22 ديسمبر، 2024 8:56 م

من هي الجهة المختصة بتفسير الدستور والمعنية بإمكانية حل البرلمان

من هي الجهة المختصة بتفسير الدستور والمعنية بإمكانية حل البرلمان

المحكمة الاتحادية العليا ام مجلس القضاء الأعلى؟
تداولت وسائل الإعلام توضيح المركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى والمنشور في موقعه الإلكتروني الذي جاء فيه الاتي (لا يجوز لأي جهة سواء كانت قضائية او غيرها ان تفرض حلاً لحالة الانسداد السياسي إلا وفق أحكام الدستور لذا فان اليات حل مجلس النواب مقيدة بنص المادة ٦٤ من الدستور وملخصها ان المجلس يحل بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه بخيارين لا ثالث لهما الأول بناء على طلب من ثلث أعضائه والثاني طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية. ومن هذا النص يتضح جلياً بعدم امتلاك أي جهة أخرى بما فيها القضاء بشقيه العادي والدستوري صلاحية حل مجلس النواب لعدم وجود سند دستوري او قانوني لهذا الإجراء.) وفي الوقت الذي نثمن فيه اهتمام مجلس القضاء الأعلى بالشأن العام وتفاعله مع ما يمر به العراق من أزمات قانونية ودستورية، إلا ان الأمر فيه بعض التحفظ من وجهة نظر الفقه الدستوري والقانوني وعلى وفق الاتي:
ان موضوع حل البرلمان هو شأن دستوري صرف حيث ان تشكيله وحله يكون على وفق أحكام الدستور لكن الجهة المكلفة بتفسير نصوص الدستور هي المحكمة الاتحادية العليا حصراً وعلى وفق ما ورد في المادة (93/ثانياً) من الدستور التي جاء فيها الاتي (تختص المحكمة الاتحادية العليا بما يأتي: ثانياً:- تفسير نصوص الدستور)، وما عرضه مجلس القضاء الأعلى هو بمثابة تفسير بل تعداه إلى إعطاء حكم جازم بقوله (ومن هذا النص يتضح جلياً بعدم امتلاك أي جهة أخرى بما فيها القضاء بشقيه العادي والدستوري صلاحية حل مجلس النواب لعدم وجود سند دستوري او قانوني لهذا الإجراء)، بينما لم يرد في قانون مجلس القضاء الأعلى أو قانون التنظيم القضائي أو قانون المرافعات المدنية او قانون الأثبات أو غيره من القوانين التي يتعامل معها القضاء العادي، أي نص يمنحه صلاحية تفسير النصوص الدستورية.
قد يقول قائل انه رأي يبديه المجلس لتفاعله مع الأحداث التي يتطلب من الجميع المساهمة في حلها ومعالجتها، وهذا القول لا سند له لان القانون يمنع على القضاء إبداء الرأي باي قضية من الممكن ان تكون محل نزاع، وحتى القاضي لا يجوز له ذلك لأنه ممنوع من ذلك ويجب منعه من نظر أي قضية ابدى رأياً مسبقاً فيها بموجب نص المادة (93/3) من قانون المرافعات المدنية التي جاء فيها الاتي (يجوز رد الحاكم او القاضي لاحد الأسباب الآتية: 3-اذا كان قد ابدى رايا فيها قبل الأوان)
ان الرأي الوارد في التوضيح أعلاه قد صدر بشكل رسمي من مؤسسة دستورية تعنى بتطبيق القانون، ولم يصدر من أي شخص فيها باي صفة كانت، وبذلك اصبح رأياً يمثل جميع المنتسبين في المؤسسة القضائية في القضاء العادي، ولو صدر من احد القائمين على شؤون المؤسسة القضائية لوجد له فسحة من القبول باعتباره يمثل رأي شخصي بوصفه مواطن كفل الدستور له حق التعبير عن رأيه بحرية تامة، ومن حقه أي يسهم في طرح الأفكار التي تهدف إلى المعالجة وإيجاد الحلول، وبذلك فان هذا يمثل تمدد على اختصاص المحكمة الاتحادية العليا فيما يتعلق صلاحيتها الحصرية بتفسير الدستور والفصل في المنازعة الدستورية.
ان موضوع حل البرلمان ما زال محل تنازع وتجاذب بين القوى السياسية وكذلك الفعاليات الاجتماعية الأخرى، فماذا سيكون الموقف لو طلب من المحكمة الاتحادية العليا في بيان موقف الدستور سواء كان بطلب تفسير او بموجب دعوى، فهل تلتزم المحكمة بتوجيه مجلس القضاء الأعلى الذي اكد على عدم امتلاكها الصلاحية بحل البرلمان، وهل لمجلس القضاء سلطة وولاية على المحكمة الاتحادية حتى يلزمها بذلك؟.
