18 ديسمبر، 2024 8:02 م

من يشكل خطرا على المنطقة؟

من يشكل خطرا على المنطقة؟

منذ الاعلان عن موعد الاستفتاء في اقليم كوردستان ومن ثم اجراؤه في الخامس والعشرين من شهر ايلول الماضي، لم تتوقف تهديدات الحكومة العراقية والكثير من السياسيين العراقيين، بل والدول المجاورة وعلى رأسها ايران وتركيا بالتدخل العسكري في الاقليم0
حكومة بغداد تتحدث عن ضرورة وحدة العراق أرضا وشعبا وعدم السماح بتجزئة العراق0 الكورد أكدوا مرارا انهم يعملون من أجل الاستقلال عن العراق وليس لديهم أي نية لتجزئة العراق أو تقسيمه0 أما البعض من السياسيين العراقيين فقد حذروا من ” اسرائيل ثانية” في المنطقة0 هذا الموقف صدر في الوهلة الاولى من ايران، وسرعان ما أعلن رئيس دولة القانون نوري المالكي نفس الموقف تجاوبا مع الموقف الايراني0
فاذا كانت الحكومة العراقية تؤمن حقا بوحدة العراق وسيادته كما تدعي، فكيف لها أن تلتزم الصمت حيال التهديدات الايرانية والتركية باقتحام اقليم كوردستان؟ ولماذا لاتقول لهاتين الدولتين أن لاتتدخلا في الشؤون الداخلية للعراق؟ على العكس، فقد بدأت الحكومة العراقية بالاستقواء بالدول المجاورة ضد الشعب الكوردي الذي راحت تتباكى عليه في الاعلام وتؤكد حرصها عليه من أي سوء يصيبه0
رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قام ويقوم بخطوات مجحفة بحق اقليم كوردستان وذلك بضغط من ايران ومن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي يريد دفعه الى الحرب مع الاقليم وبالتاي اشغاله واضعافه ومن ثم تهيئة الاجواء لنفسه للسيطرة على زمام الامور في العراق بمساعدة مليشياته المسلحة ومن ثم تصفية حساباته مع الاكراد والعرب السنة وتوسيع دائرة نفوذ ايران في العراق0
ايران وتركيا تقولان ان الدولة الكوردية ستكون مصدر اضطرابات في المنطقة وتهدد أمنهما القومي0 لنبدأ من تركيا أولا0 قواتها دخلت بعشيقة ، فاكتفت الحكومة العراقية باستنكار فعلتها0 أما طائراتها العسكرية فتخترق الأجواء العراقية بين فترة وأخرى بحجة ضرب قواعد حزب العمال الكوردستاني0 فتركيا لاتحترم سيادة العراق ولا تعير أي اهتمام لصراخ الساسة العراقيين0
اردوغان أهان العبادي مرات عديدة بسبب حديث الاخير عن وجوب انسحاب تركيا من بعشيقة0استهزأ به في مناسبات مختلفة، وقد قال عنه في أحد المرات” أنت لست ندي ولست بمستواي وصراخك في العراق ليس مهما بالنسبة لنا على الاطلاق0 فنحن سنفعل مانشاء وعليك ان تعلم ذلك وعليك أن تلتزم حدك أولا”0 وها هو العبادي يستنجد به اليوم لمحاربة الشعب الكوردي0
تركيا تدخلت في الشأن السوري، كما وقدمت السلاح والمال للتنظيمات المتطرفة التي تقاتل النظام السوري، وقدمت تسهيلات ومساعدات لما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية على مرآى ومسمع من العالم وبتأكيدات من أميركا والدول الغربية وحتى من العراق وايران والنظام السوري نفسه0 من هذه النماذج التي ذكرناه، نستنتج ان تركيا هي احدى مصادر الاضطرابات في المنطقة0
أما حديثه عن ما أسماه تعاون اسرائيل واقليم كوردستان، فيثير السخرية، لانه كما هو معرف، كان حليفا لاسرائيل وتعاون معها على مختلف الاصعدة ، بالظبط كما كانت الحكومات التركية تفعل قبل مجيئه هو الى السلطة0
