الحب الغاية (2)
قلنا في المرة السابقة: لو أن عاشقين على وصالٍ دائم تمرّدا على الإمتزاج النفسي بطباع أرضية ، لإختارا البعاد عن قناعة ، ولو لحين ، حتى لا يتكدر صفو الإتصال الروحاني بسلوكيات متهورة .
والحب الغاية ياشهرزاد قد بلغ هدفه آنفا لكن سعادته لا تفتر كشوقه الدائم ، ومن كان هذا حاله فلن يجعل له هدفا آخر إلا دوام محبته ، فما حاجة العاشق الذي يبلغ قمة السعادة، ويتلذذ حتى بآهاته وحسراته الى طريق سعادة جديد ؟!.
أمّا المتحابان من غير إتصال نفسي فهما في غاية السعادة مع كل خطوة يخطوانها سوية نحو هدفهما المنشود، كأن يكون الرابط المقدس (الزواج )، فإن زالت نشوة بلوغ الهدف فتر الحب ، وتسامت السعادة كحلم قديم، والأوفياء والمخلصون في هذه الدرجات من المحبة يسعون جاهدين الى الحفاظ على حبل الوصل والمودة عبر هدف جديد، وكلما بلغوا الهدف صار الحب باهتا ، وافتقدوا طعم السعادة مرة أخرى ،وهم على هذا الحال، مادام الليل والنهار، بحاجة الى هدف متجدد يشعرهم بالبهجة ، وإستعار نار الحب .
وأنصح كل زوجين متحابين عصفت بهما التعاسة من غير أسباب ظاهرة بالسعي الى تحقيق حلم قديم أو مشروع إجتماعي أو تجاري ، أو إكمال دراسة طالما حلما بها لتتجدد لديهما السعادة والمحبة .
كما ترين ياشهرزاد الفرق واضح بين إرتباط قلبين وتمازج نفسين ، فالقلبان متقلبان وبحاجة دائمة الى خطوات نحو الأمام تشعرهما بالأمان ، والنفسان متجانستان ساكنتان لبعضهما وإنْ فارقت بينهما المسافات ، وحالت دون وصل العاشقَينِ الأقدار .
ولا أخفي عليك سرا إن قلت : إنني بحثت عن مفهوم (الحب الغاية) في عقول الناس وقلوبهم فلم أجد إلا النزر القليل ممن يفقهون هذا المعنى في زمننا هذا ، ومن بينهم عاشقون بلغوا إمتزاج نفوسهم مع نفوس من أحبوا ، وعاشوا أعظم إحساس روحاني لكنهم لم يدركوا فحواه، وهم في خوف دائم يبحثون عن أسباب مرئية للحفاظ على عشقهم النبيل، وكنتيجة حتمية لتصوراتهم الذهنية فقدوا تلك النورانية ، وتصادموا بطباع أرضية ، ولم تعد نفوسهم تسكن إلى نظيراتها إلا ما ندر ، وصاروا مع المتحابين بلا عشق سواء، لأنهم يبحثون عن أسباب بهجة جديدة لا تُرضي النفوس المتصلة في عالمها العلوي، فضاعوا وأضاعوا كل أسرار السعادة المتحققة مسبقا .
مقتبسات من مؤلفي : شهريار من بغداد وشهرزاد من القاهرة