23 ديسمبر، 2024 9:16 ص

من يعرقل تحرير الموصل.. ولماذا؟

من يعرقل تحرير الموصل.. ولماذا؟

تبدو استعدادات القوات والأجهزة الأمنية والعسكرية العراقية متكاملة ومهيأة بنسبة كبيرة للانطلاق الفعلي في عمليات تحرير محافظة نينوى من تنظيم “داعش” الارهابي، وتبدو الأجواء والمناخات السياسية والشعبية العراقية مهيأة هي الأخرى ومترقبة لذاك الحدث، بحيث باتت قناعات مختلف القوى السياسية والشرائح الاجتماعية والنخب الثقافية محسومة، بأن مع نهاية هذا العام ستكون صفحة “داعش” قد طويت من العراق الى الابد.
   بيد انه الى جانب تلك الصورة المتفائلة، والتي تنطوي على الكثير من عناصر الحماس والاندفاع، تبرز صورة اخرى مشوشة ومرتبكة ومحبطة بنسبة غير قليلة، العنصر الاساس في تلك الصورة يتمثل في التركيز على مرحلة ما بعد داعش، وجعلها اولوية تتقدم على اولوية طرد داعش.
   طبيعي جدا ان تكون هناك مخاوف وهواجس وحسابات واجندات متباينة في ظل اجواء انعدام الثقة في المشهد السياسي العراقي، وبين الاطراف والقوى الاقليمية والدولية المعنية بصورة او باخرى بتفاعلاته واحداثه ووقائعه. 
   وتنعكس اجواء انعدام الثقة بوضوح من خلال ما يطرحه كل طرف، الذي يفترق ويتقاطع كثيرا مع ما يطرحه الاخر؛ فهناك من يصر على وجود اتفاق سياسي يسبق عملية تحرير الموصل، يقابله رأي رافض لتسييس الحرب على داعش، واقحامها في مساومات سياسية ضيقة.
   وهناك من يرفض رفضا قاطعا مشاركة الحشد الشعبي في تحرير الموصل، مع ترحيب بمشاركة واشنطن وانقرة ولندن وحزب العمال الكردستاني التركي المعارض، في حين نجد في مقابل ذلك اصرارا كبيرا على عدم تهميش الحشد، واعتباره رقما مهما وحاسما في القضاء على داعش.
   وهناك من يطرح مشاريع مريبة لتقسيم محافظة نينوى الى عدة كيانات ادارية على اساس قومي وعرقي، بينما يعتبر البعض الاخر ان وحدة نينوى، بل ووحدة العراق خطًّا احمر، ولا ينبغي ان ينتهي التخلص من تنظيم داعش الى تفكيك وتشظية العراق قوميا وطائفيا عراقيا.
   وهناك من يربط مشاركته بعمليات تحرير الموصل بشروط ومطالب سياسية واقتصادية، في حين ترتفع اصوات تؤكد ان لا مكان لاي شروط في معركة القضاء على داعش.
   وقد لا يختلف الكثيرون على حقيقة ان الطرف الكردي يبدو الاكثر تشددا وتعقيدا وتصلبا فيما يطرحه ويطالب به، لاسيما جناح الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، والذي يعكس في جانب كبير منه عمق الأزمات السياسية والاقتصادية الخانقة لاقليم كردستان.
   فالبارزاني-بحسب السياسي الكردي والمسؤول السابق في المكتب المركزي لاعلام الحزب الديمقراطي الكردستاني سرو قادر- يرى انه “يجب أن تكون هناك خطة لمرحلة ما بعد داعش في الموصل، ويجب أن تُقسم المحافظة إلى ثلاث، كردية في سنجار، وأخرى للمكونات في سهل نينوى، وثالثة للعرب السنة، وفيما بعد ستقرر المحافظات الجديدة في استفتاء عام إذا ما أرادت الانضمام إلى إقليم كردستان أم لا”.
   وتؤكد اوساط كردية قريبة من حزب البارزاني، ان المكون السني يدعم مثل تلك التوجهات، وبالفعل فإن شخصيات سياسية سنية، مثل اسامة النجيفي وشقيقه اثيل وغيرهما طرحوا افكارا تناغم تصورات البارزاني بخصوص تقسيم الموصل، وعدم مشاركة قوات الحشد الشعبي في تحريرها.
   بيد ان شخصيات وقوى سياسية سنية اخرى ترفض بشدة اطروحات البارزاني القائلة بالتقسيم وتندد بمن يدعمها ويساندها من السنة.
