مما لا شك فيه أن شعار :” بإسم الدين باكونه الحرامية ” هو أحد اخطر الشعارات التي رفعتها التظاهرات العراقية في أول أيام إنطلاقها لأسباب كثيرة منها:
1- إنه يعبر عن حقيقة ساطعة لا يمكن إخفاؤها أبدا. إذ استطاع المتأسلمون طيلة 12 عاما من استغلال الناس البسطاء وإخضاعهم للسكوت عن جرائمهم التي تمثلت بسرقات كبرى للمال العام وللمناصب والوظائف العامة. لا بل سرقوا عقول الناس وسحقوا كرامتهم وواستغلوهم واستخدموهم استخداما لتمرير مآربهم التي أملتها عليهم نفوسهم الأمارة بالسوء.
2- إنه يعبر عن صحوة شعب بكل ما تعنيه كلمة الصحوة من معان.
3- إنه يعبر عن إنتفاضة شعب بعد الصحوة.
4- وإنه يقطع الطريق تماما أمام مواصلة اللصوص لصوصيتهم بإسم الدين وربما تحت أية ذريعة أخرى.
5- وإنه أخيرا سلب اللصوص أحد أهم إسلحتهم في تدمير العراق كدولة وخرابه كمجتمع. فعليهم البحث عن أسلحة أخرى ما دام ثلاثي (السلطة – المال – الإعلام ) لم يزل بأياديهم قطعها الله آجلا أم عاجلا..
لكن من أسلحة المقاومة القوية التي عثر عليها المتأسلمون في التصدي لهذا الشعار بل
لكل التظاهرات هو الشعار نفسه ” بإسم الدين باكونه الحرامية ” رغم وطنيته وحقيقته الساطعة. إذ استطاعوا أن يؤججوا مشاعر الخوف والقلق لدى جمهورهم بإدعاء أن هذه المظاهرات هي أصلا ضد الدين والقائمون عليها إنما يريدون حكما لا دينيا !!. وأنهم هم حماة الدين والمذهب على وجه التحديد. وإن وراء هذا الشعار والمظاهرات كلها تقف دول أخرى منها قريبة إقليمية وأخرى بعيدة عالمية..
واستطاعت القوى المتأسلمة أن تصل إلى شيء من مبتغاها في هذا المضمار وانعكس ذلك بوضوح على أعداد المشاركين في التظاهرات. لكننا يجب أن نشير إلى أن بعض القوى والعناصر والإتجاهات التي رفعت بإصرار شعارات تتعلق باعتبار العلمانية هي الرد وهي الحل وهي البديل للحكم الإسلامي قد ساهمت بمنح القوى المتاسلمة المزيد من قوة الحجة والبرهان على أن المتظاهرين ومن يقف وراءهم يريدون حكما لا دينيا أي علمانيا.. وبالتالي على هذه الجموع نفسها التي كانت إلى يوم أمس مستغلة مستخدمة في توطيد سلطان سراق المال العام أن تقوم اليوم بحماية الدين من مخاطر كفار العلمانية.
إننا يجب هنا أن نشير إلى ما يلي:
1- إن المتأسلمين لا يفقهون من العلمانية شيئا أبدا. سوى أنهم يعتبرونها كفرا وإلغاءً للدين كله وخاصة الدين الإسلامي.
2- إن بعض دهاقنة سرقات المال العام يعرفون جيدا أن العلمانية ليست كما يجري تفسيرها في أنها ترفض الدين جملة تفصيلا لكنهم يستفيدون من هذا الفهم الخاطيء ويسكتون عنه مادام في خدمتهم.
3- إن الكثير من العلمانيين ساعدوا على ترسيخ هذا الفهم الخاطيء بممارساتهم غير الصحيحة والتي راحت تصب في خدمة المتأسلمين وتوفر لهم الحجة والوسيلة.
4- وأكثر من هذا أن بعض المحسوبين على العلمانية يفهمونها خطأً وتحت تأثير إندفاعات تقف وراءها نجاحات مهمة حققتها التظاهرات راحوا يروجون لمفاهيم ضارة جدا بروح التظاهرات الوطنية وتسيء ليس فقط للدين بشكل عام والإسلام بشكل خاص بل لجوهر العملية الوطنية التحررية التي حركت الجماهير المشاركة في التظاهرات. ففتحت صفحات وكروبات في مواقع التواصل الجماهيري خصصت للتهجم على الدين بإسم العلمانية لا بل خصصت الكثير من الحوارات والتعليقات المسيئة للقرآن الكريم وللرسول محمد ص ولرموز دينية أساسية. ولقد إستفاد هؤلاء هم الآخرون من فساد المتأسلمين وحروبهم الطائفية وجرائم داعش للتشهير بالدين بل راحوا يبحثون عن نصوص في القرآن الكريم أو الحديث النبوي الشريف و السيرة النبوية ليجعلوها مصدرا فكريا للجرائم والممارسات اللاإنسانية التي يرتكبها المتأسلمون وعناصر داعش وأخواتها.
إن المتأسلمين من سراق المال العام والطائفيين من السنة والشيعة ليسوا بمسلمين بل هم أعداء الدين تخفوا تحت العباءات الإسلامية. وكذلك هؤلاء الذين يسمون أنفسهم علمانيين ليسوا بعلمانيين لأن ليس من آداب العلمانية ولا أي مدرسة فكرية موقرة أخرى ألإساءة للدين بهذه الطريقة الفاحشة.
الإسلام دين الحق والعدالة والنزاهة والتعفف والزهد ولنا في رسول الله ص أسوة حسنة وكذلك في آل بيته الأطهار واصحابه الميامين.
والعلمانية فكر ينادي بفصل الدين عن الدولة وعدم جعله أداة بيد دعاته للسيطرة على الدولة وفرض قناعاتهم على الجميع وسلب الآخرين حقوقهم وتحويلهم إلى أهل ذمة ومواطنين من الدرجة الثانية.
والحال فنحن إذ نتمسك بموقفنا في إدانة سراق المال العام والمتلاعبين بمقدرتنا الإنسانية وموادرنا الوطنية وعقائدنا السمحة والشريفة ندين أيضا ونرفض بشدة أية إساءة لأي دين مهما كان وخاصة لديننا الإسلامي الحنيف وندعو المواطن العراقي الكريم لموقف مماثل وطني سليم كي لا نفرط بالحق وبثورتنا الوطنية السلمية الكبرى.