22 ديسمبر، 2024 9:03 م

من وحي شهريار وشهرزاد (12) حكاية المسؤول الطيب ( الجزء الاول )

من وحي شهريار وشهرزاد (12) حكاية المسؤول الطيب ( الجزء الاول )

اجد ياشهرزاد أن معيار القلوب الطيبة هو موهبتها بالتمييز بين الخير والشر، والنفوس الكبيرة وحدها القادرة على الفصل بين العلاقات الشخصية وإزدواجية القرار في ميادين الحياة وسوح العمل .

شهرزاد : في بعض الأحيان أجدك مبالغا في وصف قدرة الناس على المسامحة والإعتذار ، ولأنكر وجود هؤلاء لكنهم في أزماننا هذه عرضة لإستغلال طيبتهم ألا ترى ذلك؟ .

– نعم الجميع يسعد بالطيبين لا سيما حينما يكونون في موقع المسؤولية ، فالطيبون أمثالهم يرددون في قرارة أنفسهم : (أخيرا نحن تحت خيمة حانية) ، أمّا المتجبرون والمتكبرون والكسالى والمراؤون فهم يتناقلون خبر تعيين مدير جديد بالهمس والسخرية ، ولسان حالهم يقول:( ستسير الأمور كما نريد نحن لاكما يقررالمدير ) .

وأرى أن أصحاب القلوب الطيبة هم المبادرون بالمسامحة في أقسى المواقف ، مع قدرتهم على رد السوء بمثله ، إنهم يعفون عن المسيء ،ويلتمسون للمخطئ العذر ، ويتجاهلون وقاحة المتكبر ، ويستصغرون جهالة المتجبر ، وذلك شأن عظيم لا يقدر عليه عامة الناس ، فكيف يصف البعض القلوب الطيبة بأنها قلوب ضعيفة ؟.

إنْ صاحب القلب الطيب إنسان مبدع إستطاع أن يحقق إنتصارات داخلية بتغيير إطاره الفكري المبني على قاعدة (البادئ أظلم )، وإنه لذو حكمة عظيمة تتجلى بعدم انزلاقه الى ظلمات الضغينة والحقد والكراهية ، تلك نفوس كبيرة إستطاعت أن تبني بين قلوبها وقساوة العدوانيين والمتجبرين جدارا منيعا يصد التشبه بهم،أو الإلتحاق بركبهم .

وقلنا أنَ الجميع يُسعَد بهم ، لاسيما إنْ كانوا في موقع المسؤولية ، وإن أصحاب القلوب البيضاء الطاغية أنوارها على ملامح وجوههم المبتسمة ،برغم آلآلام، تجد فسحة واسعة من الأمل ، وتترقب من المسؤول الطيب أن ينصفهم ،ويضع حدا ( للظالمين )، فهم يتحسرون على يوم لا يشعرون فيه بالغبن ،هم يؤدون واجباتهم ويخلصون في أعمالهم لإرضاء ضمائرهم ، وليس لينالوا رضا المسؤول القديم الذي كان لايفرق بينهم وبين الكسالى والمرائين الذين يكيلون عبارات المديح له لإرضاء كبريائه ، وكان يجد سعادة بإشباع غروره كلما حقق جولة إنتصار على متكبر دونه في مستوى المسؤولية، قلبه الممتلئ بالإنتصارات الزائفة حال بينه وبين رؤية المخلصين من جهة ، والمتسلقين على أكتاف الطيبين من جهة اخرى .

ويالها من سعادة تحيط بالمتجبرين الذين تخلصوا أخيرا من المتسلط الأكبر، ذلك المسؤول القديم الذي طالما سرق منهم الإحساس بالسيطرة ، بل إنه كان يذكرهم بحقيقتهم المرة : ( إنهم بدون أن يحققوا مجدا متهالكا بالقساوة على الطَيّب ، والتعالي على الفقير ، وإستغلال المخلصين مجرد فقاعة قام بفقعها هو بقساوة أشد كلما أمتلات غرورا وتكبرا) ، أنهم فرحون بالمسؤول الجديد الطيب الذي لن يسلبهم عروشهم الخاوية ، ولن يقارعهم على أحلام الإستبداد ، هم أقرب الآن الى استغلال الرجل الأهم ، ولن يجدوا صعوبة في ذلك، فهم متمرسون على الإيقاع بأصحاب القلوب الرحيمة ، والمنصب لا يمثل فرقا مادام صاحبه رقيق القلب ، والرقة والطيبة والرحمة كما يظنون : ( ماهي إلا نقاط ضعف سيستغلونها أبشع استغلال لتعزيز نفوذهم المزعوم) .

، أمّا المراؤون والكسالى فهم أكثر السيئين بهجة ، المرائي يعتقد أنه قادر على إرضاء المسؤول الطيب بجهد أقل ، لن يفكر بعبارات جديدة في كل يوم ليكون مقنعا في ثناء المداهنة كما كان يفعل مع قاسي القلب ، كل ما يحتاجه إبتسامة زائفة ، وإطراء سطحي ، ودعاء لا يصل الى أعلى من سقف الغرفة ،بان يطيل الله بقاء الطيب سهل الإرضاء .

أمّا الكسلان فهو منتعش الآمال بنيل مزيد من النوم على مكتبه ، والحصول على مزيد من إجازات التمارض والأعذار الواهية ، لن يضطر الى إماتت عدد أكبر من أقاربه ، فطيب القلب سينسى أنه منحه إجازة قبل إسبوع او إسبوعين بزعم وفاة جدته ،وسيمنحه إجازة أطول هذه المرة ،ويشعر بالرأفة لحاله أكثر ، وإن تذكر عذره السابق فسيخبره بأنها جدته الثانية لأبيه والأولى كانت لإمه ،بل إنه يحلم بمكافاة عاجلة ، فصاحب القلب الرؤوف سيكافئ الجميع ولن ينسى أحدا .

شهرزاد : شوقتني .. لكن ماالذي سيفعله هذا المسؤول الطيب ،هل سيحقق العدالة ام سيرضي الجميع ؟

في المرة المقبلة ساقص عليك بقية الحكاية وسنرى ما يفعله صاحبنا الطيب .

مقتبسات من مؤلفي : شهريار من بغداد وشهرزاد من القاهرة

للتواصل مع الكاتب : [email protected]