23 ديسمبر، 2024 3:45 ص

من يثق بمن لديه مثل سجلِّكُم ياسيد عراقچي ؟!!

من يثق بمن لديه مثل سجلِّكُم ياسيد عراقچي ؟!!

قام السيد عباس عراقچي خلال الأيام القليلة الماضية بجولة شملت بعض دول الخليج العربي لبحث اعلان الدكتور جواد ظريف وزير خارجية ايران الداعي الى عقد معاهدة عدم اعتداء بين ايران وهذه الاقطار من اجل تطمينها بشأن ” نوايا ايران الحسنة ” تجاهها !! لا اعرف على وجه الدقة مالذي خرج به السيد عراقچي من جولته ، لكنني اود ان أبدي بعض الملاحظات بصفتي مراقب عايش الشأن الايراني فترة طويلة وكتبت فيه الكثير.
اي دارس مبتدأ في العلوم السياسية يعرف ان المعاهدات هي عبارة عن ورقة تعهد تعني ، من بين امور اخرى ، شيئاً اساسياً : انها تعكس نقطة الصفر في توازنات القوة بين المتعاقدين بحيث يصبح امر ادارة العلاقات بين المتعاقدين من خلال وسائل القوة امراً مكلفاً للجميع ؛ ويستعاض عن ذلك باتفاقات تنظم ادارة هذه العلاقات ، ومنها اتفاقيات عدم الاعتداء ؛ ولكن هذا النوع من الاتفاقات يحمل في طياته اقراراً بالأمر الواقع Status Quo ؛ بمعنى ان اي طرف من الاطراف المتعاقدين سيخرج محتفظاً بحصيلة مكاسبه او خساراته التي ترتبت عن المرحلة التي سبقت الاتفاق . واذا ترجمنا ذلك على ارض الواقع القائم حالياً في المنطقة فان ذلك يعني ان العراق سيظل تحت الهيمنة الايرانية واذرعها من المليشيات المسلحة التي رُتبت بالاتفاق بين المحتل الامريكي – الصهيوني من جهة وبين ايران من جهة اخرى ، وان ايران ستظل في سوريا جاثمة بمليشياتها الافغانية والپاكستانية وبعض التنظيمات المسلحة العراقية الى جانب المحتلين الروسي والتركي . وفي لبنان سيبقى حزب الله عامل التعطيل المسلح الوحيد القادر على اخذ لبنان حيث تشاء إرادة الولي الفقيه ومصالحه ، وفي اليمن سيتحول الانقلاب الحوثي الى صيغة الحكم الدائم في البلاد ، وستتحول حكومة هادي الشرعية الى كيان خارج عن القانون وعن الشرعية الدولية . ولمن لايعرف ماتعنيه اتفاقية عدم الاعتداء أقول له بكل بساطة انها تعني كما يقول المثل العراقي ان يخرج الجميع من اللعبة و” كلمن حلّه بايده ” ، اي يحتفظ الكاسب من اللعبة السابقة بكسبه ، ويقبل الخاسر بخسارته باعتبارها امراً واقعاً تم الاتفاق على تكريسه !!

الامر الاخر الذي تتعين الإشارة اليه هو قيمة الاتفاق كضمانة ، اذا ماقبل الاطراف بمبدأ تكريس واقع الربح والخسارة ، باعتبار ان الخاسر يريد ان يتجنب مزيدٍ من الخسارة وان الرابح قد اقتنع بربحه باعتباره هدفاً قد تحقق . هنا يدخل عامل الثقة التي يوحي بها سجل كل طرف بشأن مدى التزامه بما يقبله على نفسه من تعهدات بغض النظر عن تبدل الظروف . لن نذهب بعيداً بل الى تاريخ قريب .

