, حينها ستكتسب المواجهات مع الأرهاب مصداقيتها , بعكسه من الفداحة ان نغرد تخريفات مضللة من داخل اسطبل القطيع الطائفي .