إن الثقافة لا تباع ولا تشترى كما أن الثقافة لا تولد مع الكائن البشري وتنمو مع نموه بل يكتسبها من خلال تجاربه وبحثه عن المعرفة والمعلومة ولكن يبدو ان الثقافة في عصرنا الحالي تحولت إلى بضاعة يتناقلها الناس وأصبحت الثقافة تجارة يربح منها مدعيي الثقافة وصانعي الاخبار والانباء
اننا لا نريد التهجم أو استعداء احد من خلال ما نقوله ولا نريد أن نسيء لشخص أو جماعة من خلال مقالنا ولكن كل ما نريد الغوص فيه هو تشريح الواقع الثقافي في عصرنا الحالي وان نجرد الثقافة من سارقيها
فإننا اليوم أمام نوعين من حاملي الثقافة
١- المثقفون و٢- المستثقفون
فكلنا يعلم من هو المثقف ولسنا بصدد تعريفه الآن ولسنا أيضا في اعطاءتوضيح لمعنى كلمة مستثقف لانها واضحة المعالم ولكن ما نريد التحدث به هو طرح تساؤل منطقي مفاده
من هو المسؤول عن ظاهرة تكاثر المستثقفين في حياتنا
ومن الذي يقدم الدعم لهم ويجعلهم يتصدرون منابر الثقافة والإعلام في عالمنا العربي
حنى بتنا نعيش حالة من العهر الفكري والثقافي
والسؤال الآن اين تكمن المشكلة واين يوجد العطب في ثقافتنا العربية
اولا-هل العطب يبدأ من المثقفين أنفسهم لانهم تركوا فراغا في الساحة الثقافية وانكفئواوفضلوا الوقوف على الاطلال وجعلوا من الانطوائية شعارا لمسيرتهم الثقافية ووقفوا عند انجازاتهم الإبداعية وهللوا لنجاحاتهم الفكرية وسمحوا لغزاة الثقافة ان يبنوا مستوطناتهم الفكرية في أراضي الفكر الخصب وان يعيشوا فسادا وتخريبا للعقول دون أن يفعلوا اي شيئ أو ان ينصبوا لهم روادعا فكرية حتى احتل المستثقفون أوطاننا الثقافية وسهل لهم تسريب أفكارهم عبرها مما مهد لأولئك التربع على كراسي الحكم الثقافي وأخذوا يصدرون أوامرهك الإقصائية بحق المثقفين وأحكامه الانتقامية منهم
ثانيا-ام ان الحكومات العربية كانت السبب الرئيسي في التعتيم على المثقفين والمفكرين كي يبقى الحكم لهم ويبقى فسادهم خلف الستار لا يراه أحد ولا يشار له بالاصبع ولا يحاسب صاحبه لذلك قامت الحكومات بإقصاء المثقفين من الساحة الثقافية العربية وتركوا المجال لأولئك المستثقفين يطبلون ويزمرون للحكام و لانجازاتهم وتحول المستثقفون الى ابطال وطنيون ورموز عربية وبتنا نشاهدهم يتصدرون كافة المنابر الاعلامية العربية من أقصى الغرب الى أقصى الشرق لا بل أصبحوا زعماء فكر يوجهون شبابنا على الطريق الذي يريدونه والذي يريده حكامهم
ثالثا-ام أن العطب في شعوبنا التي جعلت من الرفاهية الإعلامية المتمثلة بالأجهزة والتواصل الحديث مصيرهم الثقافي الأول ومصدرها في إعطاء التشريع القانوني للثقافة والمثقفين لا بل وجد الكثير من شبابنا في هذه الايام فرصة لإعطاء أولئك المستثقفين مجالا للسيطرة على عقولهم و ضمائرهم وحتى قلوبهم و باتوا يركضون وراءهم في السراء والضراء وسمحوا لأولئك بسرقة أفكارنا والتحدث بها نيابة عننا
وهذا ما يجعلنا نفتح الباب على امر اخر وهو سرقة الافكار
حيث اصبحنا في الآونة الأخيرة أمام ظاهرة غريبة وهي سرقة الأفكار والمعلومات
فكم من مقال أو مشروع فكري او تحقيق اجتماعي أو فكرة اعلامية او تجربة صحفية تم سرقتها من صاحبها في السنوات الماضية دون ناصر لأصحاب الأفكار
الحقيقية
ودون وجود قانون جامع وحامي للمثقفين من سراق الأفكار
يبدو أن عملية سرقة الأفكار ستنتشر بكثرة طالما لا يوجد من يحمي الفكرة والثقافة من السرقة والاحتيال الفكري
ويبدو أن عالمنا العربي أمام ظاهرة انتشار المستثقفين و تمددها لتصبح كالطاعون الذي ينهش الجسد الفكري في عالمنا العربي
وهنا لا بد من تحصين الثقافة من أولئك المجرمين
والسؤال هنا كيف نحمي أنفسنا من مدعيي المعلومة والفكرة
فحماية الثقافة ليست عملا فرديا يقوم به كاتب أو مثقف من خلال مقال او محاضرة او ندوة
وليست عملا يقع على عاتق وسيلة اعلامية واحدة أو مجموعة من المثقفين
و لا يتوقف على رئيس تحرير جريدة واحدة أو إعلامي يتربع منبر إعلامي
بل هذا الامر بحاجة إلى جهود كل المفكرين والمثقفين العرب وهذا لابد من توافر الحماية الحكومية لهذا الجهد والا فإن الطاعون الفكري سيأكل جسدنا بأكمله ونحن ما زلنا نتفرج على عملية ذبح الثقافة بأعيننا
ان لم نبدأ منذ الان فان المشكلة ستكبر ككرة الثلج وعندها لا تفيد اية وسيلة او طريقة لتحمي ثقافتنا العربية
فعلينا العمل منذ الان
لاننا ان لم نقضي على هذه الظاهرة المستشرية فوضعنا الفكري في خطر
وعندها لا ينفع الندم