في عام ١٩٧٥ وقع كل من صدام حسين والشاه محمد رضا اتفاق الجزائر المشهور ، وفور قيام ” الجمهورية الاسلامية ” توالت التصريحات من اعلى المستويات في النظام الجديد بأنهم لايعترفون باي اتفاق وقعه الشاه ، وكان واضحاً ، من لهجة التركيز على مهاجمة النظام في العراق وتحريض الشيعة العراقيين لإسقاطه ، ان المقصود كان اتفاق الجزائر ؛ بادرت الحكومة العراقية انذاك الى اعلان اعترافها بالنظام الجديد وتقديم التهاني ، كما وجهت مذكرة رسمية تلتها اخرى ( أودعت نسخ منها لدى الامم المتحدة ) تتضمن سؤالاً محدداً : هل مازال النظام الجديد يعتبر اتفاقية الجزائر نافذة المفعول ، وذلك في ضوء الإعلانات المتكررة لقادة النظام بأنهم لايعترفون باي اتفاق وقعه الشاه . حتى هذا اليوم لم يتلقى الجانب العراقي اي رد ، بل جاء الرد على الارض بموجة غير مسبوقة من القصف المدفعي والجوي للمدن الحدودية العراقية فضلاً عن الاعتداء بشكل يومي على مخافر الشرطة الحدودية ، وغير ذلك من محاولات الاغتيال لكبار المسؤولين العراقيين ومنهم السيد طارق عزيز ، ومحاولات تنفيذ عمليات انفجارات في أنحاء شتى مكتظة بالسكان ،،
واذا اخذنا ذلك نموذجاً لمدى التزام ايران بتعهداتها ، فكيف لنا ان نثق بورقة يوقعونها اليوم وينقضونها غداً ، وقد فعلوا ذلك مرات عديدة ، لانهم ببساطة يحلمون باعادة اقامة امبراطورية تصورها الفردوسي في ” الشاهنامة ” ، ويؤكد معظم الباحثين المتخصصين في الشأن الايراني انها نموذج لطبيعة عقلية النخبة الاجتماعية والسياسية والعسكرية في ايران ، وفي ظل مختلف أنظمة الحكم التي تعاقبت على ايران .
واذا تركنا ذكريات التاريخ وراجعنا بعض الوقائع القريبة ، فماذا سنرى ؟!
كم هو عدد المسؤولين الايرانيين الذين فأخروا بفتوحات ايران المعاصرة وتوليها الهيمنة على اربع عواصم عربية : بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء ؟! .. والحبل على الجرار !! هذا كلام لم يصدر عن صحفي او مراقب او محلل سياسي ، بل صدر على لسان علي اكبر ولايتي المستشار السياسي الأعلى للولي الفقيه ، وتكرر على لسان علي رضا زاكاني النائب عن طهران في مجلس الشورى واحد المقربين من المرشد ، وكذا فعل حيدر مصلحي وزير الاستخبارات خلال رئاسة احمدي نجاد ، ومثله الجنرال حسين سلامي القائد الحالي للحرس الثوري ، واخرون يصعب حصرهم وفي كل يوم تقريباً .. هؤلاء لاينطقون عن هوى بل يمثلون طبيعة عقلية النخبة الحاكمة والاحلام التي تراودها !!

ان المطلوب ليس اتفاق عدم اعتداء بل سياسة وسلوك عدم اعتداء ، وان يتم إثبات ذلك باعادة التموضع وانهاء الارتباط بالمليشيات المسلحة المنتشرة في عموم المنطقة وهي ليست سوى آفات من المرتزقة الآكلين من قوت الشعب الايراني المظلوم ، وهي عوامل تفتيت لكيانات دول المنطقة ووحدة شعوبها والتهديد الاكبر لاستقرار النظام الاقليمي ،، لم يفعل هذا النظام منذ قيامه حتى اليوم سوى ادخال المنطقة في معارك طائفية فرعية ، ومن يحصد ثمار سياساته هو طرف واحد : العدو الصهيوني !! أقول ايضاً للسيد عراقچي وبلهجة عراقية : العبوا غيرها ، هذه لعبة مكشوفة خبرناها من قبل ، وهي لاتعكس واقع سياستكم ولاجوهر أحلامكم التي لاتكتمونها حين تكونون في ظروف اكثر راحة وتتوفر لكم فيها رفاهية الخيارات ،، تختارون السيء دائماً !!