شهرزاد : مما يتردد على ألسنة الناس إن الرجال أكثر حفاظا على أسرار أصدقائهم ، بخلاف النساء اللائي ،بقصد أو بدونه ، يفضحن أسرار صديقاتهن ، هل تؤمن حقا بأن الرجال أكثر حفظا للأسرار من النساء؟.
شهريار : الأمر لا يخلو من طرافة برغم آثاره السلبية العميقة في بعض الأحيان ، والسر كما أراه في طبيعة الرجل الذي يجد الشكوى من همومه الخاصة إعترافا بالهزيمة ، فهو ينظر الى عجزه عن إيجاد حل مناسب لمشكلته في العمل ، حتى لو كانت تصليح آلة كهربائية منزلية ، عيبا لايمكنه البوح به على عجالة ، ذلك المخلوق الذي لا يتجرّع طعم الهزيمة يحاول آلف مرة أن يحقق إنتصاره ،في كل صغيرة وكبيرة ، قبل أن يبيح بسرعجزه ، ويطلب المساعدة ،ومن كانت هذه صفاته فهو قادر بكل تأكيد على أن يحفظ أسرار أبناء جنسه من الرجال ، ويزاد حرصا على ذلك كلما كان السر المودع عنده من صديق مقرب .
على الجانب الآخر تقف المرأة التي تحب أن تشارك صديقاتها همومهن وأحلامهن وتبدي رغبتها العارمة بالمساعدة في حل تلك المشاكل ، وكيف لا ؟ وهي العاشقة للعلاقات الاجتماعية والعبارات السخية بالمشاعر الجياشة والتعاطف، وهي بالمقابل لا تترك سرا ولا هما ولا عاطفة إلا وباحت بها لهن ، ومن كانت هذه صفاتها فهي بكل تأكيد تجد صعوبة كبيرة في حفظ أسرارها وأسرار غيرها ، وكلما زادت الجلسة حميمية وتأثرا بالأفراح والأتراح لم تترك في صدرها سرا لها أو لغيرها إلا وأعلنت عنه ، بل إنها ومن أجل الحصول على المزيد من الدعم المعنوي ومشاعر التأثر ربما تزيد على أصل الحكاية لتكسب مزيدا من أجواء التعاطف والحميمية من صديقاتها والعكس الصحيح .
شهرزاد : كأنك تعمم أن المرأة لا تحفظ سرا ! ، هل فاتك أن إفتضاح بعض الأسرار قد يتسبب بكوارث أُسرية ؟.
شهريار : المرأة لا تريد أن تفضح أسرار صديقاتها والمقربين منها ، لكنها بمحبة تطلب لهن الدعم والمساندة بالحديث عّما يعتلج في صدور المقربات لغير المقربات، أمّا الرجل فهو يقدم أفضل مالديه من الدعم والمساندة لصديقه الذي كشف عن إخفاقه في أحد الميادين، بان يشد من عزيمته ، ويعرب له عن تقديره لمواهبه وقدرته على النجاح عبر محاولة أخرى ، وربما يكون هذا سببا وجيها لأن تودع المرأة أسرارها في صدر رجل ، وكلما كان ذلك الرجل من محيط الأسرة كان أكثر كتمانا .
وتأملي معي ياشهرزاد هذا المشهد : رجل متزوج ومتورط بعلاقة أخرى ، والمرأة الثانية تلح عليه بالزواج ، وهو عاجز عن فتح بيتٍ ثانٍ ،وبعد محاولات ومحاولات أقر بعجزه ، وقرر أن يشكو همه لصديقه المقرب وهو أخو زوجته ،وطلب منه النصيحة وكله ثقة بأن سره سيكون في مأمن ، وطال الحديث بينهما حتى اقتنع صاحبنا بضرورة إنهاء العلاقة لتشق تلك المرأة طريقها بعيدا عنه .
بعد شهرين إلتقت زوجته بصديقة قديمة في مناسبة إجتماعية ،وسرعان ما أخبرتها بأنها ،ربما تكون، قد رأت زوجها مع إمرأة أخرى في أحد المطاعم قبل 3 أشهر ، لكنها لم تتمكن من الإقتراب والتأكد من ملامحه ، فقد كانت في سيارة ورأت ذلك المشهد من بعيد ، لذلك هي لم تخبرها في حينها عبر الهاتف ،وبعد أن قلبت مزاج الزوجة رأسا على عقب ألحت عليها بأن تكون أكثر حذرا وحيطة وأن تحاول التحقق من الأمر .
وبطبيعة الحال فإن تلك المرأة لجأت الى أخيها ( الصديق المقرب لزوجها ) ، وسألته بإلحاح : إن كان زوجها على علاقة مع إمراة أخرى ؟.
في تلك الدقائق الحرجة لم يتردد الصديق المقرب للحظة بأن ينكر معرفته بوجود علاقة ، وبدافع الإنتصار لأسرارالرجال – لاسيما ما يتعلق منها بالإخفاق بوصفه عيبا لايمكن البوح به – نسيّ تماما إنه يحدث أخته ، بل إنه كال المديح لصديقه الذي يحبها وهو غير مستعد لتفضيل غيرها عليها .
دعينا الآن ياشهرزاد ننظر للمشهد من جانب آخر: ذلك الرجل الذي أخفق في العلاقة الثانية ، لم يجد صديقا مقربا يشكو له همه سوى أخته وهي صديقته المقربة فقد إعتادا على تبادل الأسرار الكبيرة والصغيرة منذ نعومة أظفارهما ، وبوصفها الأخت الكبرى ، كانت تنقل همومه (أسراره ) الى والديه (حينما كانا صغيرين) بقصد الدعم والمساندة اللذين تعشقهما المرأة ، وبالفعل حققت له الكثير من أمنياته على هذا النحو ، وهو في حينها لم يكن يشعر بأنها تكشف أسراره كنتيجة طبيعية للنتائج المتحققة .
صاحبنا اليوم في نهاية العقد الثالث والأخت الصديقة في بداية العقد الرابع ، وهو لم يجد صدرا حنونا يودع عنده آلام أخفاقاته بعد جهد جهيد بذله لنجاح تجربته الثانية أكثر من أخته، وبعد جلسات (سرية جدا) بين الصديقين قرر الرجل إنهاء علاقته ، ومضت المرأة الثانية الى حال سبيلها ، في المرة المقبلة سنكمل القصة في مشهدها الثاني .
مقتبسات من مؤلفي : شهريار من بغداد وشهرزاد من القاهرة
للتواصل مع الكاتب : [email protected]