23 ديسمبر، 2024 5:56 ص

من هي … الكتلة النيابية الأكثر عددا ؟.

من هي … الكتلة النيابية الأكثر عددا ؟.

نصت المادة (76/أولا) من الدستور ، على أن ( يكلف رئيس الجمهورية ، مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء ، خلال خمسة عشر يوما من تأريخ إنتخاب رئيس الجمهورية ) .
كثر الحديث بشأن تفسير المقصود من عبارة ( مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا ) الواردة في النص الدستوري المذكور ، على الرغم من صحة رأي المحكمة الإتحادية بإعتبار ( قائمة الإئتلاف الوطني ) في حينها ، هي الكتلة النيابية الأكثر عددا ، ولكن الذي يؤسف له ، إستمرار ترديد أغلب أعضاء مجلس النواب وسياسيو الصدفة التنفيذيين ، ومجاميع الببغاوات على صفحات التواصل الإجتماعي ، ما يخالف رأي المحكمة الإتحادية من غير علم ولا حد أدنى من المعرفة بالمقصود من معاني الكلمات المستخدمة في النص الدستوري أو القانوني ، كما لم نجد من يبادر إلى إيضاح الموضوع من الناحية اللغوية بشكل تفصيلي وصريح ، يزيل لبس وغموض المعنى والمقصود بشكل سهل ومريح ، حيث تعني (الكتلة) القطعة المتجمعة من أكثر من مادة ، ولما كان دخول الكيانات أو الأحزاب أو الكتل أو التيارات ساحة المنافسة الإنتخابية بشكل منفرد أو متجمع ، فإنها وبعد الفوز بعدد من مقاعد مجلس النواب ، تحتفظ بتسمياتها المذكورة ، ولا تسمى ولا تكون كيانات أو أحزاب أو كتل أو تيارات نيابية ، ما لم يؤد أعضاؤها الفائزين بالإنتخابات قسم أداء مهام وواجبات العضوية في مجلس النواب ، عندها وحسب النص الدستوري ، تكتسب صفة ( النيابية ) لتصبح ( الكتلة النيابية ) ، ولأن تلك التسمية فقط ، لا تؤهلها لأن تكون الكتلة النيابية التي تكلف بتشكيل مجلس الوزراء ، ما لم تكن الأكثر عددا من غيرها ، فإن تطابق وصف الكيان أو الحزب أو التيار المنفرد أو المتجمع مع وصف ( الكتلة النيابية الأكثر عددا ) كما فصلنا ، كفيل بالطلب منها بترشيح من سيكلفه رئيس الجمهورية بتشكيل مجلس الوزراء .

وعليه فإن ما إجتمع من الكيانات السياسية بعد إعلان نتائج الإنتخابات البرلمانية وأداء القسم ، وكان الأكثر عددا بمجموعه من غيره من الكيانات الأخرى وإن إجتمعت ، هو المقصود بالكتلة النيابية الأكثر عددا ، وتلك من ألاعيب السياسة وفنونها التي أودت بحياة فوز القائمة العراقية بالمرتبة الأولى في الإنتخابات البرلمانية للعام 2010 ، أو كان نتيجة تمسك القائمة العراقية بطمع تشكيل مجلس الوزراء من قبلها فقط ، دون السعي لضم كيانات سياسية أخرى إليها داخل قبة البرلمان ، إعتقادا منها بأنها الكتلة النيابية الأكثر عددا ، كونها الكتلة الفائزة بالدرجة الأولى حسب نتائج الإنتخابات المعلنة إبتداء .

ومع ذلك فإن هنالك رأي آخر مفاده بعدم رقي رأي المحكمة الإتحادية العليا إلى مستوى قرارها الملزم في التنفيذ وفقا لأحكام المادة (94) من الدستور ، التي تنص على إن ( قرارات المحكمة الإتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة ) ، لأن ( تفسير نصوص الدستور) ليس بقوة الفرض والبت الملزم لنتائج الرقابة أو الفصل أو المصادقة الواردة ضمن إختصاصات المحكمة المنصوص عليها في المادة (93) من الدستور ، وإنما هو رأي يستعان به لحل إشكال قد يتم الإتفاق على تسويته سياسيا وبالتوافق ، وبالتالي إمكانية توجيه التفسير إلى إعتبار الكيان الفائز بالمركز الأول عددا في الإنتخابات ، على أنه الكتلة النيابية الأكثر عددا ، لإكتسابه تلك الصفة حتما بعد أداء القسم ، خاصة وأن هنالك إحتمال عدم تمكن الكيانات الأخرى من تشكيل الكتلة النيابية الأكثر عددا ، وبالنتيجة سيكون الكيان الفائز الأول حكما هو الكتلة النيابية الأكثر عددا ، منفردا أو بضم كيان آخر إليه لتحقيق المطلوب من الناحية الشكلية ، لعدم توقع تفريطه بتشكيل مجلس الوزراء بعد فوزه في الإنتخابات وبالمركز الأول ، وفي أدناه رأي المحكمة الإتحادية العليا رقم ( 25/ إتحادية / 2010 ) في 25/3/2010 بشأن الموضوع :-

(( ورد إلى المحكمة الإتحادية العليا كتاب مكتب رئيس مجلس الوزراء المرقم (م.ر.ن/ 1979) المؤرخ في 21/3/2010 ، متضمنا تفسير المادة (76) من دستور جمهورية العراق ، وأورد الكتاب نص المادة المذكورة ، طالبا تفسير تعبير (( الكتلة النيابية الأكثر عددا )) الوارد في المادة . وضع الطلب أعلاه موضع التدقيق والمداولة من المحكمة الاتحادية العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 25/3/2010 ، وبعد الرجوع إلى آراء فقهاء القانون الدستوري والتمعن فيها ، توصلت المحكمة الاتحادية العليا إلى الرأي الآتي :-

