22 نوفمبر، 2024 1:12 م
Search
Close this search box.

من يصدّ العاصفة عن اقليم كردستان

من يصدّ العاصفة عن اقليم كردستان

جميل جدا ان تبحث القوى السياسية الكردستانية ومنظمات المجتمع المدني والنخب الثقافية والاجتماعية والقانونية ، عن افضل النظم السياسية من برلمانية او رئاسية او غيرها لادارة وحكم الاقليم ،بما في ذلك موقع وصلاحيات رئيس الاقليم ومؤسسة الرئاسة . ولما كان البرلمان السلطة الشرعية لاقرار نظام الحكم فلا احد يمكنه انكار حق كتله النيابية من تقديم المشاريع والمقترحات لتطوير نظام الحكم في كردستان وجعله مؤهلا وقادرا على تلبية طموحات شعب كردستان وصيانة حقوقه وحرياته وتأمين الامن والاستقرار له ، وتوفير معيشته وتقديم الخدمات الحيوية له .سيما وان كردستان اجتازت مرحلة ليست قصيرة في ممارسة الحكم والادارة الذاتية وتراكمت لدى النخبة السياسية خبرات وتجارب لا يستهان بها ، واصبحت للاقليم علاقات خارجية وطيدة مع اكثر القوى العالمية فعالية .
وفيما عدا السنتين الماضيتين حيث شهد الاقليم ازمة مالية خانقة تبعتها ازمات متلاحقة في نقص الخدمات وانعدام مشاريع البنية التحتية وندرة الوقود والكهرباء وتأخر الرواتب بسبب عوامل في مقدمتها اصرار حكومة بغداد على قطع المستحقات المالية عن الاقليم كطريقة رخيصة لمعابقة حكومتها عن مواقفها السياسية ، والحرب التي فرضها داعش ، وكذلك عدم نجاح عملية استثمار وبيع نفط الاقليم وعجز القائمين، لحد الان، على السياسة النفطية من تامين موارد بديلة عن الميزانية الاتحادية. نقول فيما عدا الفترة المذكورة ، كانت الاوضاع في الاقليم حسنة ،وكانت القوى السياسية تستلم اموالا من الحكومة، تصرفها على مقراتها ونشاطاتها الحزبية بكرم وسخاوة سدّت ابواب الشكوى والتذمر لديها ،كما يحصل الان حيث ندرت الموارد لديها فكثرت الشكاوي.
ونعود الى اصل الموضوع ، اي المفاضلة بين نظام الحكم البرلماني او الرئاسي وصلاحيات رئيس الاقليم، ونتسائل هل ان القوى السياسية التي قدمت مشاريعها لتعديل قانون رئاسة الاقليم ،تودّ حقا تطوير نظام الحكم في كردستان ،وجعله اكثر انسيابية لخدمة الشعب واكثر ملائمة لواقع الاقليم وطموحاته الاقتصادية والسياسية  ،وقطع الطريق على نشوء دكتاتوريات فيه؟
في الحقيقة كنت اتمنى ذلك ، لكن الاجابات تأتي سلبية وتنفي ان تكون المخطط الهادف من وراء مشاريع الاحزاب الاربعة المقدمة ( الاتحاد الوطني وحركة التغيير والاتحاد الاسلامي والجماعة الاسلامية )الى البرلمان لتعديل قانون رئاسة الاقليم منسجما مع المصلحة العليا لشعب كردستان ، انما يبدو لنا من التصريحات الجانبية وحتى الرسمية وما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي من تعليقات لبعض كبار قيادات هذه الاحزاب ، وافصاحها عن رغبتها بانهاء عهد (هيمنة البارتي)على الحياة السياسية في كردستان،تبين  ان الغرض من هذه المشاريع هو السعي لوضع الحزب الديمقراطي الكردستاني في زاوية ضيقة ،ومصادرة نجاحه وكسبه اصوات الشعب وكونه الفائز الاول في الانتخابات وذلك من خلال ضرب موقع رئاسة الاقليم وجعل رئيس الاقليم يمارس مهمة تشريفية محدودة ومن غير صلاحيات حقيقية. وبهذا المخطط تعتقد الجهات صاحبة المشاريع، ان ردود الفعل لدى البارتي قد تفقده الحكمة او تجعله يتصرف بعيدا عن حساسيات المرحلة ومتطلبات المصلحة العليا لشعب كردستان ،في محاولة للنيل من مصداقيته وسمعته وعلاقاته الخارجية وبالتالي يسهل عملية تحجيمه وتقليص نفوذه . او ان البارتي سيضطر للخروج من عملية الوفاق الوطني ويطالب باستحقاقاته القانونية ،مما يوفر لهم حجة لاقامة اقليم اخر في ما يعرف بالمنطقة الخضراء، وهو اقليم يدعو اليه البعض علنا . ربما الاخطر من ذلك تندلع حرب داخلية اخرى يضطر البارتي من جرائها للانكماش والانسحاب بحكومته الى محافظة دهوك، كما يحلو للبعض ابداء توقعات على هذه الشاكلة. او على اقل تقدير يجري البارتي صفقات سياسية مع هذه الجهات بمنح بعضها مواقع اضافية وبعضها موارد مالية من خزينة الاقليم التي تعاني اصلا.