ان مجلس القضاء وفي مناسبات عديدة طلب من المحكمة الاتحادية العليا عدة طلبات بموجب دعاوى أقامها طعناً ببعض النصوص القانونية التي يرى بانها غير دستورية، الا انها لم تستجب لجميع طلباته ورفضتها، وهذا يؤكد بان المحكمة الاتحادية العليا غير ملزمة بالأخذ بالرأي الذي يبديه مجلس القضاء لان المحكمة الاتحادية العليا لها الولاية على مجلس القضاء وعلى السلطات الأخرى كافة وعلى جميع أراضي جمهورية العراق على عكس مجلس القضاء الأعلى الذي لا تمتد ولاية المحاكم التابعة له إلى أراضي إقليم كردستان.
ان ما ورد في التوضيح في تفسير نص المادة (64) من الدستور هو محل جدل فقهي بين فقهاء القانون الدستوري والقانون العام لان ما ورد في التوضيح جعل صلاحية حل البرلمان صلاحية حصرية للمجلس، على عكس ما يراه بعض الفقهاء بان الحل يكون بسبيلين، أما عن طريق حل مجلس النواب لنفسه بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه بناء على طلب ثلث الأعضاء، أو بمرسوم يصدره رئيس الجمهورية في حل مجلس النواب بناءً على طلب رئيس الوزراء ولا حاجة لموافقة المجلس على ذلك، وإنما لرئيس الجمهورية إصدار المرسوم بحله والدعوة إلى انتخابات خلال المدد الدستورية التي حددها الدستور النافذ، وهذا هو مبدأ التوازن بين السلطات حتى لا يكون البرلمان ذو سلطة مطلقة يهيمن على السلطات الأخرى ويمنع أي تعسف يصدر من أي من السلطتين، إن صياغة نص المادة (64/1) من الدستور التي جاء فيها الاتي (أولاً:- يُحل مجلس النواب، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث أعضائه، أو طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، ولا يجوز حل المجلس في أثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء( لم تحسم موضوع من يملك الصلاحية بشكل صريح، لأنها ابتدأت بآلية حل البرلمان الذاتية وأقرنت موافقة أغلبية عدد أعضائه بالطلب المقدم من ثلث أعضائه ، وانتهت هذه الجملة وأغلقها كاتب النص بفارزة يستدل منها على انتهاء الجملة واكتمالها، ثم أتى بجملة أخرى منح فيها رئيس الوزراء طلب حل البرلمان على أن يكون بموافقة رئيس الجمهورية ، وهذه الصياغة وان كانت مرتبكة لكن ما ورد في آخرها يعزز وجود آليتين إحداهما صلاحية رئيس الجمهورية بحل البرلمان، وظهر ذلك بوضوح عندما اقرن نص تلك المادة بعدم جواز حل البرلمان عند استجواب رئيس الوزراء، والسبب هو منع رئيس الوزراء من طلب حل البرلمان بموافقة رئيس الجمهورية إذا ما تعرض للاستجواب بقصد التهرب منه، وإلا لماذا يذكر ذلك إذا كان مجلس النواب هو من يقرر في النهاية ولا يؤثر عليه الطلب في فترة الاستجواب لان القرار بالنتيجة يعود إليه. وكان لي قولاً مفصلاً في ذلك نشرته في ورقة بحثية عنوانها (حل مجلس النواب بواسطة السلطة التنفيذية ومبدأ التوازن بين السلطات) نشرتها عدة مواقع إلكترونية بما فيها موقع المحكمة الاتحادية العليا وصحيفة المدى في عددها الصادر بتاريخ 9/8/2020. فهل يجوز ان يجزم مجلس القضاء الأعلى بان الألية على وفق ما يراه وما عبر عنه في التوضيح، والأمر لم يتم حسمه من الجهة المختصة بذلك وهي المحكمة الاتحادية العليا.
لذلك أرى ان التوضيح الذي أصدره مجلس القضاء الأعلى سيضع المحكمة الاتحادية العليا في حرج تجاه أي دعوى ممكن إقامتها مستقبلاً، ونسمع الآن أصوات من بعض الفعاليات السياسية والاجتماعية تنادي بالتوجه إلى المحكمة الاتحادية العليا لطلب تدخلها بحل البرلمان بواسطة دعوى قضائية أمامها، او لربما يسعى بعض أعضاء مجلس النواب أو رئاسة المجلس بطلب التفسير عن إمكانية حل البرلمان، فما هو موقف المحكمة الاتحادية العليا انذاك ، فان رفضت الطلب يفسر بانها اتبعت توجيه مجلس القضاء الأعلى، وان قبلت وافتت بحل البرلمان قيل ان ما يبديه مجلس القضاء يتقاطع مع صحيح القول في التفسير الدستوري ، وهذا قد يوحي بوجود تقاطع بين المحكمة الاتحادية ومجلس القضاء الأعلى في الرأي المتعلق بتفسير النص الدستوري او الفصل في المنازعة الدستورية، مع ان الغلبة بالتأكيد ستكون لما تقرره المحكمة الاتحادية العليا بحكم التزام السلطات كافة بما تقرره وعلى وفق ما ورد في المادة (94) من الدستور التي جاء فيها الاتي (قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتّة وملزمة للسلطات كافة).