يكثر هذه الأيام تداول مصطلحي ” المؤامرة ” و” الحرمان” ، في تفسيرات شتى عن تظاهرات الاحتجاج الشعبي على نتاج مفاسد المحاصصة، معضلة السياسات العامة للدولة عدم القدرة على تجاوز هذه المفاسد وما نتج عنها من اثار سياسية واقتصادية بل وحتى امنية ، لذلك يطرح السؤال الأصعب اليوم، ايهما أولا ، مواجهة ما يوصف بكونه مؤامرة من الخارج تستهدف العملية السياسية، ام المضي في حلول غير جذرية للحرمان الذي نتج عن مفاسد المحاصصة ؟؟
ما الاحظه في اغلب لقاءات المحللين السياسيين او البيانات الحزبية، ان الجميع مع حلول نهائية للحرمان الشعبي من ريع النفط وتقليل امتيازات طبقة السلطة ومفاسدها واحالتهم الى القضاء، فيما يعزو اغلب الامر الى مؤامرة خارجية تنظم هذه التظاهرات وتقوم على اشعال فتيلها واوار نيرانها، بوجود مندسين، واغراض سياسية لمن يركب موجتها الشعبية وان حكومة السيد عبد المهدي لا تمتلك العصا السحرية للايتان بحلول لم تأت بها الحكومات السابقة وهذا ما أشار اليه صراحه في خطابه الأخير.
معضلة الجميع، المتصديين للسلطة، او المروجين لها، انهم بذاكرة رجعية قصيرة، تصيبهم بالانفصام السياسي، والسلوك النشاز في إدارة الدولة ، وابسط مثال على ذلك مراجعة افتتاحيات صحيفة “العدالة” التي نشرت بقلم السيد عادل عبد المهدي ، ومنها يمكن استخلاص الاف الأفكار ، لكن اليات تنفيذ هذه الأفكار تصطدم كليا بمفاسد المحاصصة ، هنا ظهرت خطابات وبيانات السيد عبد المهدي وكأنها خارج السياق المنهجي لاقتراح الحلول ، كما كان برنامجه الحكومي واعدا بالأفكار دون اليات التنفيذ، وهكذا هو حال الناطقين الرسميين باسم أجهزة الدولة ولعل إعادة تكليف الفريق عبد الكريم خلف بمهمة الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة يوازن الأمور قليلا .
لذلك لم تظهر في قرارات مجلس الوزراء او مجلس النواب ما يشفع لمثالب أحزاب السلطة عند الشعب المتظاهر، فيما اكتفت هذه الأحزاب بالحديث عن مؤامرة خارجية، وهذه القوى ذاتها، تفتح أبواب الحرمان مشرعة لدخول رياح التغيير، وربما ايضا ان توظف هذه الرياح من جهات اجنبية، مثل هذا الاكتفاء بتكرار الحديث عن المؤامرة دون التماس طرق الحلول الكفيلة بالحد من الفقر والحرمان المجتمعي، تجعل الشعب، بمن فيهم من يحسبون حصرا كجمهور للأحزاب المتصدية للسلطة، يطلقون رصاصة الرحمة على مفاسد المحاصصة.
كيف يمكن ان تنتهي الأمور ؟؟
وقائع تطورات تظاهرات الاحتجاج، انها تمد بمقومات الديمومة والاستمرار، في نموذج شعبي متصاعد، لابد وان تكون خاتمتها اكثر سوءا لارتباطها بدماء زكية تهدر على مذبح الحرية المتجدد في عراق اليوم، والأفضل ان تتسارع خطوات هذه الاحزاب للاعتراف بذنوب مفاسد المحاصصة، وتطبيق الدستور بالمواد الكفيلة بالتغيير المنشود شعبيا، قانون جديد للأحزاب والانتخابات، وحكومة تصريف اعمال بانتظار انتخابات مباشرة بإشراف اممي يشارك فيه القضاء العراقي.
عندها تحبس الدماء الزكية لشعب عانى الحرمان مرارا وتكرارا، وتغلق معه أبواب الحديث عن مؤامرة تستهدف عملية سياسية فاشلة.