الدور الأمريكي في الاحداث الاخيرة التي تدور في منطقتنا الملتهبةبالصراع, أخذ منحىً جديداً. الولايات
المتحدة الأمريكية اليوم برغم انحيازها المطلق لإسرائيل الا انها أصبحتتتعامل مع ألد أعدائها إيران ببراجماتية عالية. هذا التغيير لم يطرأ عليهافقط بل أيضا على أعدائها اللدودين, وأصبحت مقبولة لديهم… طبعاً التفسير المقنع لذلك… هي سلطة المصالح المستحكمة في رقاب الدول كماالأفراد.
لذا فإن ما ذهب إليه الشاعر الكبير محمود درويش, قبل عقود, عندما قال : ” أمريكا هي الطاعون والطاعون أمريكا “, فقد راهنيته اليوم .
الترتيبات التي أقرت بين امريكا الشيطان الاكبر وأخطر دولة فاعلة في محورالشر إيران, على هامش التصعيد الاسرائيلي بقصف القنصلية الإيرانية فيدمشق, تؤكد وتشي بمؤشرات تحول في العلاقة, رغم كل العقوبات التيترزح تحتها الجمهورية الايرانية. حيث يجري اليوم رسم أطر نشاط وتنسيقمشترك لإبقاء التشنجات والرد عليها في حدود رفع العتب.
الاتفاق الضمني كما هو معلن كان بالإبلاغ الرسمي الإيراني المسبقللامريكان بالتعهد بمحدودية الرد, حسب تصريحات مسؤولين إيرانيينمرموقين, كأن يكون, كما أرى, موقعاً جغرافياً معزولاً كمثل ميناء إيلات علىالبحر الأحمر الذي قال عنه عبد الباري عطوان: ” في إيلات قاعدين بيكشّوذبان ” بعد توقف النشاط فيه بسبب تهديدات صواريخ ودرونات الحوثيين.
مما يعني الطلب, ضمناً, من الجانب الآخر, اسرائيل, بتفهم مبررات الهجوم, وعدم الرد وتهدئة الأجواء, خصوصاً مع عدم سقوط ضحايا إسرائيليين, وإبقاء الصراع في إطار المناوشات الإعلامية والتهديدات اللفظية.
ثم ان ايران التي لم تخض حرباً مباشرة منذ انتهاء حرب الخليج الثانية معالعراق عام 1988 غير راغبة في خوض غمار حرب مدمرة تأكل الأخضرواليابس في تجربتها الفريدة. وهذا قد يكون محفزاً لرسم خارطة تطبيععلاقات جديدة مع الامريكان.
وهذا لايلغي بقاء الولايات المتحدة الأمريكية رهن الاشارة, والاستعداد الدائمللدفاع ونجدة ربيبتها ” ظالمة او مظلومة “.
وحتى سيطرة الحرس الثوري الايراني في مضيق هرمز على السفينةالبرتغالية الذي يملك جزء من أسهم شركتها مليونير إسرائيلي, يمكن أنتكون دافعاً للمساومة والتفاهم أكثر منها فعل عدائي.
العراب الأمريكي يحقق نجاحاً كبيراً في احتواء الآخر, من خلال ما جرىمن توافقات ما تحت الطاولة مع الإيرانيين, والضغط لثني الطرف الإسرائيليالمتعجرف عن رد الصاع صاعين والتحلي ببعد النظر, لاسيما وان أضرارالهجوم الإيراني طفيفة, وعدم التفريط بالتقدم الحاصل من التوافقات وبعثرةالبادرة الجديدة.
وقد تكون الظروف الاقتصادية في إيران وانخفاض أسعار التومان الإيرانيمقابل الدولار, والتوافقات والترتيبات بعد الأحداث الأخيرة ستكون أساساً لاسترضاء إيران وترويضها للتخفيف من غلوائها في العداء للولايات المتحدة, مقابل التخفيف من ثقل العقوبات ضدها بتجميد بعضها.
المواطن العربي والفلسطيني بالخصوص وحتى من دول إسلامية رحبوابالهجوم على الكيان واعتبروه عقاباً
على جرائمه ومجازره طوال 75 عاماً من الاحتلال, ضد الفلسطينيين والعرب, يندى لها الجبين, يحدوهم الأمل في إحقاق الحقوق. واكثر المغتبطين بالحدثكان مواطن غزاوي صرح قائلاً : ” إحنا والله مبسوطين اكثر شي عشانسما غزتنا, لأول مرة, هادية “.
لكن شكلية الرد الايراني لرفع العتب واعلان بعثة ايران بالامم المتحدة ” يمكن اعتبار الأمر منتهياً”. ولدت خيبة أمل كبيرة…
منطق العواطف الفردية, للأسف, لا ينسجم مع منطق المصالح وأولوياتالدول.
وبالاساس فإن هذه المناوشات الاسرائيلية الايرانية ليست لها علاقة بقضيةفلسطين ولا بمعاناة أهل غزة !!!
ومع عدم وجود بنود منشورة للاتفاق الايراني الامريكي, فان مسار الأحداثيشير إلى احتمالية حصول خداع امريكي للإيرانيين بالتعهد بمنع إسرائيلمن الرد العنيف. فمن طبيعة الأشياء فإن هناك شيء مقابل شيء, فالأمريكان الذين فرملوا جماح الضربة الايرانية, يقفون عاجزين عن تهدئةجنرالات الحرب في الكيان الذين توّعدوا بهجوم مباغت وموجع لإيران ومنيصطف معها من دول المنطقة. بالتأكيد لا ينبغي استبعاد رضوخهم للضغوطالأمريكية ,بالنهاية, والاكتفاء بوخزة دبور لإيران, إرضاءاً, على الأقللجمهورهم المرتعب .
الآن وبعد أن احتفل الجانبان بالنصر كلٌ لأسبابه, والإسرائيليونبالخصوص, صرحت احدى عضوات الكنيست : ” الآن إستعدنا صورةالضحية من جديد ” !
كل الأطراف المشاركة بالصراع لا تهمها موضوعة ” سيادة الدول ” لاالامريكان ولا ايران ولا اسرائيل, فرغم ما ذكر أن السلطات الإيرانية أبلغتالعراق بمساعيها لاختراق اجواءه واستخدامها كممر لصواريخها وطائراتهاالمسيرة, فإنها لم تنتظر الموافقات الرسمية للسلطات العراقية على ذلك, كذلكالأمر مع الأمريكان حيث تستبيح طائراتهم الأجواء العراقية وتجوب فيهالصيد مسيرات وصواريخ ايران… لذا أصبح الحديث عن السيادة الوطنيةمجرد نكتة سمجة.
قد تنصح الولايات المتحدة الأمريكية التي تلعب دور فاعل خير, الطرفينالمتناحرين, بالاكتفاء بالحرب غير المباشرة بالوكالة مثلاً او السيبرانية بينهما, والحرب الكلامية, واطلاق يد إسرائيل, من ثمة, للتفرغ لشؤون غزةوالاستفراد بشعبها الجريح واستكمال الإبادة.