يتحدث بنفاق عن حقوق التركمان في العراق في وقت يعادي فيه الشعب الكوردي في تركيا بكل ما أوتي من قوة0 على سبيل المثال لا الحصر، دمر أكثر من مدينة كوردية في السنتين الاخيرتين وزج العديد من البرلمانيين الاكراد في السجون بتهم باطلة0 أما الانقلاب الذي شهدته تركيا لم يكن في الواقع غير مسرحية للتخلص من معارضيه ليكون الحاكم الأوحد في البلاد0 إذن لايمكن لشخص مثله أن يتحدث عن حرصه على وحدة الشعب العراقي وهو يعادي أكثر من نصف شعبه من مخلف الفئات0
لقد أستغل أردوغان مسالة الاستفتاء في اقليم كوردستان للتقرب مرة أخرى من الحكومة العراقية بعدما اتهمته في أكثر من مناسبة بالتدخل في الشؤون الداخلية للعراق0 وبدأ في نفس الوقت بالتقرب من ايران والتعاون معها لتضييق الخناق على حزب العمال الكوردستاني0 خلافات ايران والعراق وتركيا ليست حديثة العهد وانما تمتد لسنين طويلة، لكن هذه الدول ترمي خلافاتها جانبا وتتحد فيما لو تطلبت الامور ايذاء الشعب الكوردي0
أما ايران فحدث ولاحرج0 فهي المصدر الرئيسي للاضطرابات في المنطقة0 تتآمر على السعودية والبحرين. تتدخل في اليمن وتسببت في مصرع الآلاف من أبناء هذا البلد0 تعمل على تقوية حزب الله اللبناني بغية اضعاف الحكومة اللبنانية0 أما مليشياتها في العراق فتتحكم بالكثير من مفاصل الدولة العراقية0 هذه السياسات هي التي تثير الاضطرابات في المنطقة وليس مطالبة الشعب الكوردي باستقلاله0 فالشعب الكوردي يمد يد الصداقة للجميع ولايتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الاخرى ولعب دورا كبيرا في القضاء على داعش في أكثر من مدينة ومنطقة داخل العراق0
ان الدول العربية والاسلامية عليها أن تتفهم رغبة الشعب الكوردي في الاستقلال، لا أن تعاديه بغير وجه حق وبتبريرات لا أساس لها من الصحة0 فلا الاسلام يتنكر لحقوق الشعوب ولا الأعراف الدولية تقف بالضد منها0
ان معاداة تركيا وايران لاستقلال كوردستان العراق لايأتي حرصا منهما على وحدة التراب العراقي، وانما خوفا من امتداد حمى الاستقلال الى الشعبين الكورديين على ترابهما0
أما الامين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله الذي أسس دولة عسكرية داخل الدولة اللبنانية بقوة السلاح وبدعم من ايران، فقال في كلمة ألقاها بمناسبة ذكرى عاشوراء، ان ما يجري في كوردستان العراق يهدد المنطقة0 هذا الكلام يأتي في وقت يوجه نصر الله بنادقه نحو صدور أبناء الشعب السوري دعما لنظام ظالم قتل الآلاف من أبناء هذا الشعب وشرد الملايين منهم0 هذا التطاول على الشعب الكوردي لم يأت من باب الصدفة، وانما بأوامر من طهران0
أما موقف الأزهر من قضية استفتاء اقليم كوردستان فكان مجحفا ومخجلا وسياسيا منحازا بامتياز0 هذا الموقف لايتماشى مع تعاليم الاسلام مطلقا ولايمكن تبريره، لانه لايستند الى أي حقائق، بل جاء لارضاء من يعادي حقوق الشعب الكوردي وهو نابع من عقلية شوفينية0
الكثير من الساسة العراقيين وجدوها فرصة للمزايدة بوطنيتهم وحرصهم المزيف على بلدهم الذي دمروه ونهبوا خيراته وأرجعوه الى الوراء عشرات السنين0 فبدلا من تقديم الماء والكهرباء والخدمات البسيطة الاخرى لابناء شعبهم ، نراهم يدقون طبول الحرب ويقومون بزرع الكراهية ضد الاكراد0 ولكن اذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، كما قال أبو القاسم الشابي0
باعتقادي من أراد أن يجرب حظه في محاربة الشعب الكوردي، عليه أن يتعلم من دروس التاريخ، والا سيواجه الفشل الذريع، والتاريخ لايرحم0