من يحفظ السر أكثر ؟ (2)
شهريار : وصلنا في حديثنا السابق الى القول :إن صاحبنا اليوم في نهاية العقد الثالث والأخت الصديقة في بداية العقد الرابع ، وهو لم يجد صدرا حنونا يودع عنده آلام أخفاقاته بعد جهد جهيد بذله لنجاح تجربته الثانية أكثر من أخته، وبعد جلسات (سرية جدا) بين الصديقين قرر الرجل إنهاء علاقته ، ومضت المرأة الثانية الى حال سبيلها .
بعد شهرين تكرر المشهد نفسه مع الزوجة في المناسبة الإجتماعية آنفة الذكر ، وهي في غاية القلق ، ولأنها تعرف تماما أن زوجها صديق مقرب لأخته ، وتلك الأخت صديقة صدوقة لها من قبل أن تتزوج أخاها ، فكان من البديهي أن تلجأ إليها، تلك الدقائق لم تكن محرجة للأخت الصديقة ، فهي مازالت تطلب الدعم والمساندة له ، وكأنها تناست أنها تطلب التعاطف من زوجته ، فأخذت تقص عليها ماجرى ، وبقصد أن تثير مزيدا من المشاعر الحميمة لدى المرأة التي تجلس أمامها أضافت من خيالها (مِلحَ ) الحب الغامر الذي كان ينبض في قلب المرأة الثانية تجاه أخيها ، لكنه ، على حد وصفها ، رفض الزواج بها لأنه يحبُ زوجته.
في تلك اللحظات وبدلا من أن تسمع (الأخت الصديقة) عبارات الثناء والدعم والمساندة والتعاطف من صديقتها المقربة، توقفت عن الحديث على وقع صرخات وعويل ، ولم يكن أمامها إلا أن تتخذ موقفا دفاعيا عن أخيها ، والمصيبة أنها لم تتوقف عن تذكير صاحبتها بأن المرأة الثانية كانت جميلة وغنية لكنه لم يقبل الزواج منها لأنه يحبها هي ولن يفرط بها .
ماحصل بعد ذلك أن الزوج دخل في صراعات طويلة مع زوجته قبل أن يقنعها (تقريبا) ، بأن الموضوع كان عارضا ولم يصل الى حد العلاقة مع المرأة الثانية ، وأن حبَ أخته له دفعها الى المبالغة في التعبيرعن (موقفه النبيل) تجاه زوجته ، وحينما عادت الزوجة الى صديقتها لم تتردد الأخيرة – بقصد الدعم والمساندة ، لكن هذه المرة للاخ الصديق والصديقة الصدوقة في آن واحد – لم تتردد للحظة بأن تقر في مبالغتها ، وأنْ أخاها لم يلتقِ المرأة سوى مرتين في مناسبة عامة ، حين عرضت عليه الزواج لكنه اعتذر وأكد تمسكه بزواجه الأول ،وبعد أخذ ورد طويل حصلت الأخت الصديقة أخيرا على الدعم والمساندة والتعاطف الحميم من صديقتها ،ونسيت تماما أن رغبتها العارمة بالحصول على تلك المشاعر كانت سببا في افشائها سرا خطيرا كاد يتسبب (بخراب مالطا) ،وحينما عادت الزوجة الى المنزل وعلامات الرضا بين عينيها عانقها زوجها بقوة ، بينما كان يقسم بأغلظ الأيمان ، من غير ان يصدر صوتا : أنْ لا يفشي سرا لامراة ، بعدالآن ، وإن كانت (أخته الصديقة ) .
هذا هو الحال ياشهرزاد على العموم ، ولكل قاعدة شواذ كما يقال ، لكنها الطبيعة البشرية المتحكمة بأسرار الرجال والنساء على نحوين مختلفين تماما .
وقد قيل لي ذات مرة : إن أجهزة المخابرات في الدول المتطورة تعتمد على النساء في كشف أسرار الأعداء ، لكنها تتكئ على الرجال في حفظ أسرارها الخاصة .
مقتبسات من مؤلفي : شهريار من بغداد وشهرزاد من القاهرة
للتواصل مع الكاتب : [email protected]