نخلُ السماوة في مهبِّ الوداع…
ليس من خصوصية في الأمر فالألم عامٌّ، والجرح عام، والتجاهل عام، والحياة عامة…
والأعمُّ من كل ذلك وصول نخبة من كبار الوطن إلى مناطق اليأس المطلق بسبب السوء الساطع لمسؤولي بلد أقلُّ ما يمكن أن يقال عنهم: إنهم خانوا الأرض، وقتلوا الأحلام.
تنطلق هذه الكلمات لتعبّر عن احتجاجها، وهي تقرأ القصيدة المعنونة (أزف الوداع) للشاعر والمناضل والإنسان الكبير (يحيى السماوي) المنشورة في ثقافية جريدة (طريق الشعب) الغرّاء، ليوم ١٦ أيلول ٢٠١٨
القصيدة التي تسحب القلب إلى واحة من الدموع، فقد أودع السماوي فيها لواعج المحب الذي يبحث عن مستقر له بين نخيل صباه وثلج غربته…
فيا أيها الشاعر الذي نحبه كما يحبه كل من سمعه أو التقاه أو قرأ له…
أيها الوطن المغادر والمسافر فينا…
عراقك الذي تراه على وجه أحبائك الأدباء ينتظرك ليعيش معك وفيك…
عراقك الذي يعنيك ويعنينا يتفاعل مع كل قطرة أسى تضمنتها قصيدتك…
فباسمك، وباسم اتحادك، وباسم المتبقّي من البلاد، نرفع أعتى الاحتجاج بوجه مسؤولين يتبجّحون باسم الثقافة، ولم يكلفوا أنفسهم عناء أن يسألوا عن رموزهم الثقافية، وقاماتهم الأدبية.
باسمك واسم قصيدتك نفتح بوابة الأمل بالخلاص منهم، هؤلاء الراكضين نحو السفر والمتع والتجاهل، مبذّرين لا باذرين، ومصرّين على اعتبار المناصب فيئا لهم ولأهليهم.
أيها السماوي الباسق في وجنات نخل أهلك حين (تطرّه سمره)، يا مانح المواقف ذروتها تمرةً اثر تمرة…
وداعك لقاءٌ لن يُرجأ، ومن وحي كتاباتك سنصنع الوطن المستحيل رغما عن أنوفهم الجاهلة.
واسمح لنا أن نختتم بقليل من ألمك حين تقول في وداعك الصاعد على قمه السبعين عاماً من البياض:
مَـدَّتْ إلـيَّ بـعـشـقِـهـا طـوقَ الـنـجـاةِ
وكـنـتُ قـابَ الـجـمـرِ أو أدنـى
مـن الـحَـطَـبِ المهيأ لـلـحـريـقْ
*
قـالـتْ : صـبـاح سـمـاوةِ الأرضـيـنِ..
قـلـتُ : مـسـاء حـزنِ الـغـربـتـيـنِ بــ “أرضِ كـنـغـرَ”
حـيـثُ لا جـارٌ يـدقُّ الـبـابَ..
لا نـخـلٌ أفِـيءُ إلـيـهِ..
لا قـمـرٌ يُـضـاحِـكُ لـيـلـيَ الـحَـجَـريَّ ..
لا شـمـسٌ تُـذيـبُ ضَـبـابَ مِـرآةِ اصـطـبـاحـي بـالـمـنـى
وتـنـشُّ ذئـبَ الـخـوفِ عـن غـزلانِ خـطـوي
حـيـن يـشـتـبِـكُ الـطـريـقْ
*
فـالـسـومـريُّ الـطـفـلُ شـاخَ بـغـربـتـيـهِ
ولـيـس مـن زهــرٍ يَـزفُّ الـى فـراشـاتـي
الـبـشـارةَ بـالـرحـيـقْ
*
أزِفَ الـوداعُ فـهَـيِّـئـي قـبـراً لـجـثـمـانِ الـصَّـبـابـةِ
والـنُّـعـاةَ لِـيـنـدِبـوا الـعـشـقَ الـخـرافـةَ لا الـعـشـيـقْ
*
لـم يُـبـقِ لـيْ جـمـرُ الـظـنـونِ
ســوى الـحـثـالـةِ مـن نـمـيـر يـقـيـنـيَ الـمـسـفـوحِ..
آنَ لـيَ الـتـرَجُّـلُ عـن صـلـيـبِ الـغـربـتـيـنِ..
ولـلـسـمـاوةِ ـ بـعـد طـولِ سُــبـاتِـهـا عـن مُـقـلـتـي ـ
أنْ تـسـتـفـيـقْ.
**********