    وفي هذا الخصوص يقول النائب في مجلس النواب العراقي عن محافظة نينوى عبد الرحمن اللويزي “ان مرحلة ما بعد داعش الاجرامي خطرة جدا على مستقبل محافظة نينوى، خاصة مع وجود مخطط تقسيمي خبيث يقوده اقليم كردستان بالتعاون مع الاخوين النجيفي لاحتلال مركز المحافظة الموصل والسيطرة عليها”.
    ويضيف اللويزي قائلا “ان المخطط يهدف الى سيطرة قوات البيشمركة على اكبر قدر ممكن من الاقضية، كسنجار وسهل نينوى ومخمور، ثم المطالبة بإعلانها محافظات مستقلة ليتم فيما بعد ضمها الى الاقليم عبر المادة 119 من الدستور، والتي تنص على أنه يحق لكل محافظة أو أكثر تكوين إقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه، يقدم بطلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم”.
   ويؤكد “أن التحالف الدولي والقوات التركية المحتلة ادخلت الى المحافظة من اجل تحقيق تلك الغاية وتفكيك محافظة الموصل لأكثر من خمس محافظات او اقاليم بحسب انتمائها الطائفي والاقليمي”.
   وفي السياق يتحدث اعضاء في مجلس النواب العراقي ينتمون الى ائتلاف دولة القانون الذي يترأسه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ويقولون “ان رئيس ائتلاف متحدون للاصلاح اسامة النجيفي وشقيقه اثيل هم من عرقلوا عملية تحرير الموصل وعودة النازحين، وما زالوا يعرقلون هذا الامر، من خلال مجموعة من السياسات التي حالت دون تحريرها بالسرعة الممكنة، وان الاحداث العسكرية المتلاحقة كلها كانت تشير الى ان عملية تحرير الموصل كانت من اولى اولويات القيادات الامنية العراقية، لكن سياسة النجيفي بفتح الطريق امام القوات التركية لاحتلال مشارف الموصل والانسجام مع الاجندة السعودية الخليجية الطائفية من اجل منع الحشد الشعبي من تحريرها، هي التي اخرت عمليات التحرير”. 
   وتصطدم رؤية الاكراد من جناح البارزاني برؤية الحكومة الاتحادية التي عبر عنها رئيس الوزراء حيدر العبادي في اكثر من مناسبة، ومفادها “ان قوات البيشمركة الكردية لن تدخل مدينة الموصل بل ستشارك في عملية استعادة معقل داعش في العراق، والحال كذلك بالنسبة لعناصر الحشد الشعبي”، بينما يصرح مسؤولو حكومة إقليم كردستان باستمرار “بأن الاراضي التي تحررها قوات البيشمركة في نينوى لا يمكن اعادتها مرة اخرى للحكومة الاتحادية وان الحدود سترسم بالدم”.
   ويدرك العبادي وغيره الكثيرون من الساسة في بغداد، حقيقة ان الاكراد يحاولون الاستيلاء على اكبر قدر من الاراضي الواقعة خارج نطاق الاقليم، ليفرضوا في مرحلة لاحقة امرا واقعا ويضموها الى اراضي الاقليم، وهذا ما يدعمه بشكل او باخر الاميركان، ويتخوف منه العرب والتركمان والايزيديون والشبك والمسيحيون في محافظة نينوى.
   ولعله من المستبعد جدا ان تذوب الخلافات والاختلافات، او تتقلص الهوة بين الفرقاء فيما يخص تحرير نينوى، وما بعد تحريرها، لكن ما هو ممكن ومتوقع اتخاذ رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة العراقية قرارات وخطوات حاسمة لانطلاق عمليات تحرير نينوى، تضع كل الاطراف على المحك، وتؤجل الجدل والسجال حول مرحلة ما بعد داعش الى وقت اخر.
   ولا شك ان العبادي سيحتاج الى نوع من التنسيق مع اطراف خارجية وقوى سياسية عراقية لها ثقل وتأثير وحضور محوري في الساحة، لضمان قدر من التوازن وضبط النفس وتحاشي التصادم – ولو مرحليا – بين اصحاب الاجندات والرؤى المتناقضة والمتقاطعة، بعبارة اخرى قد يعمد العبادي الى وضع الجميع امام الامر الواقع من اجل اخراج وطرد داعش من الموصل والعراق قاطبة، وبعدها يكون لكل حادث حديث.