والا فليس هناك من يعارض الحكم البرلماني في كردستان وهو قائم فعلا . والقول ان النظام الرئاسي وحده يتسبب في نشوء دكتاتوريات قول غير صحيح، فقد انجب النظام البرلماني في العراق نوري المالكي ، ولم يكن المرحوم عبدالكريم قاسم رئيسا للدولة ولم يكن ادولف هتلر الا رئيسا للوزراء. ان القول ان الصلاحيات القانونية لرئيس الاقليم الحالية قد تنشأ نظاما دكتاتوريا قول غير صحيح والغرض منه هو تجريد السيد مسعود البارزاني حصرا من صلاحيات رئيس الاقليم ،والادعاء خلاف ذلك والقول ان الموضوع ليس شخصيا لا يقنع اي عاقل ، اذ لا يوجد اليوم على الساحة السياسية من هو قادر على منافسة مسعود البارزاني ، والجهات الاربعة تعي هذه الحقيقة تماما ومقتنعة ان البارزاني سيفوز بولاية اخرى ولذلك لا تتجرأ على طرح اي مرشح اخر لرئاسة الاقليم . ويحق لنا ان نسأل اولئك الذين يخشون من دكتاتورية مسعود البارزاني ونقول لهم :اين هي تلك الدكتاتورية، ارشدونا لقرار واحد فقط وخلال عشر سنوات من رئاسته ،يشم منه رائحة الفردية والدكتاتورية ؟ اصلا هناك الكثير من يأخذ على البارزاني انشغاله بالسياسة الخارجية اكثر من اهتمامه بالشأن الداخلي وترك شؤون الحكم بمجملها لمجلس الوزراء ، وهناك من يرى ان بعض الوزراء يفعل ما يحلو له دون رقيب او حساب.يأمر وينهي  ويعين ويصرف ويعزل وحتى خلاف القانون ولا احد يوبخه.بل ان هناك من يعتبر موظفا ويتصرف وتخرج عنه تصريحات وكأنه يحوز صلاحيات رئيس الاقليم . اين هم اولئك الذين اعدمهم او اعتقلهم او عزّلهم مسعود البارزاني لانهم اختلفوا معه في الرأي كعادة اي دكتاتور؟ اين هم الذين اجبرهم البارزاني للانتماء الى حزبه مثلما يفعل اي دكتاتور.  اسمعتم عن مسعود البارزاني انه اصدر امرا( اعطوه الف الفا )كي تخشوا ان ينقلب الى دكتاتور؟ نعم هناك اقارب لمسعود البارزاني في مواقع المسؤولية ،ولكن لغيره ايضا اقارب وزراء وبرلمانيون وقادة بيشمركة. اليس ابن نائب رئيس الاقليم وزيرا ونجل مام جلال نائبا لرئيس الوزراء ،انا لا اعتراض لي على ذلك ولكن لماذا حرام على مسعود البارزاني وحلال لغيره.
 اما ان يكون السيد مسعود البارزاني مرجعا لشعب كردستان وقواه السياسية ومعروفا بهذه الصفة على النطاق الوطني والاقليمي والعالمي فليس الفضل في ذلك لما يتمتع به من صلاحيات رئاسية ، انما ناجم عن نضاله التاريخي وحكمته واخلاصه لشعبه بالدرجة الاولى، وثقله السياسي والاجتماعي والعائلي .وقد استنجدت به العديد من هذه الاطراف الكردستانية لوضع حلول لمشاكلها الداخلية وليس بصفة رئيس الاقليم او لسبب امتلاكه الصلاحيات انما لكونه مسعود بارزاني . وحتى في حالة ترك مسعود البارزاني لموقعه كرئيس للاقليم سيبقى مرجعا للقرارات المصيرية ، وليس مرجعا للبارتي وحده ، انما حتى لاولئك الساعين لسحب صلاحياته . ومن الافضل ومن مصلحة شعب كردستان عدم اثارة عواصف قد يصعب السيطرة عليها ، والعودة الى مبدأ التوافق والتصرف بعقلانية وواقعية ، فالمرحلة خطيرة وتصفية الحسابات الشخصية يكلّف كردستان ثمنا قد لا تكون قادرة على الايفاء به.ولن يخرج منتصر من معارك تصفية الحسابات الشخصية ابدا، الكل سيخرج مهزوما ومثخنا بالجراح.
في الاخير اتمنى ان يكون بعض اعضاء ومناصري الحزب الديمقراطي الكردستاني اكثر اعتدالا ،وتجنب اتهام هذه الدولة الاقليمية او تلك بالوقوف وراء العاصفة  او استهداف موقع مسعود البارزاني، فمن مصلحة تركيا وايران وكل الدول الجارة  ان تسير الامور في كردستان  بهدوء سيما وان البيشمركة الابطال قد حققوا نجاحات باهرة في المعركة العالمية ضد الارهاب والارهابيين الذين يقفون على مسافة قصيرة من حدود هذه الدول. ومن مصلحة هذه الدول ان يجدوا في كردستان رئيسا يجيد التصرف ويضبط الامور ويتمتع بثقة ومحبة شعبه ، ويسعى لتجنب المنطقة الحروب والويلات. ان العلة فينا والفتنة نائمة لا يجب ايقاضها.
[email protected]  

أحدث المقالات