(( وجدت المحكمة الاتحادية العليا من إستقراء نص المادة (76) من دستور جمهورية العراق بفقراتها الخمسة ، ومن إستقراء بقية النصوص الدستورية ذات العلاقة . إن تطبيق أحكام المادة (76) من الدستور ، يأتي بعد إنعقاد مجلس النواب بدورته الجديدة بناء على دعوة رئيس الجمهورية وفقا لأحكام المادة (54) من الدستور ، وبعد إنتخاب مجلس النواب في أول جلسة له رئيسا للمجلس ثم نائبا أول ونائبا ثانيا له وفق أحكام المادة (55) من الدستور ، بعدها يتولى المجلس إنتخاب رئيس الجمهورية الجديد وفق ما هو مرسوم في المادة (70) من الدستور ، وبعد أن يتم إنتخاب رئيس الجمهورية ، يكلف وخلال خمسة عشر يوما من تأريخ إنتخابه مرشح (( الكتلة النيابية الأكثر عددا )) بتشكيل مجلس الوزراء . وتجد المحكمة الإتحادية العليا أن تعبير (( الكتلة النيابية الأكثر عددا )) يعني : إما الكتلة التي تكونت بعد الإنتخابات من خلال قائمة إنتخابية واحدة ، دخلت الإنتخابات بإسم ورقم معينين ، وحازت على العدد الأكثر من المقاعد ، أو الكتلة التي تجمعت من قائمتين أو أكثر من القوائم الإنتخابية التي دخلت الإنتخابات بأسماء وأرقام مختلفة ، ثم تكتلت في كتلة واحدة ذات كيان واحد في مجلس النواب ، أيهما أكثر عددا ، فيتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح الكتلة النيابية التي أصبحت مقاعدها النيابية في الجلسة الأولى لمجلس النواب أكثر عددا من الكتلة أو الكتل الأخرى بتشكيل مجلس الوزراء ، إستنادا إلى أحكام المادة (76) من الدستور . وصدر الرأي بالإتفاق في 25/3/2010 . )) .

وفي كل الأحوال ، فإن النص الدستوري المانع من تشكيل مجلس الوزراء من قبل الكتلة أو الكيان الفائز بالمرتبة الأولى في الإنتخابات البرلمانية ، إجترار سياسي سالب لحقوق الرأي العام ، وسبب موجب لتعديل النص الدستوري بما يضمن حق الكيان السياسي أو الكتلة السياسية الفائزة بالمرتبة الأولى في الإنتخابات بتشكيل مجلس الوزراء ، منعا مسبقا للكيانات والأحزاب من التكتل على أسس غير حميدة سياسيا ولا مهنيا بعد الإنتخابات ، لغرض تحقيق أي شيء على حساب تطلعات أكثرية الناخبين ورغبتهم وأملهم فيمن يمثلونهم برلمانيا ، لأن الفوز بثقة الشعب قائم على أساس الحصول على الأكثر عددا من أصوات الناخبين ، وليس على الكتلة النيابية الأكثر عددا بالتشكيل بعد الإعلان عن نتائج الإنتخابات ، لنشوئها من مجموعة كيانات لم تحصل إلا على القليل من الأصوات منفردة ، والتي ستكون سيفا مسلطا على رقاب الكيانات الفائزة بالإنتخابات بالمراتب المتقدمة ، بسبب الحاجة إليها لتشكيل الكتلة الأكثر عددا من أجل تشكيل الوزارة من قبلها ، وبذلك تصبح الإنتخابات ونتائجها عديمة الجدوى والفائدة ديمقراطيا ، إن لم يتم تعديل الدستور لرفع شائبة يصفها الشعب عرفا بالكيانات الخاسرة أو التي لم تحصل على المرتبة الأولى في الإنتخابات ، والتي تعد أيضا من تقاطعات غايات النصوص القانونية وتناقض أحكامها الواردة في المادتين ( 5 و 6 ) من الدستور ، التي تتطلب حذف كلمة ( النيابية ) الواردة بعد كلمة ( الكتلة ) ، أو إستبدالها بجملة ( الفائزة الأولى بالإنتخابات ) ، والتي ستكون هي الأخرى سببا في تشويه وتغيير نتائج الإنتخابات بالتزوير على صعيد الأشخاص أو الكيانات السياسية ، إلا إذا أصبح الوعي الإنتخابي لدى الكيانات السياسية المتنافسة ، ولدى المواطنين الناخبين بمستوى تحقيق أهداف وغايات الإنتخابات الحرة والنزيهة ، عندها سيكون ذلك الوعي وتلك الثقافة الإنتخابية السليمة ، المنقذ الحقيقي للكيانات السياسية الفائزة بعدد المقاعد الأكثر ، بدلا من خضوعها لآليات إختيار الكتل المنضوية تحت لوائها ، والتي قد لا تراعي تقدم الكيان بالأكثرية العددية المتحققة أو المطلوبة بالإنتخابات ، مما يؤدي إلى تراجع الكيان الفائز في المرتبة الأولى إلى منزلة لا تؤهله لنيل إستحقاقه الإنتخابي الخاص ، وبالحرمان الجائر ليس إلا .